اخر الاخبار

للسنة الرابعة على التوالي، يلقي الجفاف بظلاله الثقيلة على الأهوار ويقضي بطريقه على كل شيء حول تلك المسطحات المائية. فعلى الرغم من إعلان الحكومة خططا للحد منه، اضطر كثير من السكان إلى هجرة الاهوار بلا رجعة.

 ويضم العراق ثلاثة أهوار رئيسية، هي هور “الحويزة” الواقع على الحدود الإيرانية، وهور “الحمّار”، وأهوار الفرات التي تمتد من مناطق شمال وغرب محافظة البصرة وجنوب منطقة العمارة إلى قرب مصب دجلة والفرات في الخليج العربي.

 إحصاءات وأرقام

في وقت سابق، اكدت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة نزوح أكثر من 62 ألف شخص عن ديارهم في منطقة الأهوار جنوب العراق، بسبب ظروف الجفاف المستمرة منذ 4 سنوات. فيما رجحت المنظمة أن يرتفع عدد النازحين بسبب تدهور الأوضاع وجفاف الأنهار والأهوار، وتراجع الاقتصاد القائم عليها.

“طريق الشعب” تواصلت مع وزارة التخطيط للحصول على ارقام دقيقة لأعداد النازحين من تلك المناطق.

وقال المتحدث باسم الوازرة، عبد الزهرة الهنداوي، ان وزارته لا تمتلك ارقاما وبيانات ومؤشرات حالياً، لعدم وجود تعداد سكاني.

فيما قال مهتمون بالشأن البيئي انه بحسب تقارير فإن هناك اكثر من مليوني نازح من المحافظات الثلاث، لم يعودوا الى مناطق سكناهم، انما استقروا في بغداد والمحافظات”.

 التصحر أدى الى النزوح

من جانبها، كشفت وزارة الهجرة، اخيرا، عن نزوح أكثر من 7 آلاف عائلة من محافظات (البصرة، وذي قار، وميسان) إلى مناطق أخرى، بسبب تداعيات التغيرات المناخية وقلّة الموارد المائية. وبينما أوضحت طبيعة المساعدات التي تقدمها لهم، أعلنت رصدها ترك أعداد من الطلبة مقاعد الدراسة في الأرياف جرّاء النزوح وعدم توفر كوادر تدريسية خاصة للصفوف المنتهية.

وقال المتحدث باسم الوزارة، علي عباس جهاكير، في تصريح صحافي، تابعته “طريق الشعب”، إن “العراق ضمن الدول التي تأثرت بظاهرة التصحر، فضلاً عن قلّة الموارد المائية من دول الجوار لحوضي نهري دجلة والفرات، وكان الضرر الأكبر من نصيب المناطق الجنوبية وبعض مناطق الفرات الأوسط”.

وأوضح بالقول إن “ظاهرة التصحر نتج عنها نزوح أعداد كبيرة من العوائل التي كانت تمتهن على الزراعة والرعي، وما مُسجّل في قاعدة البيانات من أسماء يتجاوز 7 آلاف عائلة من محافظات (البصرة، وذي قار، وميسان)، وهؤلاء نزحوا مضطرين إلى مناطق قريبة من المدن”.

وأضاف المتحدث باسم الوزارة قائلاً: إن وزارته “تدخلت في سبيل إسعاف هذه العوائل وتقديم الخدمات لهم لحين انجلاء الأزمة، ومن تلك المساعدات إرسال مواد غذائية وصحية وأشياء أخرى من بطانيات ومجمدات وغيرها، فضلاً عن دعم المدارس في مراكز الريف التي حصل فيها ضغط بعد التحاق أطفال النازحين إليها”.

 جذور الازمة

مدير معهد نيسان المهتم بالشأن البيئي، فلاح الاميري، قال ان التغير المناخي يشكل ازمة عالمية لا تقتصر على المستوى المحلي، انما ترتبط بالكثير من المؤثرات الخارجية للتغيرات المناخية الطبيعية التي تتحفز جراء عوامل منها ما يتعلق بالإنتاج بجميع انواعه وبالأخص الوقود الاحفوري والانبعاثات الناتجة عن استخراجه والصناعات التكريرية القائمة عليه، ومنها ما يتعلق باستنزاف الموارد الطبيعية للأرض.

وأوضح في حديث مع “طريق الشعب”، ان “الدول التي وضعت برامج ومشاريع تهدف للتكيف والمرونة للتعامل مع التغير المناخي، استطاعت ان تضع تدابير وقائية استباقية لكل اثر من اثار التغير المناخي”.

وقال الاميري انه “منذ عقد السبعينيات وبعد رفع سقف الانتاج النفطي والاتجاه نحو الصناعات الاستخراجية في الاقتصاد كمصدر اساس او نقل رئيسي، بدأ مستوى التأثر بالمناخ في جغرافية العراق يتصاعد”.

وأضاف ان العراق “شهد تغييرا ديموغرافيا كبيرا جراء التغير المناخي وعدم وجود سياسة للتكيف معه، فكانت هناك هجرة ونزوح غير منظورة وتدريجية في عام 2003 الى ان بدأت واضحة في العام 2023، وذلك بسبب العامل الاساس في التغير المناخي، الا وهو قلة الموارد المائية في الاراضي الرطبة”.

 الهجرة الأخطر

وذكر الأميري ان “العلاقة بين الهجرة والنزوح علاقة عكسية؛ فكلما اصبحت هناك وفرة بالمياه انخفضت نسبة الهجرة والنزوح، وكلما انحسرت كميات المياه في المناطق الرطبة التي يعتمد سكانها على المياه في الزراعة والصيد وتربية المواشي، زادت نسبة الهجرة والنزوح”.

وبالنسبة للمناطق التي تأثرت بشكل كبير، اوضح ان “محافظة ميسان هي الاولى في مستوى التأثر، تليها محافظة ذي قار وبعدها محافظة البصرة”.

ونبه الى ان “استمرار الهجرة والنزوح وبدون متابعة وتدقيق، وبدون تشخيص المشاكل البيئية وتفصيلاتها، قد تزيد الحالة ويكون هناك تهديد امني ومجتمعي كبير لا يمكن السيطرة عليه جراء النزاعات والاكتظاظ السكاني في مراكز المدن”.

عوامل الجفاف

عضو المكتب الاستشاري لنقابة المهندسين الزراعيين، د. جاسم المالكي أكد ان التغيرات المناخية القت بظلالها على العراق بصورة عامة، وكان لمناطق جنوب العراق النصيب الأكبر، فالكثير من العوامل التي برزت نتيجة التغيرات المناخية ترتبط بقلة الموارد المائية الواصلة الى المحافظات الجنوبية وجفاف الاهوار.

وقال في حديث مع “طريق الشعب”، ان “أكثر من تأثر بالتغيرات المناخية نتيجة شح المياه وتلوثها هم سكان المناطق الهشة والضعيفة في المناطق القريبة من الاهوار او سكنة الاهوار بالدرجة الأساس”، مبينا ان “ظاهرة الهجرة من مناطق الاهوار ليست وليدة اليوم، بل هي مستمرة منذ التسعينات”. وأضاف المالكي ان “قلة حصصنا المائية من دول الجوار وزيادة النمو السكاني وزيادة الطلب على المياه، واستمرار استخدامنا للطرق الري التقليدية التي تستهلك كميات كبيرة من مياه الأنهر، كلها عوامل ساهمت في صناعة وحش الجفاف”.