اخر الاخبار

مع ظهور أول ملامح فصل الصيف، بدأت ساعات تجهيز الكهرباء الوطنية بالانخفاض في جميع المدن العراقية، الأمر الذي جعل الوعد الحكومي المتكرر: “هذا الصيف سيكون أفضل من سابقه في تجهيز الطاقة الكهربائية”، حبرا على ورق مثلما جرت عليه العادة!

وبدأت المولدات الأهلية تعمل بشكل أكبر، إذعانا لفقدان الطاقة الكهربائية. فيما بررت وزارة الكهرباء كثرة انقطاع التيار الكهربائي بخفض إيران كميات الغاز التي تصدرها للعراق كوقود لمحطات التوليد.

وأعلنت الوزارة يوم 21 أيار المنتهي، انحسار إمدادات الغاز المورد من إيران إلى المنطقة الجنوبية لأسباب فنية، منوهة إلى تراجع إنتاج الطاقة في منظومة الكهرباء الوطنية بنسبة ألف ميغاواط.

ووفقا لعضو لجنة الطاقة في البرلمان، وليد السهلاني، فإن “الإنتاج المتوقع لمنظومة الكهرباء خلال الصيف، هو 22 ألف ميغاواط. بينما الحاجة الفعلية للبلاد تتجاوز 27 ألف ميغاواط”، مشيرا في حديث صحفي إلى أن هذا الأمر “يستوجب من الحكومة تحسين الإنتاج وإيجاد بدائل عن الغاز الذي يشكل عبئاً على الموازنة. كما ان المحطات التي أُنجزت في السنوات الماضية غالبيتها تعمل بالغاز”.

فاتورة للدولة وأخرى لصاحب المولدة!

المواطن حسن مهدي، وهو من سكان الكرادة، يقول في حديث صحفي: “كنا نعرف مسبقا ان وعود وزارة الكهرباء بصيف أفضل هذا العام من ناحية تجهيز الطاقة الكهربائية، غير حقيقية”، مبينا أن “هذا الأمر جعلنا نمنح صاحب المولدة الأجر الذي يطلبه دون تردد. فنحن نعرف أن الدولة عاجزة عن معالجة مشكلة الكهرباء المزمنة”.

ويضيف قائلا أنه “لم يحصل في أيٍ من دول العالم أن يدفع المواطن فاتورتين للكهرباء، إحداهما للدولة والأخرى لصاحب المولدة”! متابعا قوله بتهكم، أن “الدولة تهدد المواطن بقطع الكهرباء الوطنية غير الموجودة أصلا، عنه في حال رفض دفع فاتورة الكهرباء”!

وماذا عن الأعطال!؟

ولا تتوقف مشكلة الكهرباء خلال الصيف على خفض ساعات التجهيز، فهناك قضية أخرى لا تقل تأثيرا عن الأولى، وهي الأعطال والانهيارات التي تصيب الشبكة ومحوّلاتها، جراء التحميل الزائد وارتفاع درجات الحرارة.

وفي هذا الصدد يقول المواطن محمد علي شهاب، من قضاء الصويرة، أن عمال دائرة الصيانة في القضاء يتجولون في المناطق السكنية طيلة ساعات النهار والليل، فما أن يصلحوا محولة متعطلة في موقع ما، حتى يحترق سلك في موقع آخر”!

ويوضح لـ “طريق الشعب”، أن “مشكلة الأعطال، وهي مزمنة تتكرر صيفا وحتى شتاء، سببها تقادم شبكة الكهرباء وتهالكها، إضافة للتحميل الزائد الناتج عن التجاوزات. فهناك محولات طاقتها الاستيعابية كحد أقصى 50 منزلا، ربط عليها نحو 200 منزل بسبب ازدياد أعداد المنازل، وعدم وضع محوّلات إضافية، فضلا عن التجاوزات التي تلحق بالمنظومة من المناطق العشوائية والزراعية التي تحوّلت إلى سكنية”.

