اخر الاخبار

في إطار اهتمام حزبنا الشيوعي العراقي بالحقوق العادلة لكل القوميات العراقية الصغيرة منها والكبيرة، ومطالبته بصيانة الهوية الوطنية الجامعة، التي تضمن حقوقاً وواجبات متساوية  لأبناء الشعب، بغض النظر عن القومية والدين والطائفة والانتماء الثقافي والفكري، وفي سياق نضال الحزب من أجل الخلاص من نهج المحاصصة المأزوم وبناء دولة مدنية ديمقراطية تضمن العدالة الاجتماعية، أقامت (طريق الشعب) ندوة حوارية ضمن فقرات مهرجانها الثامن، حول حقوق الأقليات المنصوص عليها في الدستور وما يعيشه أبناء هذه القوميات في الواقع. وقد شارك في الندوة الأساتذة جلال نوري الياس الناشط والحقوقي الإيزيدي والدكتور سعد سلوم رئيس مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية والدكتور حكمت داود جبو مستشار الكاردينال لويس ساكو والأستاذ مظفر عزيز الزهيري عضو مجلس شؤون الطائفة المندائية، فيما ادارتها الرفيقة شميران مروكل.

ضعف التمثيل

شميران ميركل:  أرحب بالضيوف وبالحاضرين الكرام، وأشير إلى أن المحاصصة قد أضرت كثيراً بما نصت عليه المادة 16 من الدستور العراقي، من أن العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات، حيث أضعفت تمثيل الأقليات في المؤسسات كافة، وخلقت حواجز وصعاب كثيرة على طريق بناء مجتمع متعايش ومتصالح، وفي تطبيق نص وجوهر المواد الدستورية، فلا حرية للعقيدة في ظل المادة الثانية وفي ظل غياب مادة دستورية تعنى بالحرية الدينية وتعترف بأديان موجودة كالبهائية والزرادشتية وغيرها. هناك قوانين تحد من الحرية الدينية وتفرض على غير المسلمين أحكام الدين الإسلامي في أحوالهم الشخصية سواء في الوصية او الميراث او الشراكة او التبني وغيرها، فيما تعتبر الأطفال القاصرين من أبناء الأقليات غير المسلمة مسلمين عند تحول أحد الوالدين إلى الدين الإسلامي، مثل قانون البطاقة الوطنية الموحد رقم 3 لسنة 2016 في مادته 26 وقانون الأحوال الشخصية ذي العدد 188 لسنة 1959 في مادته الثانية وغيرها. 

سعد سلوم: سألتزم بالعنوان وهو (حقوق الأقليات بين الدستور والواقع) وسأعرج بشكل سريع على مقاربة الدستور العراقي لحقوق الأقليات، هناك جدل ما يزال مستمرا حول الدستور العراقي وهل هو بالفعل من أفضل الدساتير، وهل كتب هذا الدستور في ظل ظروف توجب علينا الآن عدم التفكير بتعديله لاسيما فيما يخص موضوع الندوة. أنا من وجهة نظري، كتب الدستور في ظروف استثنائية، ولابد أن نقر بأنه كتب في ظل احتلال أمريكي، وبالتالي الظروف التي حتمت كتابة الدستور لم تكن ظروفاً طبيعية، وقد تغيرت بعد عشرين عاماً من الغزو الأمريكي، بالإضافة إلى أن كتابة الدستور كانت بغياب مكون أساسي من مكونات المجتمع وضعف تمثيل الأقليات. واحدة من أهم مطالب الحراك الاحتجاجي عام 2019 كانت تعديل الدستور، وهو واحد من أهم مفاتيح اصلاح النظام السياسي، كيف قارب هذا الدستور، الذي لابد من التفكير بتعديله، قضية حماية التنوع وحقوق الأقليات والعلاقة بين الأغلبية والأقلية والتوازن ما بين حقوق الافراد وحقوق الجماعات، لأن هذا الأمر ما ينبغي مراجعته.

 ارقام عمياء

بنّي الدستور العراقي على تخيل كان ملائما للنظام السياسي لهذا لا نجد في نصوص الدستور أية إشارة إلى مواطنة، هوية وطنية، او مصطلحات أغلبية وأقلية. جاء بقاموس جديد يستند على مصطلح خطير هو مصطلح مكونات، ومصطلح المكونات ليس له أي دلالة قانونية ولا سياسية، وهو من الناحية الفلسفية يعني:

اولاً. عدم وجود مجتمع عراقي بل هناك مجموعة مكونات.

