اخر الاخبار

تفتقر اغلب المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في البلاد الى إجراءات السلامة، مستغلة عدم اكتراث الجهات المسؤولة عن تعزيز الرقابة والمتابعة، بالرغم من تكرار الحوادث المأساوية جراء ذلك.

يشار الى ان الكثير من المراكز التجارية والترفيهية وبعض الدوائر تشيّد بمواد غير آمنة، لكنها رخيصة الثمن.

وبينما يعيد معنيون السبب الرئيس في وقوع الحرائق بالمباني والمنشآت العامة وغيرها إلى انعدام إجراءات السلامة وضعف وسائل الحماية مثل الإنذار المبكر ومنظومات الاستشعار والإطفاء، تشير مديرية الدفاع المدني لتسجيل أكثر من 19 ألف حريق منذ بداية عام 2023 في عموم محافظات البلاد، في حصيلة تؤكّد استمرار تفاقم أزمة الحرائق في البلاد.

وشهدت محافظة نينوى حادثة مروّعة، قبل أقل من أسبوعين، نتيجة اندلاع حريق في قاعة الأعراس في منطقة الحمدانية، ما أسفر عن سقوط مئات الضحايا والمصابين. هذه الكارثة تعيد إلى الأذهان مشاهد حرائق عديدة شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، بما في ذلك حريق “مستشفى ابن الخطيب” في بغداد، و”مستشفى الحسين” في الناصرية بمحافظة ذي قار، بالإضافة إلى الحرائق التي التهمت مبانيَ حكومية وغير حكومية لم تكن مراعية لشروط السلامة، ما خلّف خسائر بشرية جسيمة.

على الرغم من ان الجهات المعنية مطلعة على أسباب هذه الحوادث، مثل استخدام مواد بناء سريعة الاشتعال (ألواح سندويتش بانل وجبسوم بورد) وتسليك الكهرباء بشكل غير نظامي وعدم الامتثال لقواعد وشروط السلاية في إنشاء البنية التحتية، إلا أن هذه الأحداث ما زالت تحدث مرارًا وتكرارًا، إذ ان الجهات المسؤولة بسبب أن عدم اتخاذ إجراءات حقيقية وكافية.

خطر على العاملين

وتعرب المهندسة غادة خالد، وهي موظفة في دائرة العلوم والتكنولوجيا، عن قلقها العميق إزاء الوضع في المختبرات الكيميائية التي تعمل فيها، لافتةً إلى وجود غياب ملحوظ لإجراءات السلامة بالشكل الذي يشكل تهديدًا جسيمًا على صحة وسلامة الموظفين.

وتردف كلامها لـ “طريق الشعب”، أن هناك “غيابا لعمل لجان السلامة في الدائرة، بالرغم من توثيق ذلك والتنبيه اليه”.

وتشير خالد إلى “انتشار القوارض والحشرات في المختبرات، ما يجعل المكان غير صحي وغير آمن. وهذا يضع الموظفين في خطر متزايد، كما يؤثر على جودة البيئة العملية”.

وتسلط خالد الضوء على البنية التحتية في المختبرات “حيث ليس هناك أماكن مناسبة لتناول الطعام، ما يجبر الموظفين على تناول وجباتهم في ذات المختبرات، الأمر الذي يضر بالنظافة ويزيد من مخاطر التلوث”.

وتدعو غادة إلى “ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لتحسين إجراءات السلامة في المختبرات الكيميائية، وان يكون هناك تفتيش منظم وتطبيق اللوائح ومعايير السلامة المهنية”، معربةً عن املها بأن “تُعامل هذه القضية بجدية، لضمان سلامة وصحة الموظفين”.

تعزيز إجراءات السلامة

يقول الباحث في موضوع الصحة والسلامة المهنية، حمادة الحلفي: إنّ “منظمة العمل الدولية حددت معايير وشروط العمل اللائق للعمال وأصحاب العمل، سواء في القطاع الحكومي ام المختلط ام الخاص، وأشارت الى ان الصحة والسلامة المهنية وتوفير البيئة الآمنة في العمل من أهم المعايير”.

ويؤكد الحلفي في حديثه مع “طريق الشعب”، أن “الالتزام بمعايير السلامة يضمن سلامة الإنسان الجسدية والنفسية والمحافظة على الدخل، واستمرارية المشاركة في العمل، واستمرارية الحياة، وزيادة الإنتاجية، والمحافظة على العمالة الماهرة، وتخفيض الكلف المباشرة وغير المباشرة للحوادث، الى جانب تقليل العبء على الخدمات العلاجية، وبالتالي المحافظة على الاقتصاد الوطني”.

وعن الوضع الحالي للسلامة المهنية في العراق، يشير الى ان العديد من العاملين في مختلف الصناعات في بلادنا يعانون من سوء الإجراءات السلامة المتخذة، وعدم تنفيذ اللوائح والقوانين الخاصة بالسلامة المهنية بشكل صحيح، ما يعرضهم لمخاطر عديدة”.

ويعلل الحلفي سبب عدم توافر المباني الحكومية وغير الحكومية على شروط السلامة والأمان، بـ “ضعف الرقابة عليها من قبل اللجان المتخصصة، كما تخلو من منظومات الإطفاء المركزية ومن ممرات ومخارج الطوارئ، بالإضافة إلى أنّ احتواءها على مواد سريعة الاشتعال، التي كثر استخدامها في الفترة الأخيرة”.

ويدعو إلى ضرورة تحسين إجراءات السلامة وتعزيز الرقابة الحقيقية وضمان إنجاز الأعمال الصناعية والانشائية بأمان عال.

ويوجد أكثر من 13 بحثا ودراسة صدرت عن الجامعات العراقية، تم فيها تشخيص واقع الصحة والسلامة المهنية في بعض المحافظات، بحسب الحلفي الذي حثّ على ضرورة الاطلاع على هذه الدراسات والعمل بتوصياتها.

الفساد يضرب كل الإجراءات

ويرى العميد المتقاعد في دائرة الدفاع المدني العراقي أحمد ناجي أنّ “ضعف ثقافة العراقيين في ما يخصّ إجراءات الأمان سبب من أسباب اندلاع الحرائق”.

ويقول إن “الفساد يضرب إجراءات الأمان والسلامة”، مشيرا الى أن “صاحب الفندق أو المطعم أو القاعة قد يُمنحوا تراخيص في مقابل مبالغ مالية تُقدَّم كرشوة ويُطلَق عليها محلياً (تسهيل أمر). وفي النهاية، الضحايا هم الأبرياء الذين لا ذنب لهم”.

ويشدّد ناجي على أنّ “الدولة تحتاج إلى إجراءات صارمة في ما يتعلق بمنح إجراءات السلامة، خصوصاً منظومات الحرائق ومخارج النجاة في حوادث الحريق، حتى لا يتحول المكان إلى فرن نار ودخان يقتل من فيه”.

وفيات

وتحدث ما لا يقل عن 10 حالات وفيات بين العمال أسبوعيا، فالكثير من هذه الحوادث تحدث بسبب فقدان اشتراطات السلامة، وفقا لمسؤول في وزارة الداخلية.

وبين المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، خلال حديثه مع “طريق الشعب”، أن “بعض حادثات الوفاة للعمال تنتهي باتفاقات بين عائلة المتوفى وصاحب العمل وفق القوانين العشائرية، ويتضمن ذلك تقديم تعويضات مالية لهم”.

ويؤشر المتحدث “غياب شروط الصحة والسلامة المهنية وكذلك التدريبات المتعلقة بزيادة وعي العامل او الموظف بأهمية توفر تلك الشروط للحفاظ على حياتهم”.

عرض مقالات: