اخر الاخبار

تعد التجارة بالنقل البحري احدى الوسائل الأكثر أهمية في حركة التجارة الخارجية والداخلية. ويملك العراق ما يقارب ستة موانئ بحرية، أبرزها ميناء “أم قصر” الذي تمر من خلاله 80 في المائة من بضائع السوق العراقية، ما يجعله يأخذ وصف “نافذة العراق الاقتصادية”.

وبالرغم من الاهمية الكبرى للحركة التجارية البحرية الا انها تعاني الان من تدني مستوى جودة الخدمات المينائية، وقلة التخصيصات المالية.

وتترقب الحركة البحرية في العراق انجاز مشروع ميناء الفاو، الذي يرى مختصون أن اتمامه يحدث نقلة نوعية في حركة التجارة الدولية، ويجعل من ميناء “ام قصر” ثانوياً، لافتين الى ضرورة تحسين جودة الخدمات المينائية والسلامة البحرية.

ما هي مشاكل القطاع البحري؟

يتحدث الضابط البحري التجاري، كريم منير، الذي يعمل في شركة الناقلات النفط العراقية، عن أبرز المشاكل والمعوقات التي تطال جانب التجارة البحرية في البلاد، حيث يلفت إلى غياب آليات إرساء السفن، معتبرا ما يوجد “اجتهادا شخصيا” من قبل الأشخاص المتواجدين بطرف الرصيف، مضيفاً أن “الساحبات التي تساعد السفينة في الارساء، اغلبها قديم ومتهالك”.

ويذكر منير لـ “طريق الشعب”، مشكلة أخرى تتمثل بعدم توفر طرق خاصة للسيارات الناقلة للنفط الى الميناء، إذ تسلك شوارع عامة، ما يشكل خطرا على المواطنين وضررا على التبليط.

ومن جانب الخط الملاحي البحري، فهو أيضا يتضمن مشاكل كثيرة، أبرزها وجود بقايا السفن التي تم تدميرها اثناء الحروب السابقة، والتي تسبب عرقلة لحركة السفن.

ويضيف، أن “الهوزات” التي تربط بين السفينة والخط الرئيسي لنقل النفط، اغلبها منتهية الصلاحية ومتهالكة، ما يجعلها معرضة للكسر في حال التدفق السريع للمادة المنقولة من خلالها، مشيرا الى ان تركها دون تجديد يعتبر مخالفة يعاقب عليها القانون.

كما هناك غياب وضعف للصيانة الخاصة بالعوامات، التي تعتبر مرشداَ للبحارة في أثناء الليل، بحسب منير.

ويلفت الى أن الشركة التي يعمل بها (شركة الناقلات النفط العراقية)، التي تعتبر الناقل الأول والرسمي للنفط العراقي، تمتلك أربع سفن قديمة، بسعة 10 الاف طن، وهي كمية قليلة جداً، إضافة الى انه يجدها متهالكة.

السلامة البحرية

ويصف منير السلامة البحرية في العراق بأنها “ضعيفة جداَ”، والسبب كما يرى مرتبط بعدم وجود متابعة ومراقبة جيدة من قبل المعنيين، ما يجعل العاملين في القطاع البحري يستهينون بالالتزام بالزي الرسمي من قبعات الرأس والكفوف المصممة للحماية والأمان، لا سيما عمال ناقلات النفط.

ويبين، أن “مستلزمات السلامة توفرها الشركة المسؤولة بالميناء. وهناك ضباط مختصون بمتابعة أمور السلامة”.

ويحث على ضرورة تطبيق السلامة البحرية وفرض العقوبات غير المطبقة الان على من يخالف شروط السلامة.

أما من جانب أعداد الطاقم البحري في العراق، فيعتبر ما موجود قليلا جدا مقارنة بالحاجة الفعلية، اذ يبين ان النسبة الأكبر يصنف كادرا إداريا، والأقل منهم كادر بحري، إضافة الى ان الشركات عند تعيينها طاقما بحريا، فإنها تستعين بالكوادر الأجنبية بنسبة كبيرة جداً.

وخلص الى أن “المشاكل في القطاع البحري لا تعد ولا تحصى”، مطالباَ بضرورة الالتفات لهذا القطاع، لما يشكله من أهمية كبرى في حركة التجارة الداخلية والخارجية، خاصةً في ظل وجود مساع لإنشاء ميناء الفاو الذي من المؤمل ان يحدث نقلة نوعية في الحركة التجارية البحرية الدولية مع العراق.

موقع العراق البحري

ويقول المفتش العام السابق في وزارة النقل، قيصر الهاشمي، إن “الخارطة الجغرافية للعراق تؤهله ليكون البديل الذي تطمح به أوروبا، التي تفكر ببدائل عن النفط والغاز الروسي”، مشيراً إلى أن “جنوب العراق يمثل الحلقة البرية التي تربط بين مدن قارة اسيا ودول الخليج مع قارة أوربا، سواء عبر الجو أو البر المتمثل بعبور الشاحنات والربط السككي”.

ويبين الهاشمي في حديثه مع “طريق الشعب”، أن “الربط السككي في منطقة جنوب العراق يعتبر الاسرع والاسهل والاكثر امناً من بين وسائط النقل، اذ تتراوح المدة الزمنية للنقل من 30-20 دقيقة، وهو وقت قصير مقارنة بالرحلات الجوية، اضافة الى انه اقل تكلفةً من حيث اجور النقل وأجور التأمين على المسافرين والبضائع”، مؤكدا أن هذه العوامل تجعل العراق أكثر اهمية اقتصادياً وسياسياً على المستوى الدولي”.

