اخر الاخبار

المقدمة: للغربةِ والاغتراب، ظلالٌ بكثافة أشجار الغابات، وثقل الجبال على نفوس البعض، الذين لم تكن الغربةُ لهم ترفاً وأنديةً وملاعب لهو، بل ظلّت سكاكين في الخاصرة، تتحرك في مضاجعهم، فلا يكون النوم والحلم إلا طعنات وألماً مضاعفاً.

ولهذا الاغتراب أثرٌ فاعلٌ وواضحٌ في السرد والشعر عند (وفاء عبد الرزاق) الدارس والباحث في نتاجها يجد ويقرأ (الفنتازيا/ الغرائبية) واضحة وضوح العطر في الورد، فهي تختلق عوالم وأخيلة وتبني ممالك في النص غريبةً وعجيبةً، تختلف عن مخاييل الكثيرين. اليوم نقرأ نصّها الشعري العامّي الأخير الذي يحمل عنوان (تعال).

عنوان النّص (تعال) : طلب ورجاء بالحضور، فإذن الآخر حكماً غائب، والمرجو اللقاء به، وهذه (تعال) تتكرّر في ثنايا النّص، فضلاً عن كونها الساحة المشهدية التي رسى عليها العنوان لتأكيد الرجاء والطلب. و(تعال) حينما تُقال ليست بالضرورة تكون استجابة بل على العكس، احتمالية عدم الحضور، وعدم الاصغاء للطلب، أو استحالة هذا الأمر يكون أكثر حضوراً من الحضور نفسه.

لم نطرح ونناقش كلمة(تعال) في اللغة والمصطلح في المعاجم العربية الفصحى، لأنها في هذا النص الشعري، خرجت من قوالب المعجمية الى قالب التخييل والاستعمال المتداول في الطلب، بين طرفين، تتبين العلاقة بينهما بعد حين.

النص ومفاتيحه/ المخاطَبُ والمُخاطِبُ في النّص، يتحاوران وراء كلماتٍ أوصدت أقفالها، وعبر شفراتٍ لا يفهمها إلا هما( كأنها لغة مُحبّين،لن يلتقيا)، الاشارات الغرائبية فيها منذ البيت الأول، وهذه درجات (تعال) التي أسميها(الرجاء).

- الرجاء الأول:( اخيال مرّ اباب)، الخيال لا تمنعه أو تحجبه الأبواب ولا الجدران، إذن هو خيال مشخّص، لهُ كيان وهيبة، ويحملُ في ذاته أسرار لا يعرفها المُخاطِب/ الشاعرة، وقد يكون هذا الخيالُ متشكلاً في جمع من الأقفال، وهذه الأقفال أسئلةٌ ظلّت منذ حضوره الأول تحتاجُ الى مفاتيح،  مقفلةً بأقفالهِ هو، وبمزاليج غربته وبُعده.

-الرجاء الثاني:(سكتة التايه)، التيه هو غربة، مرةً يكون ضياعاً، وأخرى انبهاراً بالذي يرى، وتعجباً، وجهلاً، ووعياً، فالتيه صور تشتبك في ذات الانسان، لكنه يتعاملُ معها حسب ثقافته، وطريقة حضوره، طلب الحضور هنا بـ (سكتة تايه) الاستغراب، والتشتت في كيفية جمع ما يريد قوله بعد غياب؟

- الرجاء الثالث: (الماكو), الحضور الى اللاشيء، الى الخسارات والفقدان،تأتي الى حيث أتعذّبُ هنا (حيث المُخاطِبُ/ الشاعرة) تتوسّلُ الحضور كي يرى عذاباتها وما وصلَ بها الحال؟؟ فهي الطريدة والوحيدة، وكلّ منْ معها سراب، إلا هو الذي تصرّ وتكرر طلب الحضور كي يكونَ شاهداً على حالها.

  فبكل توجّع تصرخ بكلمة (الماكو) فهي تنفي حضور العالم بأجمعهِ، وهي كلمة قاسية جداً وفيها دلالات نفسية،لأنّ حضوَرهُ (المُخاطَب)هو بالذات (كل شيء).

- الرجاء الرابع: (خطوة كذّاب): ولو كذِباً ، بخطوة كاذبة، طلب المستحيل، تعلمُ أنهُ لن ولم يكذب، لكنها تحلُم لو يتوهم بصنع كذبة، فالاذلال الذي تعانيه،ألمٌ وحسرة، وما لقاؤها (ادري وياك عت منشار)، صورة للتمزّق، صورة هذيان وأنين ووجع .

-صور (تعال) أخرى:

مذلّةُ الشوق، والانتظار، (مذلة شوك وآنه اعزيز)، كأنها تقول في الكلام العربي بصيغة شعرية: (إرحموا عزيزَ قومٍ ذَلّ)، وهي صورة تناقض صور شعرية لشعراء العاميّة منها (الحُب مو مذلة/ الحُب أسمى وأغله)، وصورة سفك الدم لرجائها، وصورة التوهّم بالصبح، كأن ليلها طويل ويطول، ولا تجد في صورة (أليس الصبح بقريب) ستشفع لها؟؟!

صورة (تعال) ، حتى لو تأتي مرضاً بين الضلوع، أو أنيناً أتوسّل بهِ وأترجاه الرحمة ، (تعال) صور الجوع والعلل، حتى لو تأتي موتاً فهي في حالة شغف إليه.

قصيدة تراجيدية، ترسم من خلالها اللهفة الى الآخر، عاشقة لو تجلببتْ بكفن الموت، ترسمُ الحب، والمحبة، والسؤال والالحاح بالسؤال ليترفق بها غياب الآخر فحضوره أمامها ولو عدمياً وميؤوساً منه، لكنها تظل تحلم به، وهي تعلم أنهُ المستحيل، لكنها الغرائبية التي تعيشها وتجعلها حاضرةً في كتاباتها.