اخر الاخبار

في حلقة اثارت تساؤلات نوعية وناقشت قضايا جوهرية لاوضاع البلد وعلاقتها المترابطة مع الثقافة والمثقفين، ودور التنوير باحداث تغيير شامل في مفاهيم حاولت السلطة السياسية تكريسها وجعلها هي السائدة، رغم ما تسببت به وتسببه من اشكاليات ساهمت في إضعاف الهوية الوطنية، ومبدأ المواطنة.

وضيّف المركز الاعلامي للحزب الشيوعي العراقي في برنامجه الاسبوعي "يحدث في العراق" نخبة من المثقفين، للحديث عن: "الخطاب والموقف الفاعل.. رؤية ثقافية لاوضاع العراق"، على الصفحة الرسمية للحزب في "فيسبوك"، ضمّت الرفيق نائب سكرتير الحزب مفيد الجزائري، والشاعر عمر السراي والشاعر والاكاديمي د.عمار المسعودي والكاتب ياسر جاسم، فيما أدار الجلسة الرفيق سيف زهير.

ثمرة مؤتمر المثقفين ركنت على رفوف السياسة!

المركز: السؤال الذي يطرح باستمرار، هو ان واقع الثقافة الحالي مرتبط بالمشهد الذي نراه في البلد. من المسؤول عن الارتقاء بالآخر في ظل ما تفرزه السياسة من تعقيدات كثيرة؟

الجزائري: الثقافة هي جزء من  البناء الفوقي، وهو انعكاس للواقع المادي، واقع الحياة الاجتماعية. عندما نتحدث عن واقعنا الثقافي الراهن، ينبغي ان نسلط الضوء على الواقع الراهن في البلد، فهو واقع لا يسر أبدا. عقدان من السنين ولم يتحقق شيء في ميدان الثقافة. البنى التحتية للثقافة ما زالت على حالها، فلم تعمر وتبنى من جديد. ومجمل البنى التحتية للثقافة ما تزال على حالها. القليل منها تم اعماره. والقليل جدا جدا الذي اضيف الى البنى التحتية، التي كانت قائمة سابقا.

عندما يكون الاساس المادي للثقافة هو البنى التحتية، ماذا يمكن ان تتوقع؟ ماذا يمكن أن تتصور انّ من الممكن تحقيقه في ميدان الثقافة؟ الانتاج الثقافي كيف يتحرك الى الامام ما دامت نقطة الانطلاق الاساسية غير موجودة؟ للاسف الشديد لم يعَر اهتمام طيلة السنين الماضية منذ سنة 2005، فمنذ انعقاد مؤتمر المثقفين العراقيين في نيسان 2005، لم يحدث شيء. في تلك الفترة كانت هناك حركة، وبرزت في حينها جهود كبيرة، مثّل المؤتمر تتويجا لها. وقد انجز هذا المؤتمر ولخّص حصيلة السنتين اللتين سبقتاه (2003ـ 2005). كما قدّم افكارا ورؤى ملموسة لوضع استراتيجية للثقافة، والتي كان من الممكن الانطلاق منها لاحقا. في السنتين الاوليين لم تكن هناك ميزانية، ولا يوجد تمويل لأي تحرك على صعيد البناء، واعادة البناء والتغيير، مهما يكون. فالأمل كان في السنوات اللاحقة، بعد أن وُضعت الاسس الاستراتيجية للثقافة، والتي كانت ثمرة المؤتمر، لكن بمجيء وزير جديد، اهملت كل القرارات. وبالتالي كل شيء وضع على الرف، وأهمل كليا، وشطب على كلّ ما تم تحقيقه خلال عشرين شهرا!

إهمال الجانب الثقافي فاقم من معاناة العراقيين

المركز: في ظل المشهد الحالي، يتعرض المثقف والثقافة الى الكثير من الحيف. والسؤال هو مَن الملام في هذا المشهد؟ وهل يتحمل المثقف جزءا من هذه المسؤولية؟

السراي: من الصعب جدا أن نحدد من الملام. نحن نتحدث عن ضفيرة من الإجراءات. ضفيرة من الظروف العامة التي أدت بالبلد إلى هذا الجانب، ولكن من الممكن وبكل جرأة وكل صراحة نقولها: إن الملام الأول والأخير، وبشكل أساس هو السلطة السياسية المتنفذة التي حكمت العراق، في هذه المدة التي نتحدث عنها، لأنها لم تولِ الثقافة حساباً خاصاً، على الرغم من أن اغلب وابرز المعاناة التي عانى منها الشعب العراقي وعانى منها العراق بوصفه وطناً كاملاً، معاناة ثقافية. الإرهاب جاء من منطلقات ثقافية. الطبقية جاءت من منطلقات ثقافية. التخلف وتردي الخدمات العامة، فضلا عن السلوك الثقافي العام في البلد.. كل هذه الأمور جاءت بسبب عوز وقلة في ايلاء الجانب الثقافي الاهتمام الكافي له.

اذا أردنا ان نكون اكثر صراحة، نقول: انهم لم يكونوا غير معنيين وغير مهتمين بالثقافة فحسب، بل كانوا يتقصدون إضعاف الثقافة، لآنها مفهوم وطني، وقيام الهوية الوطنية والهوية الثقافية في البلد، يشكل إضعافا لمراكزهم، التي يعولون عليها للذهاب إلى صناديق الاقتراع، في ظل وجود ثقافة وطنية، وفي ظل وجود نسمات ثقافية حقيقية.

نتحدث عن مشروعات آنية غير مدروسة، أمامنا أهم مشروع شكّل صفعة في جبين الوطن، وهو مشروع "بغداد عاصمة الثقافة" وقبله كان "النجف عاصمة الثقافة الاسلامية"، كل هذه كانت عبارة عن مشروعات سطحية، لم تمس قلب الثقافة.

إلى الآن تقاسي مدن العراق من عدم وجود مسرح أو دار أوبرا لائق، ومن وجود قاعة تشكيلية لائقة. نحن في بلد يحتاج عدد الشعراء والفنانين والمعنيين بالمسرح، إلى بنى تحتية كثيرة.

لا وجود لمؤسسات حقيقية تحمي المثقف

المركز: حتى الان، لم يتصالح المثقف والثقافة مع المشهد الراهن. فمن يتحمل المسؤولية؟

المسعودي: الثقافة في العراق هي اشكالية كبرى تخيف الآخرين، لذلك إذا أردنا أن نحاسب هذا الموضوع، علينا ان نبدأ من اكثر من قرن سياسي. لو افترضنا ان الدولة العراقية تأسست في عام 1921، فعلينا ان نحاسب قرنا سياسيا. وهذا القرن السياسي وجد كله او بنسبة ما يقارب 99 في المئة على مقارعة المثقف، امتثالا لامبراطوريات سياسية، ولاحلام كبرى ولانتصارات كونية لمستعمرين. اما كل هذا الاتي فما هو الا فضلات او زوائد عما عاناه هذا الانسان الموجود في هذه الخارطة، والا ما سبب كل هذه الامبراطوريات السياسية التي صنعت: مرّة باسم الاقطاعية والنخبة السياسية، ومرّة باسم تداخلات إقليمية او دولية. المثقف دائما هو الضحية الكبرى لذلك، وصولا الى لحظة 2003. وتوصيفا لما قبلها، اقول: لم يصنع النظام البعثي منذ 1963 الى 2003 مشهدا ثقافيا. إنما هو مشهد انتمائي مؤدلج يشي بأغراض لحظية وآنية، لذلك لم يصنعوا مؤسسات ثقافية تحمي المثقف. هذا ينسحب على كل الفعاليات الاخرى. ينسحب على الجانب السياسي والعسكري، فنهم لم ينتجوا مؤسسة عسكرية تحمي مشاعرنا.

المثقف يدخل في خانة الاستهداف اذا ما اشتغل على آليات الوعي!

