اخر الاخبار

يشكك مراقبون في الأرقام الرسمية الخاصة بمعدلات التضخم الشهرية والسنوية، مؤكدين أن الجهات المعنية لا تعتمد مؤشرات صحيحة وحقيقية في قياس تلك النسب، وأنها عادة ما تصدر إحصائيات لأغراض سياسية.

ويقول المراقبون، إنّ السيطرة على تلك المعدلات واحتواءها يستلزم “تقوية الجهاز الإنتاجي للدولة”، والابتعاد عن “الريع النفطي” في تغذية الموازنات العامة.

وتقر وزارة التخطيط بأن هناك “ارتفاعا طفيفا” في معدلات التضخم السنوي عن العام السابق.

«السيادة النقدية»

ويعول مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، د. مظهر محمد صالح على تطبيق مبدأ “السيادة النقدية” من أجل تعزيز قدرة السياسة النقدية على “ضبط مناسيب السيولة المحلية من خلال قوة تدخل البنك المركزي في السوق النقدية”، محذرا من استمرار “الضوضاء الملونة” التي تتيح بقاء السوق السوداء للدولار النقدي، وبالتالي قدرتها على التأثير على المنظومة السعرية، ناهيك عن إتاحة أكبر لقدرة الدولة في إدارة التضخم من خلال التأثير عليها عبر أسعار الفائدة.

ما هو التضخم؟

ومصطلح التضخم يُستخدم لوصف عدد من الحالات المختلفة مثل الارتفاع المفرط في المستوى العام للأسعار، وتضخم الدخل النقدي أو عنصر من عناصر الدخل النقدي مثل الأجور أو الأرباح، ارتفاع التكاليف، والإفراط في خلق الأرصدة النقدية. وهذه الظواهر مستقلة عن بعضها البعض إلى حد ما، وهذا الاستقلال هو الذي يثير الارتباك في تحديد مفهوم التضخم.

وفي العراق فإن اكثر انواع التضخم شيوعاً هو الارتفاع المستمر في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات المستهلكة في الاقتصاد، وهذا النوع من التضخم يعمل على تقليل القوة الشرائية للأفراد (كمية السلع والخدمات التي يمكن شراؤها في حدود الدخل المتاح).

وتعتمد الجهات المختصة في وضع مؤشراتها على تقييم 333 سلعة في العراق، لكن مراقبين عادة ما يشككون بالأرقام والإحصائيات الحكومية، واصفين اياها بأنها “تفتقر للمصداقية والوضوح”.

ارتفاع بسيط

المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، قال: ان معدل التضخم الشهري بالنسبة لشهر ايلول الماضي، سجل استقراراً من دون ارتفاع او انخفاض، اي توقف عند ما سجله في شهر اب الذي سبقه؛ حيث سجل ارتفاعا بنسبة (0.5٪)، اما السنوي فقد ارتفع بنسبة بسيطة (3.6٪)، وبالنسبة لشهر تشرين الاول الماضي ارتفع التضخم الشهري بمعدل طفيف بنسبة (0.1) أي اقل من نصف واحد في المائة، والتضخم السنوي للمدة من شهر تشرين الثاني 2022 ـ الى تشرين 2023 ارتفع بنسبة ( 1.4) في المائة.

واوضح في حديثه مع “طريق الشعب”، بالقول: ان هذا الارتفاع جاء “متأثرا بارتفاع اسعار بعض الاقسام من بينها اقسام السكن، ولدينا مؤشر ان التضخم يتراجع في معدلات ارتفاعه شهرا بعد اخر”، مردفا أن “هناك ارتفاعا لكنه بسيط جدا بالمقارنة مع ما تشهده دول المنطقة من ارتفاعات جامحة؛ ففي تركيا مثلا أًعلن عن ارتفاع التضخم بنسبة 61 في المائة خلال الشهر الماضي، بالتالي هذا الارتفاع الذي يشهده العراق بسيط جداً”.

333 سلعة وخدمة

وعن مؤشرات القياس ذكر الهنداوي، ان هناك “333 سلعة وخدمة تعتبر أساسية بالنسبة للفرد والأسرة، وتتم متابعة اسعارها شهرياً من قبل فرق الجهاز المركزي للإحصاء في الاسواق الرئيسية على مستوى المحافظات والاقضية، من خلال متابعة اسواق الجملة الرئيسية واسواق المفرد، سواء كانت سلعا ام خدمات، وتتم متابعة اسعارها شهريا وقراءة التغيير الذي تشهده تلك السلع والخدمات”.

