اخر الاخبار

انتهى عمر مجلس المفوضية العليا لحقوق الانسان منذ عامين، ومنذ ذلك الحين فشل مجلس النواب بحسب معنيين في حسم اختيار مجلس جديد، بسبب غياب التوافقات السياسية، ووسط هذا كله تبرز تدخلات حكومية تشوب حولها الكثير من التساؤلات بسبب تدخلاتها في تكليف ادارات لهذه المفوضية كان آخرها تكليف وزير العدل بهذه المهمة.

ناشطون ومعنيون بهذا الملف انتقدوا الإجراءات الحكومية ووصفوها بانها محاولة لتجميد وشل عمل مفوضية حقوق الانسان، عبرتحويلها إلى وزارة او مديرية تابعة لمجلس الوزراء، عادين ذلك إجراءً غير قانوني يقضي على استقلالية المفوضية ذات الدور الرقابي، والتي نص عليها الدستور والقانون واكدتها المحكمة الاتحادية في تموز 2021، وكذلك عد بانه سعي واضح لكبت حرية التعبير وتقويض الديمقراطية.

تقزيم الديمقراطية

في هذا الشأن أكد عضو مجلس المفوضية العليا لحقوق الانسان، سابقاً د. علي البياتي ان “متابعة ملف حقوق الانسان هو اختصاص حصري للمفوضية، ومنصوص على ذلك في الدستور العراقي ومبادئ باريس والقانون الدولي”.

وذكر في حديث لـ “طريق الشعب”، أنه منذ تموز 2021 والعراق بلا مجلس مفوضين ولا مفوضية فعالة، والسبب هو أن البرلمان أخفق في تشكيل مجلس مفوضين جديد، ووجه مجلس المفوضين السابق بمغادرة موقعه قبل تكليف مجلس آخر، وبعدها تدخلت الحكومة وأخذت دور البرلمان”.

ونبه إلى أن استقلالية الهيئة “ليست مؤكدة بالدستور والقانون فحسب، وانما المحكمة الاتحادية في تموز 2021 شددت على هذه الاستقلالية، وهذا التأكيد جاء بعد محاولة حكومة عادل عبد المهدي ضم المفوضية لمجلس الوزراء، ولكن المحكمة ردت هذه المحاولة”.

وتابع البياتي قائلاً إنه “رغم هذا كله اقدمت الحكومة من آب 2021 وحتى اليوم باتخاذ خطوات مخالفة للقانون الدولي وللدستور وقرار المحكمة الاتحادية، وعلى التدخل لتنصيب أشخاص في إدارة المفوضية بدون المرور بالأليات القانونية واحترام استقلالية المفوضية”.

وزاد على حديثه قائلا: “الآن تم تنصيب وزير العدل لإدارة المفوضية، وهذا خطر جداً فدمج مؤسسة تنفيذية مع مؤسسة رقابية اشبه بدمج البرلمان مع الحكومة، وكيف لوزير العدل، الذي يدير دوائر الاصلاح والسجون المتهمة بوجود انتهاكات المفترض أن تراقبها المفوضية، أن يدير المفوضية؟”.

ولفت إلى أن ما يحدث هو “إفراغ لمحتوى وإنهاء لهدف وجود هذه المؤسسة، وباعتقادي أن المخطط سيذهب نحو تحويل المفوضية مرة أخرى إلى وزارة حقوق الإنسان، أو حلها وجعلها مديرية تابعة لمجلس الوزراء او لمكتب رئيس الوزراء”.

وأشار إلى أن “سوء استخدام القوانين والمؤسسات في استهداف أي شخص يعبر عن رأيه بتغريدة او منشور او انتقاد، إضافة الى قضايا الاختطاف والاغتيال والتهديدات والسلاح المنتشر بيد مجاميع، وكل هذه المؤشرات دلالة على أن الديمقراطية تتراجع في العراق، والنظام يتحول يوما بعد آخر عملياً وتطبيقياً إلى نظام سلطوي يعتمد مزاج الحاكم”.

وخلص البياتي إلى أن قوى السلطة المتنفذة “التي تملك الأموال والسلاح والسلطة عندما تخاف من حرية التعبير ومن الكلمة او من مؤسسة رقابية تؤدي دورها، فهذا دليل على أن ايديولوجية الطبقة السياسية هي العمل لأن تكون الدولة بالكامل لهم، أموالها ومؤسساتها وسلطتها وسلاحها للحاكم وحاشيته، والمواطن عليه أن يتقبل ويسكت”.

 مزيد من القمع والتضييق

وعلى صعيد متصل قال المنسق العام للتيار الديمقراطي، زهير ضياء الدين إن هذه التوجهات تهدف إلى هيمنة قوى الإطار التنسيقي على المؤسسات في الدولة العراقية، وان تأخير حسم اختيار مجلس المفوضين يترتب عليه تكميم الأفواه وخنق الحريات والتصدي لكل اشكال حرية التعبير التي يمكن ان تؤثر على العملية السياسية.