ثانياً. لا توجد مواطنة بل مجموعة أفراد تستخدم سياسيا في المواسم الانتخابية بمعنى أن الجميع عبارة عن أرقام عمياء في هوية مكون.

أما لماذا اكتسب المصطلح نوعا من الرضا النسبي لممثلي “الأقليات”، وهم ممثلي المندائيين والإيزيديين والمسيحيين، لأنه كان يقدم حلاً وتسوية لغوية لعدم المساواة الموجودة في الواقع، ولهذا حينما تجري أي محاورة بين سياسيين او ممثلي مكونات يقولون نحن جميعا مكونات، إنه نوع من التسوية اللغوية، هناك مساواة من الناحية اللغوية، تحاول أن تغطي على عدم المساواة الموجودة من الناحية العملية. أي ثمةتسوية لغوية لحل مشكلة واقعية. يعترضون عليّ حين استخدم مصطلح أقليات ويريدون أن أستبدلها بمكونات، على أساس أن هذا حل للمشكلة، في حين المصطلح القانوني لا يتضمن أية دلالة سلبية، الدلالة السلبية بمصطلح الأقليات تأتي في الواقع من الناحية السيكولوجية، فان كنت تنتمي إلى أقلية ينبغي أن تشعر بالفخر، وفي سياقات ديمقراطية، تعطي للأقليات حقوقاً تمييزية، هذا يكون عاملا إيجابيا وليس سلبيا، إذن المصطلح برأيي دلالته السلبية تأتي من السياق الثقافي الذي يستخدم فيه، إذن معركتنا بتغيير الواقع والثقافة وليس في تغيير المصطلحات. حددت المادة الثانية الفقرة (2) الأديان المعترف بها رسميا، بالإسلام والمسيحية والإيزيدية والمندائية فقط، وهناك رأي يقول بأن ذكر هذا الأمر كان على سبيل الحصر لا المثال ورأي آخر يقول كان على سبيل المثال لا الحصر. الرأي الأخير صحيح كما يبدو بدليل وجود ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى، أي انه يتيح من الناحية العملية فتح مجال الاعتراف لكل الأقليات الدينية. لكن صدور قانون ديوان أوقاف المسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين قد أعطى دلالة على إغلاقها، إذن ذكر هذه الأقليات كان على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال.

ذكرت المادة (125) الأقليات القومية وليس الدينية، فنقلت تعريف هوية “مكونات” من مضمونها الديني إلى مضمونها القومي، حين أشارت إلى الحقوق الإدارية والتربوية والسياسية، للكلدان والتركمان والآشوريين وبقية المكونات وينظم ذلك بقانون. المسيحي الذي حددت هويته بالمادة الثانية فقرة (2) باعتباره هوية دينية أعيد تعريفه بهويته القومية، ولم يذكر السريان لأن في وقتها لم يكن هناك صوت سرياني، يطالب بتعديل الدستور، ولم يحتج العديد من ممثلي الأقليات القومية والدينية من أن اسمهم لم يرد في الدستور.  أعتقد أن عنوان الندوة كان موفقا لأن هناك حقوقا في الدستور وهناك تطبيق في الواقع، الدستور بناء على النقطتين الاساسيتين التي ذكرت بحاجة إلى تعديل، وإذا لم يكن تعديل الدستور متاحاً لا بد من التوجه إلى التشريعات، كما هو حاصل في كردستان، ليس هناك تعديل في الدستور حتى الآن لكن هنالك حزمة تشريعات. وصدر قانون تحت اسم (قانون حقوق المكونات رقم 5 لعام 2015) لتوسيع دائرة الاعتراف بالمقارنة مع مساحة الاعتراف بالمركز. ويذكر القانون الزرادشتيين والكاكائيين والفيليين، وهو يذكر مكونات دينية ومكونات قومية. وعلى الرغم أن القانون لم يذكر البهائيين لكن يوجد ممثل للبهائيين في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، بمعنى ليس علينا الالتزام بهذا النص ونعتبره نصاً مقدساً، لأن حياة الناس وحقوقهم هي المقدسة.