المركز: نتحدث اليوم عن تفصيلة آنية نلمسها من خلال منصات كثيرة تابعة لجهات متنفذة، تتحدث عن أن المثقف اليوم غير قادر على التأثير، وهو بالتالي يعيش في عزلة خاصة، وينتج أشياء هي غير قابلة للتحقيق. كيف يمكن أن يرد المثقف على هذا الرأي؟

جاسم: الواقع الثقافي مرير منذ العام 2003 وحتى اليوم، وإن كان من تشخيص لما تفضلت به من سؤال مهم، فهل السبب هو عزلة المثقف وعدم تأثيره، أنا أقول: إن المثقف اليوم وخصوصا عندما يشتغل على آليات الوعي التي تقود الى التغيير داخل المجتمعات، يكون مستهدفا بشكل كبير، لان الاشخاص المسؤولين عن قيادة الدولة سواء كانوا في الحكومة المركزية أم الحكومات المحلية على مستوى العراق، لا اقول الجميع لكن الكثير منهم لا يمت للثقافة بصلة. والدليل على ذلك الخراب في البنى التحتية للثقافة. اليوم، مثلا، عندما يدخل شخص الى البصرة ماذا يشاهد كدليل على تراث هذه المدينة؟ في يوم من الايام كنت قد طرحت على الحكومة المحلية في البصرة، قلت نحن نقبل على مهرجانات كثيرة في البصرة، فلماذا لا يكون هناك بانوراما في مركز البصرة، تتحدث عن تراث المعتزلة في البصرة، عن واصل ابن عطاء؟ كانت الردود سلبية بشكل كبير. فبعض الردود، مثلا، كانت تبرر بأن البصرة مدينة "شيعية"، وهؤلاء من "السنة"! الثقافة عندما تكون بيد هؤلاء، تكون مستهدفة. والمثقف اليوم الذي يشتغل على آليات الوعي مثقف مستهدف.

يتذكّر الاستاذ مفيد الجزائري، عندما جاء الى البصرة، رفقة الاستاذ المغيّب توفيق التميمي ومجموعة من الاصدقاء، واحتفينا هنا في البصرة بذكرى الدكتور نوري جعفر، وهو احد رجالات البصرة المهمين، واحد رجالات العراق الكبار، في مجال الثقافة والتنوير والفكر والفسلجة، والذي جمع بين العلوم الانسانية والعلمية، وكان ذلك برعاية جامعة البصرة آنذاك. لو تعرف كمية المهاترات التي قيلت حول هذا المهرجان، وحول هذا اللقاء، الذي قامت به الجمعية العراقية للثقافة. تصور عمم كتاب من محافظة البصرة، آنذاك، يعتبر الدكتور نوري جعفر فقيهاً! اي كلام هذا وهو رجل ماركسي معروف، وعالم في مجالات الفسلجة وعلم النفس وغيرها.

الثقافة اليوم في العراق محاربة، بدءا من ثقافة الطفل. سابقا كانت هناك ثقافة للطفل بشكل او بآخر. وكانت هناك مجلة اسمها "مجلتي" تعنى بالطفل. الان هذه المجلات توقفت، بحجة عدم وجود التمويل. كيف تصنع رؤية ثقافية عند الجيل القادم، الجيل المتمسك حاليا بثقافة الصورة السريعة وثقافة العنف؟

الثقافة.. جبهة مناهضة للطائفية السياسية والفساد

المركز: كيف يعزز المثقف خطابه في ظل خطاب الكراهية الذي يستهدف المثقف قبل الجميع؟

الجزائري: المثقف متهم ليس اليوم فقط، انما منذ سقوط النظام السابق ولغاية الان. متهم ومهمش ومحارب. لا تعطى فرصة للمثقفين، لان منتجي الثقافة وما ينتجون من ثقافة، يشكل مصدر خطر على النظام القائم على المحاصصة الطائفية والفساد، وبناء منظومة الفساد، المنظومة المتشعبة التي قادتنا الى ما نحن عليه اليوم من وضع. حقا هناك حرب على الثقافة والمثقفين.