واوضح في حديثه لـ “طريق الشعب”، بالقول إن “مفوضية حقوق الانسان، تعتبر واحدة من المنافذ المفتوحة امام العراقيين من أجل المطالبة بحقوقهم، والتصدي من خلالها لأي محاولة للتضييق على الحريات، وانهم بعد ان يحكموا السيطرة على هذه المفوضية من خلال المحاصصة ووجود مفوضين تابعين لقوى السلطة سيفرضون المزيد من القمع والتضييق، ويمكن اعتبار ذلك بانه خطوة في عمل الحكومة الحالية التي تحاول غلق كل المنافذ أمام حرية التعبير وحقوق الانسان وممارساتها في مختلف جوانب الحياة”.

ضرب لاستقلاليتها!

من جانبها اكدت الناشطة السياسية رؤى خلف ان “مفوضية حقوق الانسان منذ تأسيسها وإلى اليوم، لم تكن بعيدة عن مخالب نهج المحاصصة، برغم وصول الكثير من التوصيات والتعليقات في تقارير الامم المتحدة، التي تحث المفوضية دائماً على ان تكون مستقلة”.

 وقالت في حديثها مع “طريق الشعب”، “لم نشهد يوماً مفوضية حقوق انسان مستقلة بالمعنى الحرفي والتام، ودائماً ما كانت اختيارات احزاب السلطة هي المؤثرة، والمرة الوحيدة التي جاء فيها التشديد على وجود مفوضين مستقلين هي في هذا العام بحسب توصيات الامم المتحدة”.

واضافت الناشطة السياسية “على إثر ذلك نظم مجموعة من المدافعين عن حقوق الانسان مؤتمرا صحفيا أعلنوا فيه عن استعدادهم للترشح، وتم الاعلان ايضا عن ما يقارب تسعة اشخاص ناشطين في المجتمع المدني لديهم باع في قضايا حقوق الانسان وحصلوا على ارقام لترشيحاتهم ولكن بعد ذلك توقف كل شيء”.

 ولفتت خلف إلى أنه “من المهم ان تكون المفوضية بعيدة عن المؤسسات الحكومية، وان محاولة جعلها ضمن وزارة ستقلل من صلاحيتها كهيئة مستقلة، ولن تؤدي عملها خصوصا مع وزارة العدل، فهي كمفوضية معنية بمتابعة ومراقبة دور الإصلاح والسجون وبعض القضايا المتعلقة بوزارة العدل نفسها”.

وتعتقد خلف أن “سياقات عمل حكومة السوداني لما سبقها وهذا التوجه لا صالح فبه لعمل المفوضية او الصالح العام او موائم للقانون والدستور”، مؤكدة على ان ما يحدث هو “ثلم للديمقراطية وجزء من آليات وتحركات تكميم الافواه وتضييق النطاق على الحقوقيين والمختصين في هذا الجانب، بالتالي ستفقد المفوضية قيمتها الحقيقية في حال أصبحت جزءا من الوزارات وتتحول من صفة رقابية إلى تنفيذية”.

مؤشر خطير

إلى ذلك قال رئيس مؤسسة حق لحقوق الانسان، عمر العلواني إن هناك “تعطيلا وتأخيرا في حسم اختيار مجلس المفوضين غير مبرر، وفي الجانب الآخر فأن اللجنة المكلفة لاختيار المجلس لا زالت غير واضحة المعالم، وان آخر طلب تقدمت به هو عقد اجتماعات خارج العراق حتى تستطيع اختيار مجلس المفوضين وهذا قرار غريب بحد ذاته”.

واعتبر العلواني في حديثه مع “طريق الشعب”، إحالة مهام إدارة المفوضية إلى وزير العدل “مؤشرا خطيرا يتعارض مع استقلالية المفوضية، فالهدف الاساسي من هذه الاستقلالية هو الرقابة على أداء الوزارات وفي مقدمتها وزارة العدل، باعتبارها مسؤولة ومشرفة على السجون التي يرتبط بها واحد من أهم ملفات حقوق الانسان في العراق وفبه مؤشرات خطيرة”.

واكد أن هذه الاجراءات لا يمكن إلا أن “يتم اعتبارها سابقة خطيرة لتراجع ملف حقوق الانسان في العراق، وسيؤثر ذلك قطعاً على تصنيف المفوضية عالمياً بحسب التصنيف المتقدم للمفوضيات، وفق هذه الاجراءات التي تتخذها الحكومة الحالية والتأخير وعدم الوضوح، وسيقوض ذلك عملها واهدافها”.