اخر الاخبار

واثق حسين: استمرار النهج الخاطئ يقود الى انتفاضة جديدة

د. موسى رحمة الله: الشارع المحتج لم يقنع بدعوات الحوار

شكّلت تداعيات اغتيال الناشطين وتصاعد حراك المطالبين بالكشف عن ملفات المخطوفين والجهات التي تقف وراءها، ابرز أحداث الاسبوع الماضي، يقابلها عجز أمني كبير عن معرفة مصير المخطوفين، ووضع حد لعصابات السلاح، التي تستمر في ملاحقة الناشطين وذويهم، الأمر الذي فاقم السخط الشعبي بشكل واسع.

البرنامج الاسبوعي “يحدث في العراق” الذي يقدمه المركز الاعلامي للحزب الشيوعي العراقي في صفحة الحزب الرسمية على “فيسبوك”، سلط الضوء على هذا الملف في حلقة بعنوان: “اغتيالات الرعب.. فشل أمني وتكريس للغة الانتقام”، والتي ضيّف فيها عضو العلاقات الخارجية لمركز ميترو واثق حسين، والمدافع عن حقوق الانسان الدكتور موسى رحمة الله، فيما أدار الحلقة الاعلامي والناشط المدني سيف زهير.

المركز: حتى الان، لم نلمس تغييرا على ارض الواقع في ما يخص ملف الاغتيالات المستمر، وبالتالي لا يزال الغضب الشعبي كبيرا وعارما؟

رحمة الله: ملف الاغتيالات لم يغلق سابقا. وهو ملف موجود منذ 2003. بدءا من ذلك الحين، وفرق الموت تنفذ الاعمال الاجرامية، بحق كل الناس: الكفاءات الوطنية، وكل الاصوات العالية المعارضة لسياسات عسكرة المجتمع والسياسات التي يتبعها النظام السياسي الراهن. وبعض الفرق استُخدمت لاغتيال فاعلين وناشطين، لاسكات الاصوات المعارضة، والبعض الاخر للوصول لمركز تنفيذي، كما حصل في البصرة ومحافظات اخرى.

ملف الاغتيالات لن يتوقف طالما هناك صراع بين القوى الاقليمية. كل هذه الخلايا مدعومة بغطاء سياسي. وكل المجاميع المسلحة هي متنفذة في الدولة، ولديها رواتب من الدولة وايضا لديها حمايات وغطاء امني كبير جدا، ولديها شرعية وغطاء سياسي للقصاص ولاغتيال المعارضين. الاجهزة الاستخباراتية والامنية تعلم جيدا من الذي يخطط، ومن الذي ينفذ عمليات الاغتيال في كل المحافظات. هذه جرائم سياسية بامتياز.

الفوضى تمارسها جهات متنفذة

المركز: شهدنا مؤخرا اعتداءاتٍ على الزائرين في بغداد، ومن ثم اغتيال والد المحامي المغيب علي جاسب. وفي صلاح الدين جرت جريمة كبرى بحق احدى العائلات. ما هو دور الجهات الامنية؟

واثق حسين: معظم هذه القوى او اغلبها تحاول ان تضعف الدولة لانها لا تعيش الا بالفوضى. ثانيا، التبريرات التي تقدمها السلطة لهذه الجرائم دائما ما تحاول ان تعطيها بعدا طائفيا، لان القوى الطائفية افلست، لذلك تحاول ان تعيد نفسها الى الوجود من اجل التمسك بالسلطة. هذه الجرائم غيض من فيض. هناك جرائم كثيرة. هناك صراعات من اجل السلطة والنفوذ.

هي ليست فوضى أمنية بقدر ما هي فوضى تمارسها القوى المتنفذة من اجل فرض سيطرتها وهيمنتها. تغلغل هذه القوى في وزارتي الداخلية والدفاع له اثر كبير في التغطية على هذه الجرائم.

الحكومة غير جادة

في محاسبة قتلة المتظاهرين

المركز: أحد وعود الحكومة يتعلق بحصر السلاح بيد الدولة، وتقديم القتلة وخصوصا قتلة المتظاهرين الى العدالة، لكن الى اليوم لم يلمس المواطن أية نتيجة تذكر؟

رحمة الله: لن نشهد أية نتيجة. هذه الحكومة اتت بطريقة اشبه بسابقاتها. استغلت وساطات وعلاقات وتوازنات بين قوى اقليمية وداخلية. هذه الحكومة غير جادة في محاسبة قتلة المتظاهرين. الحكومة ذهبت لتغيير عدة قادة امنيين، تغيير رئيس خلية الصقور، وغيّرت مراكز امنية عدة في وزارة الداخلية والاستخبارات العسكرية. لكن كل هذا لم يؤدِ الى وقف عمليات القتل الموجودة. بالاضافة الى ان هذه الحكومة تمشي بخطوات شبه مملة. إنها تستخدم حلولا اتبعها النظام السوري، وايضا النظام الليبي. وبالتالي هذه الحلول مستوردة من الخارج. ولم تقدم حكومتنا حلا حقيقيا.