عندما كنت في وزارة الثقافة، كانت حصة الوزارة من الموازنة هزيلة بشكل غير معقول. في وقتها كنا نقول نحن في البداية وليست هناك مصادر. لاحقا وحينما بدأت اموال النفط تتدفق على الدولة، واصبحت الميزانية بالمليارات، بقيت حصة الثقافة كما هي. وفي احدى الموازنات، كانت حصة الثقافة ربع من واحد بالمئة من الموازنة. وهي لم تكن ضئيلة لكن المصيبة انها كانت بيد أناس غير مؤتمنين، وبالتالي لم تجرِ الاستفادة منها او انفاقها على انتاج ثقافي حقيقي. وهكذا كان هناك خوف من الثقافة وخشية من الثقافة، وكره للثقافة ومحاصرة وتطويق لها. لا تزال الثقافة مخنوقة حتى اليوم. لم تتَح لها فرصة لأن تتحرك وتنشط وتنمو من جديد. وسيبقى هذا الحال ما بقي هذا النظام المحاصصي. بالنسبة للمثقفين هم مقيدون ومحاصرون. يجب القول انهم يتصدون ويقاومون، لكن ايضا الفرص محدودة امامهم. هم في معركة يومية مع هذه السلطة. الثقافة جزء من الجبهة المناهضة للطائفية السياسية والفساد. هذه معركتنا المشتركة التي ليس امامنا سوى ان نستمر فيها، وان نسعى كمثقفين لأن نلعب دورا مؤثرا اكثر واكبر فيها.

المثقف العراقي لم يسلّم رقبته لجهات آمنت بالنظام المحاصصاتي

المركز: المثقفون العراقيون خصوصا في الحراك الشعبي الجماهيري، كان لهم صوت واضح. هل اصبح المثقف يملك أدوات جديدة ممكن ان يتحقق التغيير من خلالها؟

السراي: المشكلة الحقيقية في من يدير المفصل الثقافي الممول من قبل الدولة، والذي تمثله الحكومة. تعاقبت على وزارة الثقافة نماذج استطاعت ان تعيدها الى مراحل غير قابلة لأن تنهض بالبلد ثقافيا وابداعيا ووطنيا. مر المثقف العراقي المستقل المهدد والمقموع بفترات لا يحسد عليها. نلاحظ أنه يتعامل مرة مع شخص يحتكر السلطة الثقافية والسلطة المالية، وهو يمتلك ايديولوجيا طائفية، ومرة يتعامل مع شخص يحتكر ويمتلك ايديولوجيا عرقية. بعدها تحول هذا المفهوم الى مفهوم آخر يمتلك ثقافة يريد ان يرسخها لحزبه او لتوجهه او لجهته التي لا تؤمن بالوطن اولا. المثقف العراقي لم يكن امامه الا ان ينتفض، وان يعلن صوته، وان يتظاهر مع الجماهير، شأنه شأن القوى المقموعة والمسكوت عنها في الشارع.

المثقف العراقي يحارب ويهدد لأنه لم يعط رقبته الى هذه الجهات التي لم تؤمن بالوطن أولا، انما آمنت بنظام محاصصاتي وهو النظام الامثل لها لكي تمرر كل صفقات الفساد من خلاله.

لم تعد وزارة الثقافة بمفهومها الحالي هي المؤسسة القادرة على إدارة ثقافة بلد عريق مثل العراق. نحتاج الى مفاهيم جديدة. نحتاج الى ان نشرع في تأسيس المجلس الوطني للثقافة. نحتاج الى ان نعطي استقلالية للمثقف العراقي، وان نحرر المال الذي تحتكره الجهات السياسية لخدمة مشروعاتها الشخصية وأمزجتها.

الانقسامات السياسية فصّلت الشريحة الثقافية الى ثلاث فئات: طائفي، متصدي ومحايد

المركز: من أين يبدأ المثقف باتجاه التغيير؟

المسعودي: لكي يبدأ المثقف، يجب أن تتوفر أولا دولة وحرية، فإن فقدنا هاتين الصفتين، فأين يذهب المثقف بثقافته. حقيقة المثقف بالعراق وبكل العالم وبكل الأدوار من سقراط والى اخر مثقف، قد ينزف حياته في ساحة التحرير، أو يذهب في شتات هذه الأرض.

المثقف هو دائماً مشاكس للسلطة. الحل الوحيد هو إيجاد دولة، وإيجاد الحرية، وإيجاد المؤسسات التي تحمي كل ذلك. وطيلة قرن من الدولة العراقية لم نتوصل إلى فكرة الدولة، وإلى فكرة المؤسسة الحامية الراعية. المثقف شخص يصارع ما بين وجوده الشخصي وعناصره الذاتية البسيطة وحيواته التي تنقرض يوما بعد آخر، وهواجسه ومخاوفه وقلقه.

الشريحة الثقافية العراقية، هي الآن منقسمة على نفسها، تعاطيا مع انقسامات المشهد السياسي؛ يعني منهم من ابتدع شارع الطائفية ومضى به متغنياً راقصاً، وهذا المشهد الطائفي يتغنى على اجساد العراقيين ودمائهم وموتهم اليومي. ومنهم من ارتضى الحياد، ومنهم من ارتضى المواجهة.

محاولات لتغييب الهوية الثقافية

المركز: يواجه المثقف استهدافا ممنهجا. في ظل ترسيخ ثقافة السلاح في المجتمع على حساب الثقافة والتنوير، هل تعتقد أن هذا تحدٍ آخر؟

جاسم: التحديات كثيرة، بالاضافة الى ما ذكره الاصدقاء. أنا أتحدث عن محاولة تغييب الهوية الثقافية لهذا البلد المتعدد المتنوع، الذي يحوي كنوزا من الثقافة. وأضرب مثالاً على ذلك، انه يتم تأسيس بعض المشروعات الثقافية "المدعومة" من بعض الجهات لتغييب ثقافة مدينة. لا أريد أن أفصل اكثر في الحقيقة، لكن اعتقد انها واضحة. تغييب ثقافة مدينة او مسخ ثقافة مدينة. مسخ هوية مدينة ومجتمع. محاولة تصوير هذا المجتمع أو هذه المدينة، سواء كانت البصرة ام بغداد أم غيرهما من المدن العراقية الرائعة بصورة اخرى. بصورة تبتعد عن صورتها الحقيقية التي ورثتها عبر تراث ثقافي وفكري كبير جدا. وهو في الحقيقة حصيلتنا المعرفية والثقافية في هذه المنطقة أو في هذا المكان.

الاستفادة من خلاصات مؤتمر المثقفين الأوّل

المركز: يجري حديث عن إمكانية اقامة مؤتمر شبيه بمؤتمر 2005، هل فعلا توجد هكذا فكرة، ولو ـ فرضا ـ كان هناك مؤتمر، فما المفترض نقاشه من أطرافه؟

الجزائري: نعم، طرحت الفكرة فعلا في الفترة الاخيرة، والاخوان الاعزاء في اتحاد الادباء فاتحوا وزارة الثقافة بصورة او باخرى. قيل ان بعض المسؤولين في وزارة الثقافة يفكرون بلقاء اكثر من كونه مؤتمرا. الجميع يعلم أن مؤتمر المثقفين العراقيين في عام 2005 اشترك فيه اكثر من 500 مثقف عراقي، من كل انحاء العراق، وكانوا يمثلون مختلف فروع وميادين الادب والفن. وقدموا شيئا متكاملا الى حد كبير.

الفكرة كانت ان يعقد مؤتمر جديد، يكون بنفس الوزن ونفس التمثيل ونفس المشاركة الواسعة. ويعيد النظر في تلك الخلاصات التي توصل اليها مؤتمر 2005، يجدد التوصيات، ويأخذ بنظر الاعتبار التغييرات التي حصلت خلال هذه الفترة، ويحاول أن يقدم اكثر من مجرد توصيات، ويستخلص منها حقا ستراتيجية للثقافة ولتطوير الثقافة وتنميتها.

طموح ثقافي في مواجهة روتين حكومي!

