اخر الاخبار

عقدت مؤسسة ايشان للثقافة الشعبية عصر السبت الماضي، ندوتها الشهرية وجاءت بعنوان “تداول الموروث الشعبي في المسرح العراقي” تحدث فيها د.عقيل مهدي ود. حسين علي هارف وقدمها د. علاء كريم .. وكانت سياحة ثقافية مميزة، اعادنا فيها الاستاذان الى عوالم المسرح العراقي في سني ازدهاره وتألقه، من خلال توقفهما عند محطات مضيئة وخالدة في الذاكرة، لاسيما منذ مرحلة الستينيات التي شهدت بداية التحول النوعي في هذا الجنس الابداعي الذي يعد العراق رائدا ومميزا فيه .. وقد شهدت الجلسة مداخلات ومناقشات من قبل الحاضرين .

 شخصيا، يستوقفني في موضوعة المسرح بشكل عام، التقييم الذي اراه لا يخلو من تعسف، اذ يوصف المسرح الذي ينطق باللغة الفصحى (نخبويا)! بينما يعد المسرح المنطوق باللهجة الدارجة (شعبيا)! ويعامل على انه اقل قيمة، في الاقل بنظر المثقفين! .. في الحقيقة لا اعرف كيف تسلل هذا التقييم الى مزاجنا وتكرّس في ثقافتنا، ولعله بات اكثر تكرسا بعد ان صارت تقدم عروض (ترفيهية) وليست مسرحية، باسم (المسرح الشعبي) او ما اصطلح عليه بالتجاري، الذي انتعش تحت ضغط الظروف القاسية في التسعينيات وربما قبلها، ولعله اليوم بات يحسب على الإسفاف ولا علاقة له بالمسرح ورسالته التنويرية ..

الاستاذان المحاضران توقفا عند اعمال مهمة (شعبية) ما زالت عالقة في ذاكرة الناس لما انطوت عليه من رسائل تنويرية وثقافية ، وصلت الى مختلف شرائح المجتمع بسبب استخدام اللهجة الدارجة، وقد كانت تلك العروض خالية من الاسفاف والتهريج، اي انها اعمال نخبوية في رسالتها ولا تحتاج الى لغة فصحى لكي تسوّق نفسها على انها كذلك.

سؤال مهم يطرح نفسه في هذا السياق، هو لماذا لا تكون هناك دراما نخبوية تنطق بالفصحى واخرى (شعبية) تنطق بالعامية او الدارجة؟ .. والامر كذلك مع السينما، الفن الذي يعد الان من اكبر وسائل التثقيف والتأثير في العالم، لماذا لا يخضع لهذه المعادلة ايضا؟ .. في اعتقادنا المتواضع ان قوة الفن تكمن في قدرته على التأثير في الناس وان الأرقى فيه هو من يحمل رسالة انسانية خالية من اي غرض غير انساني او اخلاقي، وهو ما باتت تعاني منه الفنون واشكال الابداع الاخرى كلها اليوم وقبل اليوم ايضا! بما فيها المسرح السينما والدراما والادب، نتيجة زجها في الصراعات السياسية والشواهد على ذلك كثيرة جدا .. اي ان العمل الفني اذا كان خاليا من التدليس والمقاصد غير الانسانية، يكون راقيا وبخلافه فانه وبأي شكل او اناء يقدم، يبقى تأثير السموم فيه واحدا!

واعتقد اننا بحاجة لان ننصف المسرح (الشعبي الرسالي) من خلال وصفه بالنخبوي انطلاقا من فحواه ورسالته، وننصف المنطوق منه بالفصحى من خلال ذلك ايضا بدلا من منحه فرمان النخبوية حين لا ينطوي على اية قيمة .. وما اكثر ما قدم من هذا النوع؟!

عرض مقالات: