اخر الاخبار

تتسبب ظاهرة إطلاق النار العشوائي في المناسبات بوقوع العديد من الضحايا، إذ صار معتادا في حفلات الزفاف والأعياد وفوز المنتخب الوطني لكرة القدم، وتشييع الجنائز، والخلافات العشائرية، أن يطلق مواطنون الرصاص العشوائي، فرحا وحزنا وغضبا واحتجاجا، ولم ينفع مع ذلك تهديدات السلطات القضائية والأمنية.

ففي ليلة يجب أن تكون مليئة بالفرح والابتهاج، تحول عرس شقيق أحمد إلى عزاء مرير، بعد أن انقلبت الأمور رأسا على عقب، بسبب إطلاق النار العشوائي احتفالا بهذه المناسبة السعيدة؛ فبدلاً من الفرح والاحتفال، شهد العرس مأساة حقيقية بوفاة ابنة أحمد، نتيجة الرصاص الطائش.

كان احمد (37) عاما، يعتبر الاطلاقات النارية ظاهرة تعبر عن الفرح، منتقدا بشدة من كان يحاول منع هذه الاطلاقات، ويبرر سبب اعتقاده ذلك بالبيئة التي نشأ فيها: “يعتبر حمل السلاح وإطلاق النار في الافراح والاحزان ممارسات طبيعية بل رجولية”.

ويتابع بالقول: إن “تلك الليلة، التي مر عليها خمس سنوات، لا تنسى؛ حيث لم يكن عمر طفلتي سوى 4 سنوات. لم أستطع لوم أحد، كوني كنت ممن يمارسون تلك الأفعال، الا انني الان انبذها بشدة”، معربا عن أسفه لكثرة هذه الانتهاكات الناتجة عن تداول السلاح بين أبناء العشائر بسهولة، وهو أمر يشبه تماما تداول أجهزة الموبايل.

إجراءات الوزارة

يقول المتحدث باسم وزارة الداخلية، خالد المحنا، إن “ظاهرة رمي الإطلاقات العشوائية ليست جديدة اذ تمتد جذورها لحقبة من الزمن في المجتمع العراقي”، عازياً سبب تفاقم هذه الظاهرة لاتساع نطاق الأسلحة وشيوعها بشكل واسع، إضافة الى عسكرة المجتمع.

ويؤكد المحنا في حديث خصّ به “طريق الشعب”، أن “الإطلاقات العشوائية سببت العديد من الوفيات والإصابات، من خلال الرصاص الذي يطلق في الأفراح والأحزان”. 

يوضح المحنا، أن “الوزارة لديها إجراءات عديدة، منها التعامل بشدة وحزم مع مطلقي الرصاص العشوائي، لضبط الأشخاص ومنعهم من استخدام السلاح، وذلك بالتعاون مع كافة مديريات الشرطة التابعة للوزارة”.

وتتواصل الوزارة مع شيوخ العشائر كون الظاهرة مرتبطة بالثقافة المجتمعية للبلد، عبر مديرية شؤون العشائر، من اجل وضع معالجات مجدية تحد من الظاهرة تمهيدا للقضاء عليها.

ويشيد المحنا بموقف العشائر من هذه الممارسات ومساعدتهم في العمل على الحد من هذه الظاهرة.

ويزعم المحنا، أن هذه الإجراءات “ساهمت بشكل كبير بالحد من ظاهرة الاطلاقات العشوائية، وتحديدا في مناطق شمال وغرب بغداد”، مؤكدا ان “الاستمرار بالإجراءات المتخذة يساهم بالحد منها بشكل أكبر”.

العشائر تنبذ استخدام السلاح

ويقول علي عزيز، شيخ عشيرة، إن “المتعارف عليه قبول العشائر باستخدام السلاح خارج إطار الدولة، وهذا غير صحيح كون اغلب العشائر اليوم تنبذ استخدام السلاح بشكل غير مرخص”.

ويعبّر عزيز عن اسفه لما يطول القانون من ضعف في التطبيق، مشيرا الى ان ذلك يشكل “السبب الرئيس بانتشار السلاح خارج إطار الدولة، كاستخدامه في تشييع الجنازات وحفلات الاعراس في “الدكة العشائرية””.

“قتل شخصان بريئان في منطقتنا بسبب دكة عشائرية بين جهتين، علما ان الشخصين اللذين قُتلا لا علاقة لهما بالأمر، لكن أصابهما الرصاص في أثناء الاقتتال بين الطرفين”، يقول الشيخ، “السلاح المنفلت والذي يستخدم في المناسبات تسبب بقتل العديد من الأشخاص، ومنهم أطفال لقوا حتفهم برصاصات طائشة”.

وينتقد عزيز إجراءات الحكومة التي قررت سحب السلاح مع الإبقاء على نقدية واحدة، معتبرا ذلك قرارا غير مدروس ويشرعن تفشي السلاح وانفلات الوضع الأمني.

ويشدد الشيخ على “ضرورة تفعيل القانون وجعله الرادع الأساسي” لهذه الظاهرة.

وينتقد عزيز مسألة إهداء رؤساء الوزراء بعض العشائر أسلحة مختلفة، مؤكدا ان ذلك تسبب بمشاكل كبيرة وجعل العشائر تملك أسلحة ثقيلة.

لا وجود لإحصاءات رسمية

ولا توجد إحصاءات رسمية لأعداد قطع السلاح الموجود داخل المنازل، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بالعادة بين 13 إلى 15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف وحتى ثقيل، أبرزها بنادق الكلاشنكوف، و”بي كي سي”، و”آر بي كي” الروسية، إلى جانب مدافع الهاون وقذائف الـ “آر بي جي” التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية جنوب البلاد.

وتعتبر الإطلاقات النارية العشوائية ظاهرة مقلقة، كونها تؤثر على الأمن العام وتهدد حياة الأفراد في مناسباتهم المبهجة. فالاحتفالات والمناسبات السعيدة قد تتحول فجأة إلى مآسٍ، بسبب الاستخدام غير المسؤول للأسلحة النارية. وكما هو معروف فقد أدت الإطلاقات العشوائية إلى العديد من الوفيات والإصابات، وتسببت بخسائر جسيمة في الحياة البشرية والممتلكات، بحسب المحامي مصطفى البياتي.

ولا توجد إحصاءات رسمية عن ظاهرة الرمي العشوائي. لكن وزارة الصحة نشرت على مواقعها إحصاءات تفيد بتسجيل 150 إصابةً في العاصمة بغداد، ناتجة عن الألعاب النارية والرمي العشوائي في ليلة رأس السنة، وكان 20 إصابة منها في العيون.

فيما تشير البيانات إلى أن مطلع العام 2021، شهد إصابة نحو 84 شخصاً بطلق ناري في الرأس، نتيجة الرمي العشوائي، وعلى إثر ذلك فارقوا الحياة.

ماذا يقول القانون؟

من الجدير بالذكر، أن القانون العراقي يُعاقب على حمل السلاح من دون رخصة حيازة، وتصل عقوبة مطلقي النار في المناسبات إلى السجن ثلاث سنوات، وعلى الرغم من ذلك لا يزال إطلاق النار مستمراً.

ويبين البياتي في حديث مع “طريق الشعب”، أن “قانون حظر الألعاب النارية رقم 2 لسنة 2012 منع استيراد أو تصنيع أو تداول أو بيع الألعاب المحرضة على العنف، ويعاقب من يفعل ذلك بالحبس 3 سنوات وغرامة مالية تقدر بـ 10 مليون دينار.

ويشير البياتي الى “قانون الأسلحة رقم 51 لسنة 2017، الذي يعاقب حامل السلاح بدون رخصة بالحبس والغرامات، وأيضاً يعاقب القانون ذي الرقم 570 لسنة 1982 بالحبس 3 سنوات كل من يطلق العيارات النارية في المناسبات”.

ويبين، ان “المستشفيات تستقبل في كل مناسبة حالات من الإصابات المتنوعة، الناتجة عن الإطلاقات العشوائية”، مشيرا الى ضرورة تطبيق القانون للحد من اطلاق الرصاص العشوائي.

ويؤكد البياتي في ختام حديثه، ان “الإطلاقات العشوائية ـ لأي سبب كانت ـ تشير الى وجود جهل وتخلف، وعدم احساس بالمسؤولية لما تثيره من رعب في نفوس المواطنين، اضافة الى الخطر الذي يلوحهم بسببها”.a