اتجهت الحكومة نحو تكليف احد المحققين، وتشكيل لجنة تقصي الحقيقة شبيهة بلجنة بسيوني في البحرين. وبالتالي هم ذاهبون الى ان يكون هذا الملف، ملف تسوية، يخرج بصفقة من خلال اشراك احزاب جديدة، والعديد منه في حقيقته ما هو الا ظلال للأحزاب الموجودة. وتتم تسوية الامر من خلال “الرحمة والمغفرة لشهداء تشرين!” مقابل التضحية بضباط وافراد من القوات الامنية!

المركز: في بداية تسلم الحكومة مهامها، كان العذر ان عمليات قتل المتظاهرين كانت في وقت الحكومة التي سبقتها، لكن اليوم نتحدث عن جرائم وعمليات اغتيال مستمرة الى هذه اللحظة؟

رحمة الله: الحكومة السابقة كانت واضحة جدا في عدائها للحراك الاحتجاجي. واعلنت بشكل صريح بأن المؤسسات الرسمية اشتركت في قمع المحتجين. هذه الحكومة تعمل بطريقة مغايرة، لكنها لا تتدخل بمنع الجرائم، هذه الحكومة تصور نفسها بانها المنقذ.

الجرائم لا تنتهي بالتقادم

المركز: المواطن يطرح سؤالا، وهو اننا لا نرى ابسط دليل على جدية الحكومة في متابعة ملف الاغتيالات؟

واثق حسين: في الحقيقة هناك متابعة لهذه الملفات، ومتابعة جدية، لكن اتخاذ قرار لعرض ما توصلت اليه هذه اللجان امر مفقود. وقد توصلوا الى نتائج، لكن الحكومة في هذه المرحلة لا يستطيع ان يفعل شيئا.

هذه الجرائم لا تنتهي بالتقادم، وفي يوم من الايام سيحاسب المجرمون. انتفاضة تشرين زعزعت القوى الحاكمة. لكنهم لا يعلمون ان استمرارهم في نهجهم الخاطئ سيؤدي الى انتفاضة جديدة. وفي الفترة الاخيرة لجأت اعداد من الناشطين الى كردستان وتركيا وغيرهما، نتيجة للتهديدات وملاحقتهم، وبعضهم تم الاعتداء عليه. كل هذا يؤكد ان القوى السياسية المتنفذة، والتي احرقت مقارها في جميع محافظات الوسط الجنوب، لم تكن قادرة على العمل العلني في ايام الانتفاضة. ونرى الان ان التظاهرات بدأت تعود بقوة. وانها ستكون اقوى في الفترة المقبلة.

لا حوار بين الضحية والجلاد

المركز: نتحدث عن وجود قوى وتشكيلات مسلحة تابعة للقوى المتنفذة، لا تقدر الحكومة على محاسبتها. السيد الكاظمي اطلق مبادرة حوارية مع القوى السياسية والمعارضين للنظام السياسي ومع المحتجين. وقوبلت هذه المبادرة بالترحيب من بعض الاطراف السياسية، بينما هناك رفض من المحتجين. هل من الممكن ان تحقق هذه الدعوة شيئا عمليا؟

رحمة الله: هذه القوى موجودة منذ 2003، وهي مستمرة منذ سنوات في تنفيذ هذه الجرائم، وهناك غطاء حكومي وسياسي كبير لاخفاء هذه الجرائم. حتى قصة فرقة الموت في البصرة هي قصة اعلامية!

الدعوة الى الحوار اشبه ما تكون ميتة سريريا. كيف يكون الحوار بين الضحية والجلاد؟ ذهبت هذه الحكومة من اجل ارضاء القوى السياسية المتنفذة، واطلقت الفضاء للعنف، وشاهدنا مجاميع تحمل اسماء قوى سياسية معينة تحرض على قتل الناشطين. وبالتالي لا توجد خصائص تنسجم بها الحركة الاحتجاجية مع هذا الحوار.

المحافظات الجنوبية غارقة بالفساد والمجرمين. الكثير من الناشطين غادروا محافظاتهم وهذه حقيقة لا تنكر. وبالتالي إن ذهبنا للحوار، فعلى الحكومة ان تستقيل وتشكل حكومة بعيدا عن هذه الاحزاب. رفع المحتجون مطلب تشكيل حكومة انتقالية، تكون بصلاحيات استثنائية. ليس هناك اهتمام من الشارع المحتج بدعوات الحكومة للحوار مع الاطراف السياسية. عدد من الزعماء السياسيين رحب بالحوار، لانهم جزء من اختيار الكاظمي. اليوم لا توجد ثقة من قبل الشعب بهذه الحكومة.

