اخر الاخبار

في بلد يشهد مآسي عديدة، ساهمت ـ بمجملها ـ في تهالك البنية التحتية وانهيارها، يجد الفاسدون المدعومون غالباً من قوى متنفذة، فرصة ذهبية للانقضاض على مشاريع الاستثمار، بل أن هناك شركات ومستثمرين ومقاولين يعملون لصالح القوى المتنفذة، مهمتهم هي الاستيلاء على هذه المشاريع، التي جاءت بهدف التنمية والتطوير، وليس الفساد وهدر المال العام.

وعند القاء نظرة سريعة على واقع الخدمات والبنى التحتية في العديد من المحافظات، يمكن للفرد البسيط التوصل الى هذه الحقيقة: ان القوى الفاسدة لا تشبع، بل وتمادت حتى وصل فسادها الى حقوق الناس المشروعة وحرمانهم منها.

شاهد على الفشل

وتداول ناشطون في محافظة المثنى صورا ومقاطع فيديو توثق واقعا مزريا لمشروع استثماري اسمه “القرية الايطالية” وهو مجمع سكني تابع لمستثمر عراقي محلي، يعمل لصالح الشركة العراقية القطرية.

يقول الناشطون، ان “سعر الوحدة السكنية في هذه المنطقة 100 الف دولار. بينما واقعها سيء جداً؛ حيث ان المجمع بلا مدارس وبلا مستوصف صحي وبلا محطات ضخ مياه، وبلا تبليط، وعمره اكثر من 10 سنوات”، مبينين ان “المجمع بحجم محلة والبيوت فيه غير مكتملة حتى الان، حيث توقف العمل فيها بشكل تام برغم استلام سلف الـ 125 مليون دينار عن كل منزل منذ عامي 2021 و2022”.

ويؤكدون أن هناك ابتزازا من قبل العاملين للمواطن بإيقاف العمل، ويتلاعبون على وتر الإنجاز. بينما تجاوزت مدة التأخير عامين فوق ما محدد في العقد، وهذا نتيجة لغياب الرقابة من قبل هيئة استثمار المحافظة وهيئة النزاهة ومحافظ المثنى في متابعة هذه المشاريع”.

الاستثمار ميدان كبير للفساد!

يقول مصدر مطلع في محافظة المثنى، ان “الاستثمار هو ميدان كبير للفساد في المحافظة. وهذا يشمل مختلف القطاعات المهمة الاخرى؛ فالفساد اصبح منظومة متكاملة تشترك فيها قوى وجهات متنفذة، لا تسمح للنزاهة بالعمل على فضح ما يجري، حيث ان هناك جهات وشخصيات متنفذة متورطة بعمليات فساد ونهب وسرقة دون حسيب او رقيب، انما تعمل بحرية مطلقة”.

ويضيف المصدر في حديث خص به “طريق الشعب”، ان “هيئة النزاهة عاجزة امام هذه القوى الفاسدة التي عاثت ودمرت المحافظة؛ فاكثر السرقات والفساد يتم كشفها في قطاعات ودوائر معينة الا الفساد المتعلق بالاستثمار”.

ويشير الى ان “الفاسدين لا يخشون اي جهة، ويجري التسويق لهم وتلميع صورتهم في الاعلام؛ فهم محصنون ولهذا السبب لا يمكن لأي شخص مواجهتهم او التصدي لهم، ويجدون فرصتهم الثمينة في قطاع الاستثمار، وهناك مقاولون متعاونون ومتواطئون في هذا الفساد، ويتم بيع قطع الارض بأسعار خيالية على المواطنين الذين يجدون انفسهم مجبرين على الشراء، فلا خيار اخر امامهم”.

ويذكر المصدر، ان هناك قطع أرض داخل المدينة “تم الاستيلاء عليها من قبل شخص متنفذ جداً في المحافظة وذي منصب رفيع، وقد قام بتوزيع هذه القطع على عائلته، بينما هناك 340 وحدة سكنية واطئة الكلفة تم بناؤها قبل عشر سنوات، وتتوزع بين السماوة والرميثة والخضر. وقد اكتملت عملية بنائها لكنها تركت ولم توزع على المواطنين، بل يتم تأجيرها بأسعار كبيرة”.

ويتابع المصدر، ان اغلب مشاريع الاستثمار في محافظة المثنى “تغذي الفاسدين وتمولهم، وهم يتوزعون بين مقاولين كبار ومسؤولين ومتنفذين”، مؤكدا أن “هنالك مسؤولين يمتلكون معلومات كثيرة عن هذا الملف، لكنهم لا يكشفون عنها خشية التعرض لهم وتصفيتهم”.

ويشدد على ضرورة “دعم هيئة النزاهة وتقويتها من اجل التصدي للفساد والفاسدين، والعمل على القضاء على منابع الفساد في المحافظة وتجفيفها، لان هناك سخطا عاما، حيث أن الناس تعرف بالسرقات، وهناك عدم رضا كبير على الواقع السيء والمتردي”.

القرية الايطالية

يقول الناشط يعقوب الحساني، ان “مشروع القرية الايطالية وعموم مشاريع الاستثمار في العراق وخصوصاً محافظة المثنى، سارت على الية عمل وخطط بعيدة كل البعد عن مفهوم الاستثمار والتطوير وحل الازمات”، مبينا ان “هذه الخطط والاستراتيجيات كان ينبغي ان تكون بأبهى صورة، خصوصاً وان قانون الاستثمار يهيئ كل المتطلبات الضرورية للمستثمرين والارضية خصبة للاستثمار، والتي من المفترض ان تنعكس بنتائج مرضية على مستوى تطوير البنى التحتية وتطوير الخدمات وغيرها”.

ويتابع قائلا لـ”طريق الشعب”، ان “ما شاهدناه وراقبناه سواء في مشروع القرية الايطالية او باقي مشاريع الاستثمار، يشكل فشلا حقيقيا ذريعا، فالمستوى العمراني والخدمي لهذه المشاريع متدن جداً ودون مستوى الطموح، ناهيك عن عدم الالتزام بالمدد والعقود التي تبرم، والمخالفات الجسيمة التي تحدث، ومنها بيع قطع الارض وغياب الرقابة”.

وينوه بان “المستثمر بكل بساطة يأخذ قطعة ارض كبيرة للاستثمار من الدولة، ويبيعها على المواطنين. وهذه المخالفات واضحة ومرصودة، لكن لم يتم اتخاذ أية اجراءات في هذا الصدد”.

ويختم حديثه بالقول: ان “من المحزن والمؤلم ان يكون واقع محافظة المثنى بهذا الحال، فهي تحتاج الى نهضة عمرانية كبيرة وثورة استثمارية”.