اخر الاخبار

نشر موقع مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تقريراً حول المتغييرات البيئية وتأثيراتها المعقدة على أهوار العراق وسكانها الأصليين، المعروفين بصيد الأسماك وزراعة المحاصيل منذ 5000 عام، وبتربية الجواميس وبناء المنازل من أحواض القصب على جزر عائمة في المكان الذي يلتقي فيه نهرا دجلة والفرات قبل أن يتدفقا إلى الخليج.

تغييرات دراماتيكية

وذكر التقرير بأن تغير المناخ وتلوث المياه والتنقيب عن النفط وبناء السدود عند المنبع، هدد وما زال بقاء هذا النظام البيئي الهش وثقافة بلاد ما بين النهرين القديمة، والتي يعود بعضها إلى السومريين. ونقل عن الخبير البيئي جاسم الأسدي قوله، بإن الجفاف الذي دخل الآن عامه الرابع، حّول مساحات شاسعة من الأراضي الرطبة الزراعية المزدهرة إلى صحراء، ورفع نسب الملوحة في القنوات والممرات المائية، مما أدى ويؤدي إلى نفوق الأسماك وإصابة الجاموس بالمرض. واشار بأن الصور التي رافقته منذ الطفولة عن الصيادين وهم يجدفون قوارب الكانو بين القصب بينما تستحم الجواميس وسط النباتات المورقة، باتت صوراً نادرة اليوم.

ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة ووزارة الزراعة العراقية في تموز الماضي، فإن الجفاف الحالي هو الأسوأ منذ 40 عاماً، حيث تتعرض الحياة البرية الغنية في المنطقة، بما في ذلك العديد من الطيور المهاجرة، للتهديد، ويضطر مربو الجاموس والمزارعون إلى الهجرة في ظروف محفوفة بالمخاطر إلى المناطق الحضرية.

 مخاطر شحة المياه

وذكر التقرير بأن العديد من سكان الاهوار يضطرون اليوم لشراء أو جلب المياه العذبة من أماكن أخرى لسقي جواميسهم التي تنتج الحليب واللحوم، والتي تُستخدم فضلاتها كمصدر للوقود، منبهاً إلى أن من مخاطر شحة المياه، اختفاء الحياة في الأهوار، التي تعّد واحدة من مواقع التراث العالمي لليونسكو بسبب تنوعها البيولوجي وقيمتها الثقافية، لاسيما وان أسلوب الحياة فيها قائم على تربية الأسماك وصيدها ولا توجد اية مهن اخرى يعتاش منها حوالي 3 -4 مليون مواطن.

 تاريخ وواقع مضطرب

وتطرق التقرير إلى ما مر بالأهوار من ظروف قاسية، تمثلت في قيام نظام صدام حسين بتجفيفها في إطار صراعه مع معارضيه إبان تسعينيات القرن الماضي، الأمر الذي أدى إلى خفض مستويات المياه بنسبة 90 بالمائة، وهجرة عشرات الآلاف من سكانها إلى خارج البلاد. وقد سمح سقوط النظام قبل عقدين للكثيرين بالعودة لموطنهم الأصلي، ليقعوا ضحية تغير مناخي، يتمثل في مزيج من درجات الحرارة المرتفعة وقلة الأمطار والجفاف وندرة المياه والعواصف الرملية والترابية المتكررة، مما أدى إلى اشتداد التلوث. واعتبر التقرير عمليات إلقاء ملايين الأمتار المكعبة من النفايات الصناعية في الأنهار والممرات المائية التي تغذي الأهوار، خطراً إضافياً ينذر بانهيار البيئة.

ونقل التقرير عن الناشطين البيئيين قولهم، إن التلوث الناجم عن مشاريع الوقود الأحفوري في محافظة البصرة، التي تضم معظم احتياطيات العراق الهائلة من النفط والغاز، وصل إلى مستويات مثيرة للقلق بحيث صار مصدراً كبيراً للأمراض السرطانية والفشل الكلوي وأمراض أخرى، إلى جانب ما سببه من تقلص في المساحات الخضراء حيث لم يبق من الثلاثين مليون نخلة اليوم سوى مليون واحد فقط.

 التعاون الإقليمي

ووفقاً لتصريحات الخبير البيئي جاسم الأسدي، ألقى التقرير باللوم على تركيا وإيران في حدوث مشكلة ندرة المياه، بسبب قيام الدولتين ببناء السدود عند المنبع دون احترام للمعاهدات الدولية، داعياً إلى ضرورة تفعيل التعاون الدولي لصيانة حقوق الإنسان في المياه والتنمية المستدامة. كما دعا لاحترام الناشطين البيئيين، الذين يعانون بانتظام من التهديدات والمضايقات والاعتقال التعسفي، رغم اصرارهم على مواصلة نشاطهم، إذ لا يعتبرون الأهوار مجرد بيئة واقتصاد، ولكنها أيضًا ثقافة فريدة من نوعها.