القضاء يتعرض لضغوط من القوى المتنفذة

المركز: ما هو دور القضاء واللجان التحقيقية التي شكلت لملاحقة الملفات المتعلقة بالاغتيالات والاستهدافات. بعض المجرمين يتم الامساك بهم، لكن يتم تغيير جنس التهم ـ على سبيل المثال ـ من قضية اغتيال الى قضية عشائرية؟

واثق حسين: القضاء مغيّب. والقضاة يتعرضون لضغوط كبيرة من قبل القوى المتنفذة. تحاول هذه القوى ان تجعله العوبة بيدها. ما يحصل في مسألة المحكمة الاتحادية خير دليل على ذلك. لجنة النزاهة قدمت الكثير من القضايا بخصوص الفساد، والقضاء لم يستطع ان يفعل شيئا، نتيجة للضغوط التي تمارسها القوى السياسية.

بالنسبة للحوار، إذا لم تتوفر أرضية لا يمكن ان يكون هناك حوار. هذه الارضية غير متوفرة. الكثير من الناشطين يرفضون هذا الحوار.

القوى السياسية مستمرة في نهجها. عمليات الاغتيال مستمرة. محاولات تشريع قوانين لتأبيد وجودها مستمرة ايضا. القضاء في الحقيقة مغلوب على امره. مع العلم ان هناك قضاة يصرون على احقاق الحق، لكنهم اما يتعرضون للاغتيال او يضطرون للاستقالة بسبب التهديدات.

مؤسسة عسكرية لحماية المواطنين

المركز: العراق لديه تشكيلات عسكرية وامنية كثيرة، لكن القتل متواصل. ما هو الموقف بخصوص اداء الاجهزة الامنية، هل تعاني نقص خبرة ام بسبب تدخلات سياسية تؤثر في أدائها؟

رحمة الله: القوى الامنية تخضع للمحاصصة الحزبية، بعيدا عن الكفاءة والتدرج العسكري الصحيح. وتخضع لامتيازات سياسية وتوصيات مرتبطة بقوى سياسية. بالتالي نشاهد عدم تنسيق في عملها.

كل دورة حكومية يحصل فيها استبدال مدراء عامين وألوية وضباط باشخاص اخرين. هذا يحتاج الى فترة طويلة حتى يكون جزءا من منظومة العمل العسكري والاستخباراتي، لنصل الى الاستقرار الأمني. التجديد يكون حسب الوزير: اذا كان الوزير من الكتلة الفلانية يأتي ومعه ضباط وألوية ومراتب بتوصية من الكيان السياسي، الذي يمثله هذا الوزير. وتحصل هذه التغييرات اضافة الى ترفيعات غير مهنية.

على سبيل المثال، منذ قدوم الحكومة الحالية هناك عدة ترفيعات حصلت لألوية وضباط ساهموا بشكل مباشر في بعض الحالات الفردية في سوح الاحتجاج. الان نحن في ظرف استثنائي ووضع غير مستقر، يحتاج لقرارات استثنائية. يحتاج لان تكون المؤسسة العسكرية مستقلة، وان تكون قادرة على حماية المواطنين المعارضين لهذا النظام، وان لا تتحول المؤسسة العسكرية الى مؤسسة قامعة لاصوات المتظاهرين.

الظروف الدولية لا تساعد

على تدويل قضية الاغتيالات

المركز: ما رأيكم بالدعوات التي تطلقها بعض الاصوات المحتجة بخصوص تدويل قضية الاغتيالات، لتوفير حماية من المجتمع الدولي. هل هذه ممكنة ومجدية؟

واثق حسين: حقيقةً، الوضع في العراق في غاية التعقيد. قضية التدويل ليست مستبعدة. خصوصا وان هذه القوى السياسية الآثمة التي لا توقف نزف الدم المستمر للشعب العراقي، لكن انا اعول اكثر على مسألة احياء الانتفاضة من جديد. رأينا خلال انتفاضة تشرين أن القوى السياسية المتزمتة رضخت لمطالب المتظاهرين.

تدويل القضية بالوقت الحاضر صعب، لان هذا يحتاج الى دعم دولي. لا أعتقد ان الدول يهمها الوضع حاليا، لكن يمكن العمل على تدويل بعض القضايا مثل قتل الناشطين، مثلما حدث في المانيا، وقدمت شكوى ضد ضابط سوري، وتمت محاكمته في المانيا، لكن تدويل القضية صعب الان، لان الظروف الدولية غير مهيأة.

