اخر الاخبار

تعد المنحوتات والتماثيل جزءاً أساسياً من الفنون التي تركتها حضارة وادي الرافدين، ويعود أصل فن النحت في العراق إلى بدايات الألف السادس قبل الميلاد، عندما بدأت العمارة الدينية العراقية في مواقع مثل تل الصوان في سامراء وأريدو في جنوب ذي قار، وتجسدت في منحوتات شخصيات ملوك تعاقبوا على حكم تلك الحضارات.

التماثيل والنصب ترتبط بالمراحل السياسية المتعاقبة، حيث يسعى كل نظام سياسي إلى استخدام الفن لتجسيد انتصاراته وأيديولوجيته من خلال تماثيل تنتشر في الساحات العامة.

متى بدأت؟

يقول المعماري والأكاديمي، د. بلال سمير إن “الجمال وحكاية القصص القديمة والاستمتاع بالذاكرة والشعور بالانتماء، جميعها قضايا مرتبطة بشكل ما بحضور النصب والتماثيل في ساحات وحدائق المدينة المعاصرة، ومدينة بغداد واحدة من تلك المدن التي لا يمكن وصفها أو الحديث عنها دون ذكر نصبها وتماثيلها”.

“ لعل نسخة تمثال الإله نابو (إله الحكمة والمعرفة) الشاخص عند مدخل مبنى المتحف العراقي في منطقة العلاوي وما يحتويه المتحف من كنوز، تذكير دائم لنا بعلاقة حضارتنا المتينة مع فن النحت، إلا أن المصادر المدونة تذكرنا أن بداية حضور النصب والتماثيل في مدينة بغداد الحديثة تتجسد بتنفيذ تمثال الجنرال الإنكليزي ستانلي مود بعد عام 1917”.

ويضيف خلال حديثه مع “طريق الشعب”، إن “بعد عام 1971 بدأت ظاهرة النصب والتماثيل في المدينة تتطور بالتزامن مع الحركة الثقافية والفنية والاجتماعية في العراق وبأيدي رواد الفن والعمارة العراقيين يتقدمهم الراحل جواد سليم بعمله نصب 14 تموز أو نصب الحرية في ساحة التحرير ببغداد العام 1961، والمعمار الراحل رفعة الجادرجي بعمله لنصب الجندي المجهول (الذي تم إزالته) في ساحة الفردوس حالياً”.

سوء الصيانة

ويجد سمير أن “بغداد  بتوسعها الحضاري والمعماري فهي ترحب بكل الأعمال الفنية الرصينة التي ينتجها الفنانون والمعماريون العراقيون، والتي تصبح قبلة للزيارة والتقاط الصور بقربها استجابة لثقافة العصر الاستعراضية”، مستدركاً بالقول إن “بعد تنفيذ تلك النصب فمن واجب الجهات المختصة في المدينة الحفاظ عليها بالصيانة الدورية وهو ما يرتبط غالباً بالخامة التي يتم بها تنفيذ العمل، فمن الخامات ما يضيف عليه الوقت وعوامل الطقس قيمة جديدة كمادة للبرونز، ومن الخامات ما يتأثر بتلك العوامل سلباً فيفقده الغبار أو تشويه الزائرين للقيمة الجمالية الكاملة”.

ويتابع حديثه: “النصب والتماثيل غالباً لا تنفصل عن تصميم الفضاء المحيط بها، الفضاء المفتوح والمساحات الخضراء والمسطحات المائية، نلاحظ عدم الاهتمام بها حالياً أما من ناحية اختيار مواد التنفيذ غير المتينة او عدم اختيار أنواع الأشجار الملائمة للبيئة العراقية لتأتي الناحية الأخرى في العناية بفضاء العمل الفني بعد التنفيذ من متابعة نظافته والعناية بكل الموجودات المحيطة به لتكتمل الصورة الفنية للنصب ويحكي قصته بأحلى لغة ممكنة”.

إجراءات “متخلفة”

المختص في الخطط العمرانية، سلوان الأغا لا يختلف برأيه عما جاء به دكتور العمارة بلال سمير، حيث أوضح إن “كل تجمع سكاني يمتلك هوية ما، تعكس ميزات حضارية أو دينية او عقائدية او اجتماعية او اقتصادية، وهذه الهوية تظهر للزائر من خلال التجوال بأزقة تلك المدن أو من خلال ما ينشر في التلفاز وأجهزة التواصل”.

ويشير في حديثه مع “طريق الشعب”، إلى أن “هناك العديد من النصب الفنية والرمزية تستغيث من الإهمال الذي يلوحها بالرغم من تواجدها في مناطق مركزية ومهمة”.

ويعبر الأغا عن استياء كبير إزاء غياب الصيانة الدورية ووجود ضعف في عمليات التأهيل والترميم، وما متواجد لا يرتقي برمزية وأهمية هذه النصب التي تعكس أحداثا وتاريخا مهما للبلد.

ويستدرك بالقول إن “هناك عمليات ترميم أصبحت على حساب هذه الأماكن، كما حدث في عمليات توسعة الطرق التي تجاوزت أيضا على حساب الأماكن الخضراء وبعض الشجيرات المعمرة منذ سنوات عديدة”، واصفا هذه الإجراءات بأنها “فكر وثقافة متخلفة جداً”.

 ويجد الأغا أنه “بدلا من اعتماد هذه السياسات الخاطئة، هناك حاجة للتفكير بوسائط نقل حديثة لتقليل حركة وزخم المركبات”، لافتاً إلى أن “الحكومات يبدو إنها تذهب للحلول التقليدية، كتوفير مبالغ وإعداد كشوفات فنية للشوارع وتعبيدها ووضع بعض الإنارة والنشرات بشكل مبهرج لا علاقة لها بتاريخ البلد”.

ويضيف إن “المسؤول لا يزال يملك تفكيرا تقليديا وغير مواكب لتطور وأحداث العالم، وما يزيد من سوء الوضع أن المسؤولين هم المتحكمون في الأمور”.

ويشدد على ضرورة توفير كوادر متخصصة في مجال الصيانة لإعادة العمل النحتي إلى رونقه، لافتا إلى أن العراق يفتقد لهذا التخصص وأن وجد فخبرته لا تتماشى مع أساليب الصيانة الحديثة، مضيفا أن “معظم عمليات الصيانة للأنصاب والتماثيل “ارتجالية وغير علمية وغير مدروسة”.