اخر الاخبار

يحتفل العالم اليوم 10 تشرين الأول، باليوم العالمي للصحة النفسية، والذي يهدف لزيادة الوعي حول قضايا الصحة النفسية وتعزيز الدعم الاجتماعي للأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية. وللتأكيد على أهمية فهم الصحة النفسية كجزء لا يتجزأ من الصحة العامة وتشجيع النقاش حول هذه القضايا.

وفي بلد شهد حروبا ومآسي عديدة ودخل في دوائر من العنف الدموي والصراعات وغيرها إضافة للكوارث والفواجع، يجد معنيون ان ذلك ترك أثرا كبيرا على الصحة النفسية للمواطنين، بالاستدلال الى حجم المشاكل المجتمعية، التي تظهر والتي عدوا بعضها يرتبط بشكل او بآخر بالجانب السياسي.

بيان منظمة الصحة العالمية

وفي هذه المناسبة، أصدرت منظمة الصحة العالمية بياناً، وردت لـ”طريق الشعب”، نسخة منه، وجاء فيه “اليوم العالمي للصحة النفسية 2023 فرصة للأفراد والمجتمعات المحلية لنصرة موضوع (الصحة النفسية حق عالمي من حقوق الإنسان) من أجل تحسين المعارف وإذكاء الوعي والدفع قدما بالإجراءات التي تعزز وتحمي الصحة النفسية للجميع باعتبارها حقا عالميا من حقوق الإنسان”.

وأضاف البيان، ان “الصحة النفسية حق أساسي من حقوق الإنسان المكفولة للجميع. ولكل شخص، أيا كان وأينما كان، الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة النفسية يمكن بلوغه. ويشمل ذلك الحق في الحماية من مخاطر الصحة النفسية، والحق في الحصول على رعاية في المتناول وميسورة ومقبولة وذات نوعية جيدة، والحق في الحرية والاستقلال والإدماج في المجتمع المحلي.

وأكدت منظمة الصحة العالمية، انه “لا ينبغي أبدا أن تشكل الإصابة باعتلال من اعتلالات الصحة النفسية، سببا لحرمان شخص من حقوق الإنسان المكفولة له أو استبعاده من اتخاذ القرارات المتعلقة بصحته. ومع ذلك، لا يزال الأشخاص المتعايشون مع اعتلالات الصحة النفسية يعانون في جميع أنحاء العالم من مجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان”.

وأشارت المنظمة في بيانها الى تعرض “الكثير منهم للإقصاء من الحياة المجتمعية وللتمييز، في حين أن كثيرين آخرين لا يستطيعون الحصول على رعاية الصحة النفسية التي يحتاجون إليها أو قد لا يحصلون سوى على رعاية تنتهك حقوقهم الإنسانية”.

لم تحظَ باهتمام الدولة والمعنيين

المتخصص بقضايا حقوق الانسان، د. علي البياتي قال: ان الصحة النفسية بحسب المعايير العلمية والطبية لا تقل اهمية عن الصحة البدنية، ووجود الانسان هو التكامل ما بين هاتين الصحتين، واي خلل يصيب أحدهما يؤثر بشكل عام وواضح على حياة الانسان وتفاعله مع المحيط.

واكد في حديثه لـ “طريق الشعب”، ان “النزاعات والحروب والعنف الذي شهده العراق تركوا أثرا كبيرا على الصحة النفسية، فحتى الذي لم يتأذَ جسدياً فهو يعاني من الاثر النفسي لهذه الظروف، وبلدنا شهد وللأسف الشديد حروباً وكوارث مفجعة”.

وتابع قائلاً انها اثرت “على الصحة النفسية والنتائج واضحة من خلال ما نراه مشاكل اجتماعية والتطورات التي تصيب المجتمع والعوائل والفرد عموماً، امام غياب الاستجابة الحقيقية المؤسساتية للدولة. ويبدو واضحاً انه ليس لدينا بنية تحتية للصحة النفسية، وليس لدينا موارد بشرية او سياسة وطنية واضحة للدولة للتعامل مع هذه القضية، التي تأخذ الاهتمام ليس على المستوى المجتمعي فقط بل حتى على مستوى الدولة”.

