اخر الاخبار

تؤشر الارقام الحكومية وجود زيادة سنوية كبيرة في عدد السكان ببغداد، بلغ حتى بحسب تقديرات وزارة التخطيط حوالي 9 ملايين نسمة في العام الحالي. ويقابل هذه الزيادة عجز كبير في البنية التحتية ونقص حاد في الخدمات والسكن والتعليم والرعاية الصحية وغيرها من أساسيات الحياة.

ووفقا لمراقبين ومختصين، فإن المتغيرات التي تطرأ على عاصمة العراق هي خارج حسابات القوى الحاكمة التي تتسابق من أجل المصالح الضيقة ومواقع النفوذ، لتنتج بذلك لوحة مشوّهة من العشوائيات والاستحواذ على الأراضي وأزمات مزمنة يعاني منها المواطن الذي يفتقد أبسط المستلزمات الحضارية للعيش بكرامة، وفي ظل خدمات حقيقية ما زالت غائبة نتيجة المحاصصة والفساد.

تهيئة البديل لنظام المحاصصة

تقول بشرى أبو العيس، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، ومرشحة تحالف قيم المدني في بغداد، إنّ “الزيادة الهائلة في اعداد السكان ضاعفت الضغط على البنى التحتية المتهالكة، ولا توجد أية حلول فعّالة لتحسينها، بسبب سوء أداء منظومة المحاصصة، التي أهملت البناء والاعمار، وغيّبت فرص تطوير القطاعات الخدمية التي يحتاجها المواطنون في المحافظات، وبغداد منها على وجه الخصوص”.

وتضيف أبو العيس في حديث لـ”طريق الشعب”، ان “القوى المتنفذة لم تقم بواجباتها طيلة الفترة الماضية وأهملت جميع المحافظات، لذلك نسعى في تحالف (قيم المدني) إلى خلق البديل الحقيقي لمنظومة الحكم الحالية ولنهجها المحاصصاتي التخادمي، وذلك من خلال برنامج واقعي قابل للقياس والتنفيذ”.

وتلفت المتحدثة إلى أنّ الفشل والاهمال في أداء المهام التشريعية والنيابية على مدى السنوات الماضية وحتى الآن “أنتج ظواهر مشوّهة كثيرة، منها ظاهرة العشوائيات والأراضي التي تسيطر عليها العصابات الخارجة عن القانون، فضلا عن كثرة المشاكل في الخدمات والطرق العامة والفرعية، اضافة إلى شحّ المياه وعدم وصولها إلى المناطق إلا بشقّ الأنفس، وأزمات مزمنة لقطاع الكهرباء وما يرافق ذلك من تلاعب بأسعار المولدات الأهلية المحددة وصعوبات بالغة في توفير الفحص الطبي والعلاجات داخل المستشفيات الحكومية والضعف الحاد في مستوى أداء قطاع التعليم، وغير ذلك من المصائب”.

وفي ما يخص العاصمة بغداد، فإنها بحسب أبو العيس، “مدينة تكاد تخلو من المتنزهات العامة والأماكن المفتوحة باستثناء بعض المشاريع التجارية والاستثمارية التي يمتلكها رجال أعمال أو جهات متنفذة، وهي مصممة لأغراض لا تتوافق مع طموحات المواطن الفقير ورغبته بقضاء أوقات هادئة أو ممتعة، كما هو الحال في مختلف بلدان العالم”.

وتؤكد عضو تحالف قيم المدني، أنّ “التحالف سيواجه هذه المعطيات ويقود حملة انتخابية واسعة لتحقيق نصر انتخابي يهدف إلى خدمة المواطن، وتخليص البلد من آفة المحاصصة المقيتة”.

زيادة سكانية وإجراءات ترقيعية

أما المختص في الشأن الاقتصادي، باسم جميل أنطوان، فيرى أنّ “العراق يشهد زيادة سكانية كبيرة مقارنة بالاعوام الماضية، ويقابل هذه الزيادة حالة بائسة من الخدمات البسيطة وإجراءات لا ترتقي الى مستوى الحلول، ولا تعدو كونها محاولات ترقيعية”.

وخلال حديثه مع “طريق الشعب”، يصف أنطوان الاجراءات الحكومية للتعامل مع النمو السكاني الكبير بأنها “خطوات متخلفة وعاجزة عن توفير متطلبات السكّان من نواحي التعليم والصحة والسكن وغير ذلك من متطلبات”، مبينا أن “المحاولات التي تجريها الحكومة للنهوض بالبنية التحتية لن تثمر شيئا ما لم يكن هناك عمل مضاعف لمعالجة واقع خدمي سيئ، يحمل تراكمات 20 عاما من الفشل والتخبط والفساد في المشاريع”.

وبحسب أنطوان، فإن “البدء بالعمل من خلال بعض الأنشطة الخدمية على تغيير الواقع الخدمي ومواكبة التطور السكاني ليس كافيا أيضا، فلا بد من توفير إرادة سياسية حقيقية للقيام بذلك، يصاحبها جهد نوعي متواصل يتجنب السلوك الترقيعي ويبتعد عن هيمنة الفساد الذي كان السبب الرئيس في عرقلة جميع عمليات التنمية المستدامة في البلاد”.

ويؤكد أنطوان، أنّ “التضخم السكاني الذي تشهده البلاد بحاجة الى إجراءات حقيقية تعمل عليها الحكومة للارتقاء بواقع المواطنين، خاصة الشباب الذين يعانون من قلة فرص العمل والعوز الذي أدى ببعضهم إلى الانخراط في سلوكيات خطيرة”.

هموم خارج حسابات القوى الحاكمة

من جانبه، تحدث سلوان آغا، وهو مهندس مختص في تنظيم المدن ومرشح عن تحالف “قيم المدني” في محافظة بابل، عن متطلبات النمو السكاني التي تغيب عن المشهد برغم الموازنات الانفجارية المهدورة، مشيرا الى ان “متطلبات النمو السكاني من خدمات وصحة وسكن وتعليم وغيرها، هي قضايا لا تهم القوى الحاكمة، انما أصبحت خارج حساباتها، لذلك نرى أن التمسك بالحلول الترقيعية لارضاء الشارع هو من أجل تحقيق أغراض انتخابية لا أكثر”.

ويقول آغا لـ”طريق الشعب”، إنّ “الدول تعمل جاهدة للسيطرة على التضخم السكّاني وتضع الخطط لاستثمار الثروات البشرية وتأهيلها لما ينفع البلاد، لكن سلوك نظام المحاصصة طيلة السنوات الماضية يسير بعكس هذا الاتجاه”.

ووفقا للآغا، فإن “البلاد تحتاج إلى ما يقارب مليون ونصف المليون وحدة سكنية بحسب الاحصاءات، وأن غياب الخدمات عن التوسع السكاني هو أمر خطير جدا، لذلك يولي (تحالف قيم المدني) أهمية لهذا الأمر بشكل كبير”.

ويؤكد الآغا، ان “التضخم السكاني في البلاد هو بمثابة ثروة واعدة، الا ان السلطات عاجزة عن استثمارها، بل زادت من عمق الأزمات عندما عجزت عن توفير الخدمات والبنى التحتية”.

ويخلص إلى أن “معطيات الواقع الحالي من تضخم سكاني وإهمال حكومي، يعطينا مؤشرات مستقبلية خطرة بأن فجوة المعاناة في اتساع مستمر، اذا ما استمرت منظومة المحاصصة والفساد في السيطرة على مقدرات الناس ومصائرهم”.