السراي: نحن نعرف أن مؤتمر المثقفين الاول كان مؤتمرا، كما تفضل به الاستاذ مفيد بأنه استقطب تقريبا 500 مثقف من كل العراق، فضلا عن شخصيات مهمة من مثقفي العراق في الخارج. وناقش موضوعات حيوية، وكان على مستوى جيد من البناء، وصدر به مطبوع مهم ايضا.

قبل مدة تمت مناقشة اقامة مؤتمر للمثقفين في الوزارة، التي سبقت هذه، حين كان الدكتور عبد الامير الحمداني وزيرا للثقافة. وقد طرح اتحاد الادباء مشروعا لاقامة الحلقة الثانية المستكملة لمؤتمر المثقفين، وفعلا تم تنظيم لقاء مع وزارة الثقافة. لم يأخذ هذا الامر مداه وقتها، في ظل الحكومة والوزارة الجديدة. أنا عن نفسي ذهبت بسقف أحلام كبير آنذاك. كانت رؤيتي تقول إننا في المؤتمر الاول، استطاع المثقف العراقي ان يصل الى قاعدة نظرية مهمة. استطاع ان يناقش موضوعات حيوية مهمة، وان يستخلص نتائج تنتظر ان تطور. لذلك ذهبت بأفكاري لأن يكون هذا المؤتمر مدته لا تقل عن اسبوعين: الاسبوع الاول، ينظم على هيئة ورش مغلقة ومفتوحة على الاخرين لمناقشة موضوعات حيوية، لا ترتبط بالثقافة فقط، انما ترتبط بموقع الثقافة ودورها في بناء الجسد الوطني العراقي، ووجود العراق داخل أمة كاملة. ثم الاسبوع الثاني، وهو النزول الى الشارع. هذه الورش التي وصلت الى نتائج، ان تنزل الى الشارع، لكي تتماهى مع الجهات المتخصصة، لكي تحتك بموضوعاته التي وصلت اليها بسقف تنظيري من خلال الاسبوع الاول، ولكن تقريبا وجدت نفسي، وكأني أغرد خارج السرب. لم يكن الحديث بهذا التوجه، الذي انا اذهب اليه، بقدر ما كان حديثا عن ندوة أو مؤتمر، يمتد لثلاثة أيام، ويناقش موضوعات حيوية داخل جسد الثقافة، وتُدعى اليه مجموعة من الشخصيات، وهي شخصيات قليلة وليست كثيرة تناقش هذه الامور من خلال الكلام المباشر بطريقة المنصة والجمهور الجالس.

المثقف يصارع الوجود بجسد يشبه جسد الصعلوك

المركز: في ما يتعلق بتغيير الواقع الحالي ودور المثقف في هذه العملية، هناك رأيان: رأي يقول بأن المثقف مطالب بأداء واجبات اكبر من طاقته. ورأي اخر يقول ان المثقف يتحمل جزءا من التقصير؟

المسعودي: القضية شائكة ومعقدة وملتبسة. في الحقيقة هناك اكثر من سبب في ذلك. نحن في بلد ملتبس وجوديا على مستوى الهوية. لو تطرقنا مثلا الى قضية التنوير، من هنا يمكننا ان ننطلق بقضية: هل من واجب المثقف ـ الشخص، أن ينشغل بمشروعه الابداعي أم ينشغل بإيصال أفكاره الى الآخر؟ في دول العالم التي لها مؤسسات راعية، تقوم هذه المؤسسات بإيصال المثقف الى المتلقي.

اتحاد الادباء تكفل باكثر من نصف ميزانيته لكي يوصل منجزات الادباء الى الشارع، وهذا هو التنوير الذي تمارسه المؤسسة بلا دعم او موازنة وطنية. فتحنا ابواب مع الدولة وتعاملنا مع مؤسسة دار الشؤون الثقافية، ولكن بلا فائدة. نعطي الكتب ولا تعود الينا مطبوعة. وقرر الكثير من الادباء ان يسحبوا نتاجاتهم، الموضوع اكبر من هذا، المثقف الذي يصارع الوجود بجسد يشبه جسد الصعلوك.