اخر الاخبار

لا تملك السلطات الصحية في العراق أرقاماً دقيقة لأعداد الأطفال المصابين بطيف التوحد في البلاد. كما انها لا تضع مؤشرات واضحة لتصاعد الحالات أو تراجعها.

لكن انتشار معاهد ومراكز أهلية متخصصة في علاج هذا الاضطراب في مختلف أنحاء البلد، يدلل على وجود أعداد كبيرة من المصابين، ويؤشر في المقابل تقصيرا حكوميا في رعاية هذه الشريحة.

ووفقا لما نقلته وكالات أنباء عن خبراء يعملون في مراكز بحوث تربوية ونفسية، فإن عدد الأطفال المصابين بالتوحد في عموم العراق، يصل إلى أكثر من 20 ألف طفل.

تجدر الإشارة إلى أنّ بيانات منظمة الصحة العالمية تفيد بأنّ طيف التوحّد يصيب واحداً من كلّ 160 طفلاً حول العالم، وان الذكور أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب بأربع مرّات مقارنة بالإناث.

ويُعرف طيف التوحد بأنه اضطراب يؤثر في قدرة شخص على إدراك العالم حوله، وعلى التعامل مع الآخرين.

التلوّث أحد عوامل توسّع المرض

تحتل بغداد ومدن البصرة والموصل وكركوك، الصدارة في عدد المصابين بطيف التوحد – حسب ما تنقله وكالة أنباء “العربي الجديد” عن مسؤول في وزارة الصحة.

إذ يوضح أن “المدن الأربع هي الأكثر احتضاناً للسكان، وتشهد مشكلات تلوّث كبيرة تعتبر من بين العوامل الأساسية لتوسّع المرض”.

ولا يوجد في بغداد، التي تضم أكبر كثافة سكانية في البلاد، سوى مركزين حكوميين لعلاج التوحد، هما: “المركز الوطني للتوحد” في مستشفى حماية الأطفال التعليمي بمدينة الطب، و”مركز بغداد الحكومي للتوحد” في جانب الكرخ، والذي يعاني إهمالا بالغا  حسب ما تنقله “العربي الجديد” عن أحد الأطباء المنتسبين إليه.

ويقول الطبيب أن “المركز لديه 11 طبيباً فقط، يعملون بنظام المناوبة، في وقت تحتاج فيه هذه المؤسسة إلى أكثر من 25 طبيبا”.

وبسبب عدم توفر مراكز حكومية كافية، تضطر عائلات المصابين للتوّجه إلى مراكز خاصة ذات تكاليف علاج باهظة، من أجل الحصول على رعاية وتدريب لأبنائهم.

85 مركزا أهليا!

مديرة “معهد الصفا” الأهلي لرعاية مرضى التوحد في بغداد، رفاه جاسم، تقول في حديث صحفي أن “نسب اضطراب التوحد ترتفع في العراق”، مبينة أن “زيادة أعداد المصابين أدت إلى زيادة أعداد المراكز الأهلية المعنية برعايتهم، والتي وصلت إلى 85 معهدا منحت تراخيص لتقديم العلاج في مختلف أنحاء البلاد، منها 8 في الرصافة”.

وتلفت إلى أن “ معهدنا افتتح عام 2010، وكان الثاني في البلاد، وأن هناك معاهد خاصة أخرى افتتحت أخيرا، لكنها لا تخضع لرقابة ومتابعة من الجهات الحكومية، فتتبنى بالتالي حالات دون أن تملك رخصا رسمية”.

وعن تكاليف العلاج في المعاهد الخاصة، توضح مديرة المعهد أن “ذلك يعتمد على الظروف المعيشية لعائلات المصابين. لكن في طبيعة الحال، أنها تتراوح بين 250 و500 ألف دينار شهريا، حسب البرنامج الذي يقدم للطفل”، مشيرة إلى أن معهدها يتبنى تدريب الطفل المصاب حتى بلوغه سن الـ 15.

من جانبه، يقول د. أسامة الساعدي، وهو مسؤول عن مشاريع طبية خيرية تديرها العتبة الحسينية، أن العتبة تشرف على 11 معهدا وأكاديمية لرعاية أطفال التوحد في بغداد والمحافظات، مبينا في حديث صحفي أن هذه المراكز تقدم خدماتها لأكثر من 1200 طفل.

معاناة ذوي المصابين

المهندس علي الطائي، وهو من سكان مدينة كركوك، يتحدث عن معاناته مع اضطراب التوحد الذي أصاب ابنه. ويقول في حديث صحفي: “اكتشفت حالة ابني حين بلغ عامين ونصف العام من خلال ضعف حركته ونطقه، وتصرفاته غير الاعتيادية. فتوجهت حينها إلى أحد مركزين حكوميين موجودين في كركوك، لكنني شعرت بيأس من حصول ابني على علاج مناسب، بسبب الإهمال، وعدم وجود اختصاصيين يتمتعون بخبرة كبيرة. لذلك بدأت أبحث عن مراكز علاج خاصة، والتي أقدّر عددها بـ 8 في كركوك”.

ويشير إلى أن “المراكز الخاصة تتمتع بخبرات ومعرفة أكبر في كيفية التعامل مع أطفال التوحد، لا سيما بوجود اختصاصيين أجانب ومصريين، لكن تكاليف العلاج فيها باهظة تصل إلى 500 دولار شهريا”، مؤكدا أنه اضطر إلى الانتقال لمركز تديره أم لطفل يعاني التوحد “فهذه المرأة أكثر مراعاة للحالات الإنسانية والظروف المعيشية للأهالي. كما انها تملك خبرة جيدة في التعامل مع أطفال التوحد، ما ساعد في تحسن الحال الصحي لابني”.

أما نهلة النداوي، وهي أم لطفل مصاب بالتوحد، فتقول في حديث صحفي: “لم أعثر خلال مراحل علاج ابني على طبيب اختصاصي في العراق.. المعاناة كبيرة للمصابين بمرض التوحد وذويهم بسبب عدم تبني الحكومة هذه الحالات”.

ومثل نهلة، تعاني اسراء المعيني، وهي من سكان حي اليرموك ولديها طفلان مصابان بالتوحد، عدم توفر مدارس ومعاهد حكومية متخصصة في رعاية هذه الحالات، الأمر الذي اضطرها إلى نقل ابنيها إلى مركز أهلي في منطقتهم، مقابل مبالغ مالية شهرية كبيرة.

إلى ذلك، يقول عبد الحميد العاني، وهو من محافظة الأنبار، أنه اضطر إلى توفير الرعاية لابنه المصاب بالتوحد، في المنزل، بسبب خلو المحافظة من مراكز حكومية متخصصة في رعاية هذه الحالات، مؤكدا في حديث صحفي أن “وضعي المادي لا يسمح لي بتسجيل ابني في مركز أهلي”.