ويحث الهاشمي على أهمية تحديد نوع الترانزيت للدول التي ترسو سفنها في موانئ البصرة، هل هو مثلاً ترانزيت لنقل المسافرين ام لنقل البضائع ام لكلاهما؟

الخدمات البحرية؟

ويزيد الهاشمي بالقول، إنه “يجب وضع تعرفة عالية جداً للترانزيت السككي مع وضع تعرفة معتدلة لنقل البضائع من ميناء البصرة الى باقي دول العالم، وذلك لضمان استقطاب الحمولات البحرية لترسو في جنوب العراق، مع فرض أجور تفريغ وتحميل مناسبة، ترافقها خدمات مينائية وبحرية عالية المستوى وبتكنولوجيا متقدمة، كونها تحافظ على المنشآت المينائية”.

ويأسف الهاشمي لوجود أسبقية في تقديم الخدمات المينائية والبحرية لدول الجوار، تفوق بجودتها ما موجود في العراق.

ويضيف أن “العراق يمتلك 6 موانئ: (أم قصر، خور الزبير، البصرة النفطي، خور العميّة، أبو الفلوس، وميناء المعقل)، موضحاَ إن “اثنين من هذه الموانئ مخصصان لتصدير النفط”.

وجعلت التطورات الحاصلة في مواصفات الموانئ والســفن التجارية العالمية من حيث الأحجام والحمولات وما تتطلبه من ســعة وطاقة اسـتيعابية في أرصفة الموانئ وكذلك ما تحتاج اليه من أعماقٍ بحرية، جعلت من موانئ العراق غير قادرة على الاســتجابة لمتطلبات المواصفات الحديثة لعمليات النقل التجاري البحري.

ميناء “ام قصر”

ووضع الرئيس العراقي السابق الشهيد عبد الكريم قاسم الحجر الأساس لميناء أم قصر في ستينيات القرن الماضي.

ويقع في منطقة ام قصر بالقرب من الحدود العراقية الكويتية. ويعد أكبر وأهم ميناء عراقي تديره الشركة العامة لموانئ العراق، اذ يستقبل الميناء البواخر العملاقة ذات الغاطس العميق، التي يصعب مرورها بمياه شط العرب.

وتدخل عبر أم قصر أغلب عمليات الاستيراد التي تجريها الدولة من معدات وآليات وسيارات ومواد غذائية، كالحنطة والشعير والرز والعديد من السلع المستوردة الأخرى.

ويُذكر أن أول باخرة رست في الميناء كانت قادمة من باكستان عن طريق باخرة تدعى “مكران”، ومحملة بالشاي السيلاني.

أهميته الاقتصادية

الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، يصف ميناء أم قصر بـ “الشريان الحيوي لتجارة العراق”، اذ تمر عن طريقه أكثر من 70 في المائة من تجارة العراق الخارجية، مشيراً إلى أن العراق بات يعتمد كثيراَ على التجارة الخارجية في تمويل احتياجاته السلعية بكل أصنافها الغذائية والصناعية.

ويقر المشهداني بحديثه مع “طريق الشعب”، بأن الإيرادات اليومية التي يحققها الميناء تزيد على مليار دينار عراقي، بالإضافة الى انه يمكن ان يساهم في توفير آلاف فرص العمل، ما يجعله يحد من نسب البطالة.

ويقسم ميناء ام قصر إلى ثلاث مناطق: الشمالي والأوسط والجنوبي، وبطاقة استيعابية كبيرة جدا.

ويخمن المشهداني أن يكون ميناء ام قصر “ثانويا” ومن الموانئ المحلية، بعد إنجاز ميناء الفاو الذي تقدر نسبة انجازه 50 في المائة، وبقدرة مليون حاوية. ومن المخطط أن يكون من موانئ الترانزيت باتجاه البحر المتوسط وأوروبا.

ويزيد بالقول، إن “أم قصر ستكون مهمته استقبال البواخر الصغيرة فقط مثل ميناء أبو فلوس والموانئ العراقية الأخرى على شط العرب”.

ميناء الفاو

وبالحديث عن ميناء الفاو، يقول إن عملية انجازه ستتم بثلاث مراحل، الأولى ستنتهي في عام 2028، بعد إكمال بناء الأرصفة الخمسة، والمرحلة التالية تنتهي عام 2038 أما الأخيرة فستكون في عام 2050”، مؤكدا انه لا يزال قيد النشاء”.

ويصف المشهداني العمل في ميناء الفاو بعد ان أجرى زيارة ميدانية له بـ “الجبار والضخم”، مضيفاً ان التخصيصات المالية للميناء هي المعرقل الوحيد لإنجازه سريعا.

ويشير إلى انه سيكون حلقة وصل بين الشرق والغرب، وسيخلق خدمات عديدة تنضم إلى هيكل البناء، وسيحوي مدناً صناعية وأخرى سكنية كبيرة ومحطات كهرباء وتحلية المياه.

ويلفت المشهداني إلى وجود نفق مغمور يربط ميناء الفاو بميناء ام قصر، ليرتبط أيضا بالطريق الدولي الموجود، ومن المؤمل ان يساهم في تنويع مصادر الاقتصاد العراقي، ويضيف أربعة مليارات دولار إلى الموازنة العامة، إضافة الى تشغيل عشرات آلاف العاطلين عن العمل، على حد قوله.

عرض مقالات: