اخر الاخبار

في ظل الزيادة المستمرة للكثافة السكانية وانتشار العشوائيات وتفاقم ازمة السكن، شرع الكثير من أصحاب رؤوس الأموال في بناء مجمعات سكنية عمودية، استغلالا لأزمة السكن، وليس لحلها.

وشهدت البلاد، لا سيما العاصمة بغداد، خلال السنوات الأخيرة، بناء عدد من المجمعات السكنية، التي لم يتح للجميع شراء وحدات سكن فيها، بسبب أسعارها المبالغ فيها، فهي لا تتناسب مع دخول المواطنين المتوسطة والمحدودة.

ولا يجد معنيون ومختصون “حلا” لأزمة السكن في هذه المجمعات الفارهة ولا في توزيع قطع ارض، مؤكدين ان “التخطيط لذلك لم يتم بشكل جيد”. وشددوا على ضرورة ان تتبنى الحكومة سياسة استحداث مدن جديدة وبناء وحدات سكنية واطئة الكلفة، تنسجم مع الهدف من انشائها.

مجمعات للرفاه لا السكن

في هذا الصدد، يقول الخبير في الشـأن الاقتصادي، د. عبد الرحمن المشهداني: اننا لم نتعامل مع الازمة بشكل حقيقي، معتقدا ان “ازمة السكن لا تُحل بطريقة الاستثمار او بالطريقة العشوائية/ الحواسم”.

ويضيف الخبير قائلا: أنه “لا بد ان يكون هناك تدخل حكومي في الاستثمار  الموجه من قبل الحكومة؛ فعندما تمنح الحكومة الارض في افضل المواقع واثمنها في بغداد لبعض المستثمرين، فمن البديهي ان تكون اسعارها مرتفعة. ومعلوم أن بناية الـ20 طابقا تعامل معاملة الطابق الواحد من ناحية السعر”.

ويشير المشهداني في حديثه لـ”طريق الشعب”، الى انه “من المفترض ان تكون هناك ضوابط او شروط على المستثمر، وان لا يكون الاستثمار عبثيا، اضافة الى وضع شروط عند بناء شقق فارهة، يفترض ان تكون هناك مجمعات واطئة الكلفة لذوي الدخل المحدود والشرائح المعدمة حتى تحل ازمة العشوائيات”.

ويتحدث الخبير عن تجربة ناجحة في هذا القطاع بقوله: ان “مصر نموذج جيد وتجربة ناجحة، ولا تعاني من مشكلة في السكن، بعد أن حلت الازمة منذ سنوات برغم الكثافة السكانية، لان السياسة المتبعة آنذاك كانت تمنح الاجازات للاستثمار بثلاث درجات، حيث ان المستثمر ملزم ان يبني الشقق الفارهة لذوي الدخول العالية لتحقيق الربح، وكذلك بالنسبة لذوي الدخول المتوسطة والمساكن واطئة الكلفة لذوي الدخول المحدودة وساكني العشوائيات والفقراء والمشمولين بشبكات الحماية”. ويؤكد ان التوجه “نحو بناء مدن جديدة هو الاصح والافضل بدل توزيع قطع ارض، لان الاخير لا يحل المشكلة، فهذا المواطن لا يجد في بعض الاحيان قوت يومه، فكيف سيبني قطعة الارض؟”. وينوه المشهداني الى ان الرؤية حتى وان كانت موجودة “فنحن نواجه مشكلة بالتطبيق، لذلك الاخفاق في هذا الملف لا يتحمله طرف دون آخر، بل ان كل الحكومات المتعاقبة منذ 2005 والى اليوم هي من تتحمل المسؤولية، ومن تصدى لملف السكن والملفات الاخرى في البلاد، لم يكن يمتلك الخبرة ابداً ولا الرؤية ايضا”، مشددا على ان لا حل سوى “باستحداث مدن جديدة وتتبنى الحكومة بناء هذه المدن وتوزيعها بعد الانتهاء منها، لا توزيع قطع الارض التي ستخلق لنا عشوائيات اخرى”.

اجراءات لا تغني ولا تسمن

من جانبه، يقول مهندس الخطط العمرانية سلوان الاغا ان العراق بحاجة 2.500 - 3 ملايين وحدة سكنية وربما أكثر، مؤكدا ان هذا الرقم في اي بلد بالعالم لا يمكن معالجته من خلال قطاع واحد خاصا كان ام عاما او حتى من خلال الاستثمار.

ويشير في حديثه مع “طريق الشعب”، الى انه يجب ان تكون “هناك حزمة اجراءات، فحل الازمة بالاستثمار في المجمعات لا يعول عليه اليوم، فأسعارها باهظة جدا، ولا تسد النقص، ومن الخطأ ان يتم بناؤها في الاماكن المزدحمة وذات الكثافة السكانية، وبالنتيجة لا يوجد تقدم في تطوير المدن وتوسيعها”.

ويقول الاغا: ان “بعض النماذج في محافظة كربلاء والنجف وكذلك  في اقليم كردستان، ناجحة وتخدم الموظف والمواطن من ذوي الدخول المحدودة، ويمكن الاستفادة من ذلك”.

ويؤكد المهندس ان الحل بأن “تأخذ الدولة على عاتقها انشاء دور واطئة الكلفة، ببناء بسيط، ويؤمن السكن اللائق، على ان تكون طريقة التسديد والمبالغ الموضوعة واقعية ومعقولة، وتتناسب مع حجم دخول هذه الشريحة من المجتمع”.

ويلفت الى انه “من غير المعقول اننا نريد حل ازمة السكن بينما اسعار هذه الوحدات وصلت الى 200 _ 700 الف دولار. ومن المفترض ان تتراوح الاسعار بين 40 _ 60 الف دولار، ويكون نظامها خاصا، وترتبط ايضا بفتح القروض من المصارف، وكذلك يجب تقنين وتحديد من يمكن له ان يستملك، وان تحدد نسبة 50 في المائة من المجمع، تمنح لمن لا يملك وحدة سكنية في المحافظة”.

ويضيف قائلا ان “الحكومة لا تتصرف بشكل يتناسب مع حجم الازمة، بدليل اننا حتى الآن ما زلنا نتحدث، بينما المعنيون لم يخرجوا بحلول، وهنا يأتي دور وزارة الاعمار والاسكان التي يجب ان تهيّئ اراضي ببناء معين متوسط وواطئ الكلفة، يستطيع المواطن الاستفادة منه. اما الاجراءات الحالية فلن تحل الازمة”.

وخلص الى انه من الضروري ان لا تفكر الدولة بعقلية الاستثمار مع المواطن، وان يكون هدفها هو توفير سكن للناس.

وتعترف وزارة الاعمار والإسكان من خلال المتحدث الرسمي بأسم الوزارة، المهندس نبيل الصفار بأن الاستثمار الموجود حاليا  في بناء المجمعات السكنية لا يلبي الطموح ولا الحاجة الفعلية لعدد الوحدات السكنية المطلوبة، البالغ عددها 3 ملايين وفق اخر الاحصائيات، لذلك يتم حاليا وضع اليات وضوابط ومعايير لتوزيع الاراضي واستثمارها”.

وذكر الصفار ان “الامانة العامة لمجلس الوزراء قررت تشكيل فريق برئاسة وزير الاعمار والاسكان  وبعضوية وزير البيئة ورئيس هيئة المستشارين ورئيس الهيئة الوطنية للاستثمار وامين بغداد محافظ المحافظة المعنية ورئيس الدائرة القانونية في الامانة العامة لمجلس الوزراء ومدير عام دائرة تنمية الاقاليم في وزارة التخطيط”.

واستطرد ان “هذا الفريق من مهامه، التخطيط والعمل والاشراف على تأسيس مدن جديدة وايجاد بيئة لغرض انشاء مدن كهذه، وتم اعطاؤهم صلاحيات بايجاد آليات شراكة جديدة للتعاون مع المستثمرين في سبيل جذبهم لبناء مجمعات خارج مراكز المدن مثل ما ذكرنا مقابل توفير البنى التحتية الخاصة بهذه المجمعات”.

واختتم حديثه قائلاً: “حاليا يجري العمل على انشاء 15 مدينة تعتبر من المدن الذكية في بغداد والمحافظات”.