أثبتت تجربة عقدين من الزمن، أن القوى المتنفذة تجيد شيطنة المتظاهرين في أي قضية مطلبية، نتيجة لفشلها وعجزها عن إيجاد الحلول او تحقيق مطالب الناس.

هذا الخطاب كان ولا يزال أسلوب تعاطيهم مع الحركة الاحتجاجية في البلاد، منذ انطلاقتها الأولى في شباط 2011 وحتى انتفاضة تشرين، يتبنى خطابا تحريضيا.

«ابن السفارة، جوكر، عميل، مندس ومخرب...» كلها هي اتهامات اطلقها متنفذون وميليشيات على المنتفضين، حيث عملوا على شيطنتهم ليكون ذلك ذريعة في قمع وكبح جماح الانتفاضة الشعبية بوحشية ودموية، لا نظير لها.

لم تزل حاضرة

وبعد أن تعهد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بتعديل سلّم رواتب الموظفين، اجتمعت تنسيقيات الموظفين من مختلف الوزارات ذات الرواتب المتدنية في تنسيقية عليا تضم جميع الممثلين من اجل مطلب واحد: تعديل سلم الرواتب. وما ان انطلقت الدعوات من قبلهم للتظاهر في ميادين الاحتجاج، حتى عملت الجيوش الالكترونية للمتنفذين وممثليهم في وسائل الاعلام على تسقيط الموظفين واتهامهم بمختلف الاتهامات، وكانت لغة التسقيط والتخوين حاضرة في المشهد. بينما غصّت ساحة التحرير بالموظفين المحتجين على التسويف الحكومي للوعود.

الرد في ساحات الاحتجاج

من جانبهم، رفض ناشطون ومدونون على منصات وسائل التواصل الاجتماعي هذا الخطاب الذي اعتبروه عجزاً عن التعاطي مع مطالب الجماهير الحقة، مؤكدين رفضهم هذا الخطاب، داعين الى مواجهته بقوة القانون.

وفي هذا الصدد، اوضح عضو التنسيقية العليا لحراك الموظفين، محمد قاسم بالقول: ان المطالب التي رفعها المحتجون هي الاسراع في اقرار سلم الرواتب الجديد، ورفض التسوية الحكومية المراد بها خداع الموظفين، عبر اضافة زيادة قدرها 50 في المائة على الراتب الاسمي.

واكد انهم يرفضون ذلك لجملة أسباب، من بينها «ان هناك موظفين رواتبهم متدنية جداً، وهذه الزيادة لن تحقق لهم شيئاً او تساعدهم في تحسين واقعهم المعيشي، ولا زلنا نصر على ان يكون العمل وفق الدراسة التي اجرتها اللجنة المكلفة بتعديل السلّم».

واشار قاسم في حديثه الى «طريق الشعب»، الى ان «الحراك جماهيري شعبي، يتشكل من موظفي الوزارات ذات الرواتب المتدنية منها الزراعة والصناعة والتجارة والتربية والامانة والبيئة والمهن الصحية، وليس كما روجت الماكنات الإعلامية للقوى المتنفذة بأنه جمهور حزبي وغيره من الاتهامات، التي لا اساس لها».

وعن الهجمة التي استهدفت الحراك قال: «هدفها هو تضييق الخناق على المحتجين وكسر عزيمة الموظفين وتخويفهم، من اجل افشال الحراك، لذلك اطلقوا شتى الاتهامات، ونشروا العديد من الشائعات والبيانات المزورة، ولكن الحضور الجماهيري الواسع كان رداً صاعقاً على تلك المحاولات التي باءت بالفشل».

واوضح عضو اللجنة التنسيقية، انهم اجتمعوا مع الوفد الحكومي المكون من مستشار رئيس الوزراء والامين العام لرئاسة الوزراء، فطلبوا منا الانسحاب والقبول بتسوية (زيادة 50 في المائة). وقالوا ان لا مجال للصدام مع اصحاب الامتيازات الخاصة والمتنفذين وخفض رواتبهم. وقالوا بالحرف الواحد «اما ان تقبلون بالتسوية او لا شيء لديكم».

واكد ان هذا الرد «نعتبره تحديا لنا. وعليه دعونا الى الاضراب. وسيكون الاضراب عاما في حال تم تسويف مطالب المحتجين. وبالفعل في البصرة شهدنا اضراباً بنسبة 80 في المائة في دوائرها يوم الاحتجاج. ولدينا خطوات تصعيدية قادمة في هذا الصدد، لذلك على الحكومة التعامل مع مطالب الموظفين بمسؤولية وجدية».

«دليل على عجزهم»

من جانبه، قال المدون والناشط نذير العطار: ان كل شيء سواء كانت حركة احتجاجية ام شعارات، لا تخدم مصالح القوى المتنفذة وتتعارض معها، نراها تعمل على تسقيطها وشيطنتها. لأنهم يجدون أن احتجاج الناس على سياستهم الفاشلة تسبب لهم مشاكل وتحرجهم أمام المجتمع الدولي.

واكد ان أي «احتجاج جماهيري سلمي ومطلبي يقابل دائماً بقوة السلاح واطلاق الاتهامات والتهديدات، وهذا متوقع جداً وغير مستغرب، فنحن نعيش تحت مظلة نظام مغلف بالديمقراطية ويدعي تطبيقها، لكنه يقمع الحريات ويبتلع حقوق الناس».

وتابع العطار قائلا: ان «الفساد والسرقات وغياب السياسة الاقتصادية الناجعة، أوصلت المواطنين الى هذا الحال. ومن حق الناس ان تطالب بتحسين أوضاعها وهذا حق مشروع. وكان الأجدى النظر الى مطالب الناس واحتياجاتهم بدلا من توجيه الاتهامات الجوفاء اليهم».

وبيّن بالقول ان «الاتهامات وشيطنة الموظفين المحتجين، دليل دامغ على عجز المنظومة السياسية عن التعامل مع مطالب الشعب بمسؤولية، لذلك هي تلجأ الى لغة التسقيط والتحريض على اي حراك جماهيري يتعارض مع مصالحها، حتى لو كانت مطالبهم حقة ومكفولة دستورياً».

وخلص المدون بالقول الى ان «غالبية القوى المتنفذة شيمتها الفساد، ولا يمكن ان نتوقع منها تحقيق تطلعات الناس، والانتقال بالبلاد لمرحلة جديدة تحقق العدالة الاجتماعية».

تكشفت أقنعتهم

الى ذلك، قال الناشط علي هاشم انه «على مدار الاعوام التي مضت وحتى الان لا تزال لغة التحريض والتخوين هي منهج المتنفذين في التعامل مع مطالب الناس. ويذاع ذلك في وسائل الاعلام المختلفة، ويروج له على العديد من المنصات التي تمولها تلك القوى؛ فهم لا يملكون الحلول للازمات، بل السلاح والقمع والترهيب».

وقال في سياق حديثه مع «طريق الشعب» ان «هذا الاعلام المأجور وتلك الاتهامات نراها توجه فقط صوب المواطن البسيط والشباب العاطل عن العمل. بينما تخرس هذه الالسن عند الحديث عن قضايا الفساد والسرقات مثل سرقة القرن وغيرها من القضايا التي تدين المتنفذين».

وخلص هاشم الى ان «هذه الاتهامات التي يطلقها هؤلاء على المحتجين من شريحة الموظفين، أدانتهم اكثر بل وكشفت زيفهم وادعاءاتهم، بانهم جاءوا لخدمة المواطن، والعمل على ضمان حياة كريمة لمواطنيه».