الفساد أس البلاء

رغم المبالغ الهائلة التي خصصت لقطاع الكهرباء منذ 2003 حتى اليوم، لم يطرأ على تجهيز الطاقة أي تحسن ملحوظ يذكر، إنما العكس “فالحال أصبح من سيء إلى أسوأ”– وفق ما يراه الكثيرون من المواطنين، الذين يرجعون الأزمة الكهربائية إلى “الفساد المستشري في مفاصل الدولة ووزاراتها، ومنها وزارة الكهرباء”. 

يقول المواطن أحمد نمير، أن “تراجع الكهرباء خلال الصيف، أمر لا بد منه، مهما أُطلقت الوعود بصيف أفضل. فهذا الحال يتكرر سنويا ويفاقم معاناة المواطن وهمومه”، لافتا في حديث صحفي إلى أن “كل ما يقوله المسؤول ويطلقه من وعود في شأن تحسن الكهرباء، لن يتحقق. فالفساد المستشري في مفاصل الوزارة هو من يقف وراء الأزمة”!

ويرى المواطن ان “هناك فسادا كبيرا واتفاقات بين موظفين في مراكز توزيع الكهرباء واصحاب مولدات اهلية. إذ يجري الاتفاق على قطع الكهرباء في أوقات معينة، حتى في أيام اعتدال الجو، لمضاعفة أجور المولدات وتبرير زيادة أسعار الاشتراك”.

قضية معقدة

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي هلال الطعان، أن “قضية الكهرباء في العراق معقدة. فهناك العديد من الأسباب تشترك جميعا وتتسبب في انخفاض تجهيز الطاقة، أبرزها ان معظم خطوط نقل الطاقة قديمة ومتهالكة، ما يؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من الكهرباء”.

ويتابع قائلا في حديث صحفي أن “من الأسباب الأخرى، هو الاعتماد على الغاز المستورد في تشغيل محطات توليد الطاقة. فهذا الأمر يفرض إنفاق أموال هائلة، في وقت يحرق فيه الغاز العراقي ولا تتم الاستفادة منه”. فيما يلفت إلى أن “الفساد الاداري والمالي المستشري في وزارة الكهرباء، هو أيضا من أسباب ضعف الطاقة الكهربائية”، مشيرا إلى أنه “لا توجد رغبة صادقة لدى المسؤولين، في حل مشكلة الكهرباء”.

أزمة تتكرر

إلى ذلك، ترى الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم، ان “الطرف العراقي هو السبب في ازمة الكهرباء. فالجو في العراق معروف، ومشكلات الطاقة الكهربائية تتكرر كل صيف”. وتتساءل: “لماذا لا يتم الاستعداد مسبقا للصيف، من حيث تهيئة منظومة الكهرباء ومستلزمات توفير الطاقة؟ وماذا عن التصريحات حول تسديد كافة مبالغ استيراد الغاز إلى الجانب الإيراني؟ وأين الوعود الأخيرة بإمدادنا باحتياجاتنا من الغاز لمدة خمس سنوات؟”!

وتتابع سميسم قولها في حديث صحفي أن “الجهاز التنفيذي العراقي مسؤول كل المسؤولية امام الناس، وامام الجهات العليا، عن توفر الكهرباء أو نقصها. فنحن الآن دخلنا إلى فصل الصيف الحقيقي، الذي ترتفع فيه الحرارة إلى درجة لا تطاق، وعليه يجب توفير الطاقة الكهربائية ووضع حد لمعاناة المواطن”.

وتنوّه الخبيرة الاقتصادية إلى أن “تعاقدات مشاريع الطاقة مع الشركات العالمية، ومنها سيمنس الالمانية وجنرال اليكتريك الامريكية، لغاية الآن لا يعرف المواطن ما هي طبيعتها. إذ لا يعلن عنها بوضوح”، مشيرة إلى أن “هذه التعاقدات لا نعرف شيئا عن ضوابطها، وعن نوع الاتفاق بين الحكومة والشركتين في شأن الكهرباء”.