بين التطبيق والواقع

هناك مسافة ومساحة ما بين ما ورد في الدستور وبين ما يطبق في الواقع. ينبغي أن يركز نضالنا الأساسي على تغيير الثقافة السائدة وليس تغيير المصطلحات، من خلال عملي أقول دائما إن علينا ان نتجه إلى التشريعات لان التشريعات هي آلية التغيير الاجتماعي. ولكن اكتشفت من خلال العمل ان التشريع ليس فقط إصدار قانون بل هو عملية كاملة، ولهذا عادة ما نعمل على تشريعات لضمان حرية التعبير وحرية الدين والمعتقد، ونكتشف أنها عندما تصل إلى منصة البرلمان، وقبل دقائق من التصويت النهائي، تتغير وتدخل مواد تحيل النص من ضامن للحقوق إلى خانق لها. ولهذا أنا لم أعد اراهن على التشريعات وبقيت لدي مساحة واحدة للعمل وهي ساحة العمل الثقافي والعمل السياسي بالنسبة لمن يعمل في السياسة ولمن يجد المجتمع المدني منصة له.

حكمت داود جبو: من القوميات الأساسية غير العرب والكرد، لدينا الكلدان والاشوريون والأرمن والصابئة المندائيون والإيزيديون والكاكائيون والبهائيون وغيرهم من الموزاييك العراقي المعروف للجميع. يحدث خلط دائما بشكل او بآخر عندما يشيرون إلى المكونات القومية، يشيرون إلى الدين المسيحي وعندما يتحدثون عن الدين المسيحي يتحدثون عن المكون الكلداني او الآشوري بشكل منفصل. وهذا يقودنا إلى الدخول في محور مهم وخطير بما يتعلق بالوجود المسيحي في العراق. نحن لسنا مواطنين من الدرجة الأولى، حسب الدستور، وانما نحن بشكل او بآخر مواطنون من الدرجة الثانية في الحقوق والواجبات، عملياً وليس نظرياً، بدليل أن العاملين في مؤسسات الدولة العراقية كالسفراء ووكلاء مفوضين والمستشارين لا يعوضون بكوادر من نفس المكونات حين يتركون مناصبهم، لكي تتم المحافظة على التوازن، ووزارة الخارجية مثال على ذلك، ناهيك عن الداخلية والدفاع وغيرها.

هناك نقطة أخرى فيما يتعلق بالانتخابات التي تمت، وأنا واكبت الانتخابات بمراحل طويلة. لم نصل إلى مشترك ما بين كل المكونات القومية. وانا اتحدث عن المسيحيين بالذات، لكي يشكلوا ورقة واحدة موحدة، تمثل هموم ومصالح الناس، وانما طرحت مجموعة أوراق تمثل مبادرات لهذا المرشح او ذاك وهم بعيدون تماما عن هموم ومعاناة الناس، وهذا الخلل الذي حصل ما بين خطاب الكنائس المتعددة وبين الوجود المتنوع للبرامج السياسية للأحزاب المسيحية، والتي هي خاضعة لتأثير هذه القومية الكبيرة او تلك، أضعف المكون المسيحي وأوجد أشنات سياسية، راحت تمثل القرار السياسي، وتم تغييبنا حتى وصل الأمر إلى استهداف أكبر مركز ديني وهو الكاردينال ساكو.

 تشجيع على الهجرة

كل هذا أدى إلى اشتداد القلق والارباك وشجع المسيحيين على الهجرة من جديد، بل وراحت الدول الأخرى ومنها استراليا تفتح الأبواب أمام مسيحيي العراق للهجرة اليها. إلى أين نحن ذاهبون في قرارنا السياسي؟ للأسف تعيش مدننا وقصباتنا والنواحي التي لنا فيها ثقل كبير مثل الحمدانية وتلكيف والقوش وغيرها من المدن، كارثة وما تم في الحمدانية في تقديري هو إجرام بحقنا، ليس لكوننا مكونا مسيحيا او كلدانيا او آشوريا، بل إجرام بحق الإنسانية وإجرام بحق الوطن الذي من حق كل مواطن فيه ان يعيش ويعمل ويكون آمناً وله حق التعليم والحق في الرعاية الصحية. فاذا كان ممكنا استهداف أكبر تجمع سكاني في العراق، فمن يحمي الاخرين، انه سؤال مقلق لجميع المكونات القومية وفي اروقة المسيحيين الموجودين في العراق بشكل عام واخص منهم المقيمين في بغداد والبصرة، رغم المفارقة من أن هؤلاء أكثر أمناً من المتواجدين في سهل نينوى. هناك عمليات شراء ذمم الناخبين وشراء ولاء رجال دين، وللكنيسة تأثير على الناس، ويمكن أن تعبئهم لصالح حزب او اتجاه ما. لذلك أقول إننا مستهدفون من محورين، محور رجال الدين الذين باعوا انفسهم ومحور القوميات الكبيرة التي تريد سلب القرار السياسي منا كما حدث في البرلمان، فمن يتواجد في البرلمان لا يمثلون المسيحيين ولا يمثل القرار والوجود المسيحي لأنهم وكما هو معلن، تابعون لدول إقليمية واضحة الأهداف والمصالح. كما فقدنا مؤسساتنا الثقافية ونوادينا، التي كانت تجمعنا، حيث تحولت إلى بارات محمية من العصابات والسلاح المنفلت. وهكذا لا يجد المواطن المسيحي الكلداني او الاشوري او السرياني الموجود الآن في داخل العراق خياراً غير الهجرة لأنه ليس آمن ولا توجد دولة ولا مجتمع ولا مؤسسة دينية لتحميه.

جلال نوري الياس: في البدء أريد أن أسأل، هل خدم الدستور العراقي الأقليات بصورة عامة والإيزيديين بشكل خاص؟ بالتأكيد لم يجنِ الإيزيديون شيئا او فائدة تذكر من الدستور، المحاصصة الطائفية كان لها وقعها الكبير على الإيزيديين خصوصا، وأبسط مثال هو خطاب الكراهية الذي كان سائدا ومتواصلاً لغاية الآن، وربما بفاعلية أكبر، حيث ازداد سوءا خطاب الكراهية ولم يستطع الدستور أو القانون تحجيمه!

 تجاوز النمط السائد

لم يستطع الدستور ان يتجاوز النمط السائد تجاه الأقليات، لننظر إلى تمثيل الإيزيديين في البرلمان، عددهم يتجاوز الـ 700 ألف نسمة وعدد مقاعد الكوتا المخصصة لهم مقعد واحد وليس سبعة كما هو الحال لباقي الاقليات. وممثلهم لا يعبر عادة عن واقع الشارع الإيزيدي بل عن رأي حزبه أو أجندة الأحزاب الكبيرة التي تدعم حزبه. لننظر إلى ما يجري في سنجار كمثال على تأثير المحاصصة على شعبنا الإيزيدي، الكل يريد ان ينهش جسد سنجار، وحتى بعد عودة أهل سنجار إلى مناطقهم لم يحصلوا على حقوقهم، فتطبيق القانون لصالح الإيزيديين يجري ببطء شديد، وابسط مثال هو توزيع الأراضي الذي أعلنت عنه رئاسة الوزراء قبل عام حيث لم يتم توزيع او تمليك أي ارض في سنجار للإيزيديين حتى الآن، ولم تعالج مشاكل تهجيرهم على يد النظام السابق عام 1975 من مناطق سكناهم، فقرار إعادة اراضيهم المستلبة إليهم لم يُّنفذ!

مظفر عزيز الزهيري: اعتقد ان وضع الصابئة المندائيين لا يختلف كثيرا عن باقي الأقليات في العراق واذكر على سبيل المثال الفقرة 26 في الدستور حيث هي مجحفة بحق الأديان، والتي تنص ان اي شخص من هذه الأديان يسلم يأخذ عائلته إلى الدين الجديد، ولا يعطى لأفرادها حق الاختيار، اما بالنسبة للمناصب فهي قليلة جداً. لقد دفع هذا بالصابئة المندائيين للهجرة إلى الخارج. نحن كطائفة نطالب بتعديل الدستور لكي ينصف كل الأديان والقوميات، وأتمنى لو كانت هناك ندوات تثقيفية للتعريف بالأديان وحقوقهم وخاصة المساواة في المواطنة.