وواصل حديثه بأن “السلع والخدمات الـ 333 موزعة على 11 قسما، تتم متابعة اسعارها. ولها تأثير مباشر على معدلات اسعار المستهلك. اما اهم الاقسام التي تجري متابعة اسعارها شهريا فهي اقسام: الاغذية والمشروبات غير الكحولية والسكن والملابس والاحذية والصحة والتعليم والاتصالات والنقل والمطاعم والثقافة والترفيه”.

لا يمكن السيطرة عليه

واكد المتحدث باسم وزارة التخطيط، في ختام حديثه، انه لا يمكن السيطرة على استقرار التضخم: “يرتفع باستمرار في كل دول العالم، والارتفاع ليس دائماً حالة غير صحية، انما قد يكون الارتفاع مؤشرا لحركة تنموية؛ فعندما تكون هناك استثمارات ضخمة وتنمية كبيرة وصناعة محلية جيدة، نراه يرتفع”.

وبيّن أنه في ظروف “مثل ظروف العراق الذي ما زال يواجه مشكلات في قطاعي الصناعة والاستثمار وغيرهما، فإن الارتفاع قد يكون ذا تداعيات سلبية، لذلك تحاول الحكومة كبح جماحه بحيث يكون منطقيا”.

 

غير دقيقة

من جهته، شكك الخبير الاقتصادي همام الشماع في ما يصدر عن الجهات الرسمية بخصوص معدلات التضخم، مشيرا الى انه لم يطلع “على دراسة (ميزانية الاسرة)، التي تحدد مجاميع من السلع وعلى أساسها يجري قياس التضخم بشكل دقيق”.

واوضح قائلا: ان “الأرقام التي تعلن عنها وزارة التخطيط تستغفل الناس؛ فالتضخم يستند دائماً على سعر يسمى سنة الاساس، ولا نعلم الى اي سنة اساس نسبت تلك الارقام”، مشيراً الى ان “سنة الاساس عادةً ما تكون مستقرة ويقاس التضخم على اساس هذه السنة، فمثلاً ان يكون معدل الاسعار لسنة ما 100، فإذا اصبح معدل الأسعار لسنة تليها 125، هنا نحدد ان هناك تضخما بمقدار 25 في المائة”.

وأشار الشماع الى أن “هذه الأرقام تبدو لغير المختص كأنها ارقام يسهل استيعابها، لكن بالنسبة لنا هي ارقام غير دقيقة، ولا تعكس مقدار الارتفاع في كلف المعيشة للمواطنين”.

وأرجع الخبير الاقتصادي الأرقام المعلنة عن التضخم الى “أغراض سياسية إعلامية”، مبينا أن “الوزارة توقفت عن اصدار البيانات الدقيقة للأغراض البحثية، وكل ما يصدر الان هو لغايات سياسية تهدف لخلق حالة من الرضا من الشعب تجاه الحكومة”.

 

مجانبة للصواب

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان: انه بشكل عام “شهدت بعض السلع انخفاضا في اسعارها، لكن هناك خدمات مثل الايجار ـ على سبيل المثال ـ حيث بدأ اصحاب الاملاك يتعاملون بالدولار بدلا من الدينار، وهذه من الخفايا التي تدور في العملية، حيث تؤدي الى ارتفاع التضخم”.

واضاف انطوان لمراسل “طريق الشعب”، أن “ارتفاع سعر صرف الدولار هو تضخم بعينه، وربما تتجاهل وزارة التخطيط ذلك، لأنه يزعجها”، على حد تعبيره.

وتابع حديثه بالقول: ان “اقتصادنا هو اقتصاد استهلاكي لا انتاجي، ويعتمد بشكل رئيس على الاستيراد من دول الجوار، وما يحصل الان هو ان هناك ارتفاعا في الاسعار لكنه مخفٍ، ومغلف بالتضخم الموجود في سعر العملة”، مشيرا الى ان “رفع الباعة للأسعار تجنباً للخسارة ينعكس سلبا على الاسعار، ويخلق تضخما”.

ورهن انطوان السيطرة ومعالجة التضخم بـ”تقوية الجهاز الإنتاجي، وضبط حركة السوق ومستوى الأجور، والمواد الاولية”، مشددا على ضرورة التحدث بصراحة وشفافية، ومعالجة النقص وتصحيح المعلومة”.

وشدد المتحدث على ان “البناء الاقتصادي السليم يستلزم تقليل الاعتماد على الريع النفطي في الموازنات”.a