اخر الاخبار

حكاية الدينار والدولار

نشر الموقع الأمريكي الأول لتصريف العملة، تقريراً حول المشاكل التي يواجهها الدينار العراقي، أشار فيه إلى إن فهم المتغيرات الأخيرة في سعر الدينار يتطلب الخوض في تعقيدات السياسة الدولية والأنظمة المالية وديناميكيات صرف العملات.

وأوضح التقرير بأن العقوبات الدولية لم تكن غريبة على العراق، مذ بدء فرضها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، كوسيلة للضغط على الحكومات لتغيير سياساتها أو سلوكها، حيث تعرض لمثل هذه الإجراءات طيلة 13 عاماً أعقبت احتلاله للكويت. إلا إنه وبعد الإطاحة بصدام حسين من السلطة، قام مجلس الأمن برفع بعض تلك العقوبات كالقيود على التجارة والأسلحة، وأبقى على البعض الأخر كتدفق الدولارات إلى البلاد، هذا التدفق المرتبط بشكل معقد بعائدات النفط.

عقوبات مواربة

وعلى ضوء بقايا تلك العقوبات، ذكر التقرير بأن وارادات بيع النفط العراقي يجب تحويلها إلى حساب لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، الذي يقوم بتوفير العملة الصعبة للحكومة العراقية، لتلبية احتياجاتها المالية المختلفة، ومن خلالها يتم ضخ بعض من هذه الأموال للبنوك التجارية. وأعرب كاتب التقرير عن اعتقاده بأن عملية الضخ هذه واجهت اتهامات كبيرة بالفساد والتورط في التحويل غير المشروع للدولار إلى دول وشركات خاضعة للعقوبات الأمريكية، مما دفع بالبنك الفيدرالي إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة للتحكم بالطريقة التي يتعامل بها البنك المركزي العراقي في البلاد مع الدولارات، وفرض عقوبات ضد العديد من البنوك العراقية، التي إُتهمت بمخالفة الإجراءات والقيام بغسيل الأموال، وهو ما أربك سوق العملة بالبلاد.

بين بغداد وواشنطن

وأكد التقرير على أنه إضافة إلى تأثر قيمة الدينار العراقي بشكل مباشر بتقلبات سعر الدولار الأمريكي، فقد كان للعقوبات التي فرضتها واشنطن على البنوك التجارية العراقية وعلى فروع البنوك الايرانية في العراق، تأثير على رفع سعر الصرف، إضافة إلى زيادة عمليات تهريب الأموال إلى الخارج.

ولمواجهة الموقف الصعب الذي وجد البنك المركزي العراقي نفسه فيه، إتخذ العديد من الإجراءات، لتقليل تأثير التحديات الكبيرة علي إدارة السياسة النقدية للبلاد ولمواجهة ارتفاع أسعار الصرف. لكن هذه الإجراءات لم تحقق نتائج كبيرة حتى الآن، بسبب تداعيات فرض العقوبات وتعطّل الإستثمارات الأجنبية بشكل كبير. كما أدى تسديد ديون إيران واثمان صادراتها الكبيرة للعراق بالدينار وامتناعها عن صرفه عبر مزاد العملة، إلى نقص كبير في توفر الدينار، مما خلق - حسب التقرير - عجزاً لدى بغداد على تحويل دولاراتها إلى العملة المحلية اللازمة لتلبية المتطلبات الحكومية، وشدّد من الضغط على الدينار والسوق العراقية.

الشعب من يدفع الثمن

وذكر التقرير بأنه ونتيجة لأزمة سيولة العملة التي تعاني منها البلاد، ظلت الحكومة تكافح من أجل الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه المواطنين العراقيين، بما في ذلك صرف الرواتب للعديد من موظفي القطاع العام، ومعاشات التقاعد والرعاية الاجتماعية.

وبيّن التقرير بأن تمتع العراق باحتياطيات نفطية وفيرة، تشكل مصدر دخله الأساسي، لم يسعفه في تحقيق تنمية واضحة، جراء التحديات المستمرة، المتمثلة في الاضطرابات السياسية والفساد والصراعات المستمرة، وما تركته من تأثيرات سلبية على تقييم الدينار العراقي.

وأشار التقرير إلى أن قيام الحكومة بتخفيض قيمة العملة الوطنية قبل عامين، لتأمين قروض مقابل احتياطياتها من العملة الصعبة لمعالجة عجز قدره 1.5 مليار دولار، لم يؤد الاّ إلى المزيد من الانخفاض في قيمة الدينار، مما أجبر الحكومة على إعادة تقييمه في شباط 2023، دون أن تحقق هذه الإجراءات أية فائدة تذكر.

وأختتم التقرير بالقول بأنه ومع استمرار تطور الأحداث، يظل مستقبل الدينار العراقي غير مؤكد، ويتأثر بالعديد من العوامل داخل حدود العراق وخارجها، ويتطلب الأمر اليقظة عند الإبحار في هذه المياه المضطربة.