موجات احتجاجية جديدة

المركز: قضية عودة الاحتجاج. هل تعتقد أن الشارع العراقي مع هذا الغضب المتزايد في ظل تفاقم الفشل الحكومي، سيكون مقبلا على انتفاضة كبيرة مجددا؟

رحمة الله: اعتقد بشكل شخصي أن الشعب سيبدأ بموجات احتجاجية قد تكون في تصاعد وتنازل، وقد تصل في اوقات الى اعلى موجة، وقد تتراجع، لان هناك الكثير من الناس مقتنعون قناعة تامة بأن من الممكن ان يحصل تغيير في الانتخابات. هذا هو اعتقاد لدى بعض الكيانات الناشئة. انه من الممكن ان نذهب باتجاه خيار الانتخابات، وان يحصل هذا التغيير بوجود محكمة اتحادية. شكل المحكمة الاتحادية سيذهب بنا الى مرحلة اخرى، هي استنساخ لنتائج التجربة اللبنانية. الحراك اللبناني خلال انتخابات 2018 شارك في الانتخابات، وبالتالي تفاجأ بكم التزوير الذي حصل، والغاء التصويت، ثم عادت لبنان لتلتحق بالعراق في 17 تشرين. نحن الان امام موجة لا احد قادر على توقعها، لكن هناك نزول للتظاهر، وفي لحظة من الممكن ان تصعد هذه الموجة، وفي أي لحظة تتراجع وفق الظروف والمعطيات الموجودة. لكن بعد الانتخابات انا على يقين بأن هذه القوى السياسية، التي تحمل السلاح من جانبين: جانب قوى الدولة، ومن جانب قوى اللادولة. كلتاهما ستنزلان بالسلاح الى الشارع. كلتاهما سيرفضهما المجتمع، وبالتالي نحن امام موجة كبيرة ستحدث في العراق بعد الانتخابات.

ساحات الاحتجاج تجدد نفسها في مواجهة الفساد وفشل القوى السياسية المتنفذة

المركز: استهداف المتظاهرين قد يبدو قاسيا جدا، لكن بعض الناشطين والمتظاهرين يؤكدون ان انتهاج هذا الاسلوب من قبل هذه القوى، هو دليل على خوفها وإفلاسها، بعد ان كُسر حاجز الصنمية، وان المواطن بات اليوم لا يخاف؟

واثق حسين: هذا صحيح، وبالتأكيد هو دليل على رعب هذه القوى من حدوث تغيير يطيح بسلطتها. ذلك عملت على اتخاذ كثير من الخطوات مثل اغتيال الناشطين او تهديدهم وافراغ الساحات من المتظاهرين. كذلك على المستوى التشريعي تحاول اقرار قانون المحكمة الاتحادية. هذه القوى تقوم ببعض العمليات للاستيلاء على اكبر كمية من الاموال. لكنها الصورة التي نراها كأنهم يستعدون للرحيل. ورأينا ان استهداف الناشطين في الفترة الاخيرة بدأ يزداد، لان هذه القوى قسم منها شارك في التظاهرات وقسم اخر لها جواسيسها في المظاهرات، وبدأوا بتحديد اشخاص من أجل استهدافهم. هذه القوى تمثل تهديدات لآلاف الناشطين. لكن الساحات تجدد نفسها والشباب العراقي معطاء، خصوصا امام هذا الفساد الواسع، وعدم وجود الخدمات. هذه القوى السياسية تنتقل من فشل الى فشل، ولم تستفد من تجربتها، لذلك ارضية التظاهرات موجودة، وازدادت ايضا في الفترة الاخيرة.

ان بعض القوى الموجودة في السلطة بدأت تحاول ان تكسب عطف المتظاهرين، ومحاولة استخدامهم في مواجهة الحكومة، سواء رئيس الحكومة او رئيس الجمهورية. بالتالي اعتقد ان الجو مهيّئ لمظاهرات كبيرة. اذا حدثت انتخابات فإن هذه القوى وبالذات الميليشاوية لن تخسر مواقع كثيرة، لان قانون الانتخابات فصّل وفق ما تريد. هذه القوى بدأت نشاطاتها من الان، واعتقد انها ستحصل على اصوات اكثر في المناطق المحررة: الموصل وصلاح الدين وديالى، لانها مستعدة لتهديد المواطنين: أما ان نتهمكم بالارهاب او تصوتون لنا. لذلك لا اعتقد ان هذه القوى ستخسر الكثير في هذه الانتخابات. ولا القوى الوطنية والمتظاهرون سيحصلون على اصوات كثيرة.