ولفت البياتي الى انه بشكل عام، تحتاج الصحة الى اجراءات من نوعين؛ الاول هو الوقاية فالطب الحديث يعتمد هذا الجانب، ويقلل من التكاليف والمشاكل الصحية التي يمكن ان تحدث وتصيب الفرد او المجتمع”، مؤكدا “الحاجة الى سياسة واجراءات للتعامل مع المسببات التي تستهدف الصحة النفسية سواء المشاكل الاقتصادية والاجتماعية او الاستجابة للكوارث والحروب ومنع تفاقمها واحتواء اثارها، وهذا غير موجود لدينا؛ فالعراقي ينام ويستيقظ على فاجعة او كارثة او مشكلة ما وازمة قد تكون سياسية او امنية ويتحمل المجتمع نتائجها لوحده”.

وخلص الى ان النوع الثاني هو “العلاج والاستجابة العلاجية ونحن نحتاج في هذا الجانب الى بنية تحتية ومستشفيات وكوادر متخصصة وامكانيات، فلا يمكن ان تطبق من خلال الشعارات والقوانين، بل لا بد ان تتوفر لها بنى تحتية وكوادر وخطط”.

الجانب السياسي

من جانبه، قال الباحث الاجتماعي، نشوان محمد، ان الصحة النفسية للمواطن العراقي بعد عام 2003 اعتلت لعدة اسباب اولها الحروب والصراع الدموي والعنف والرعب في تلك الفترة وصولاً الى 2018، والسبب الاخر الذي برز بعد تلك السنوات هي المخدرات حيث لعبت دوراً خطيرا لا يقل عن العنف والارهاب الذي أثر على الصحة النفسية.

واكد في حديث لـ “طريق الشعب”، ان “السبب الاهم هو الازمات السياسية والاقتصادية في البلد، فالعنف والحروب والبطالة التي تعد من أخطر الامراض وانتشار المخدرات والأزمات الأخرى جميعها مرتبطة بشكل او بآخر بالجانب السياسي”، مبيناً ان “فشل المنظومة السياسية في تغيير الواقع للأفضل ينعكس على كل الصعد التي تؤثر على الصحة النفسية، وهي من مسؤوليات السلطة السياسية وهي ليست بريئة عن ذلك، بل تتحمل مسؤولية كبيرة”.

وتابع محمد قائلا: ان “حالات الانتحار على سبيل المثال لا يمكن فصلها عن الجانب النفسي، ولا بد للشخص المنتحر ان يعاني من اعتلال او مشكلة نفسية معينة، بالإضافة الى العوامل المتغيرة الاخرى التي ترفع من مدى هذه الظاهرة او تخفضها ولها علاقة وارتباط وثيق بها، ويمكن تطبيق المعادلة نفسها مع ارتفاع معدلات الجرائم وقضية المخدرات ايضاً”.

وأضاف قائلا ان الالفة المجتمعية والتضامن يخلقان حالة من الطمأنينة النفسية ونشهد هذه المظاهر بشكل أكبر في المجتمعات الريفية عنها في المجتمع المتمدن القائم على العلاقات المادية والاقتصادية والنفعية، فغيابهما يولد حالة من الاضطراب والشعور بالوحدة والعزلة، مردفا بقوله هناك “مجتمعات مرفّهة مثل السويد والدنمارك والنمسا، إلا أن معدلات الانتحار فيها هي أكبر من تلك التي تكون في بلدان تعاني من مشاكل كثيرة مثل الشرق الاوسط وافريقيا وجنوب شرق اسيا”.

وخلص الباحث الاجتماعي الى انه “لا يمكن ان نحدد نسبة مئوية لحجم تأثير الاضطرابات النفسية في ظهور المشاكل المجتمعية لدينا، ولكن يمكن القول ان النسبة لا تبشر بخير وهذا يمكن معرفته من خلال المؤشرات الواضحة، منها ارتفاع حالات الطلاق بشكل كبير الذي تسبب في التفكك الاسري بفعل الجوانب النفسية، اضافة لمعدلات الجرائم داخل العائلة وحالات العنف الاسري ومعدلات الجرائم في المجتمع والمشاكل المجتمعية العديدة”.