اخر الاخبار

وفقا للجنة الصحة البرلمانية، فإن أعدادا كبيرة من العراقيين، من الذين يعانون مشكلات صحية وإصابات معقدة ونادرة، تنفق ما بين 750 مليون ومليار دولار سنوياً للسفر إلى الخارج من أجل العلاج، لافتة إلى أن التكاليف تفوق أحياناً القدرات المالية لكثيرين لا تتوفر لديهم خيارات للتعامل مع مشكلات انعدام الإمكانات الطبية في الداخل.

وترى اللجنة أن الأطباء العراقيين لا تنقصهم الكفاءة، لكن المشكلة تتمثل في عدم توفر أجهزة متطورة تدعم إنجاز عملهم، مبينة في حديث صحفي أنها تعمل بالتنسيق مع قسم الإخلاء والاستقدام في وزارة الصحة، على جلب فرق طبية عالية الكفاءة لتقديم العلاج داخل العراق، وتقليل تكاليفه، وبالتالي تراجع حاجة المواطنين للسفر.

هل فقدت الثقة بالطبيب العراقي!؟

سعد حبيب (42 سنة)، يعمل منذ عام 2012 سائق سيارة أجرة تنقل المسافرين من بغداد إلى أربيل وبالعكس. أصيب قبل عام ونصف العام في حادث مروري، وأبلغه أطباء بأنه يحتاج إلى عناية طبية لا تتوفر في العراق، ما يحتم عليه السفر إلى الخارج.

يقول حبيب في حديث صحفي: “اضطررت إلى ترك العمل بعد أن أصبت بكسر في الحوض، وتضرّر عمودي الفقري. وعلمت من أطباء أنه لا يمكن إجراء جراحات معقدة لي في العراق. علماً أنني لا أثق أيضاً بالأطباء في البلاد لأن أقرباء لي ساءت أوضاعهم بعد أن أجروا عمليات جراحية هنا”!

ويضيف قائلا: “أجريت فحوصات كلفتني نحو 1800 دولار، ونصحني طبيب بالذهاب إلى الهند أو تركيا لأن وضعي معقّد واقترب من الإصابة بشلل تام، ما يتطلب خضوعي لفحوصات باستخدام أجهزة متطورة لا تتوفر في العراق، تمهيداً لإجراء جراحتين أو ربما ثلاث جراحات في الحوض والعمود الفقري. كما أنني أحتاج إلى رعاية طبية مستمرة لفترة لا تقل عن 3 شهور”، موضحا أنه “تواصلت مع مستشفى في الهند، ودفعت 32 ألف دولار تكاليف للسفر وإجراء العمليتين، بعد أن بعت مقتنيات زوجتي، وسيارتي - مصدر رزقي الوحيد”.

شركات سفر معنية بالخدمات الطبية

كثيرا ما تنشر شركات سفر موجودة في العراق، إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي، لإقناع المرضى بالعلاج في الخارج.

ويوضح عدي الأسدي، الذي يملك شركة للسياحة والسفر في بغداد، أن شركته، وبالتنسيق مع مستشفيات في الخارج، ترسل ما بين 20 إلى 30 مواطنا شهرياً للعلاج، مبينا في حديث صحفي أنه “ننشر على صفحتنا في فيسبوك بيانات بالخدمات الطبية المتوفرة والمستشفيات التي تقدمها، ونتلقى مراسلات لتحديد أنواع الخدمات المطلوبة بالاتفاق مع المريض، ثم لإجراء مقابلات أونلاين مع الأطباء المعنيين أو ممثلين عنهم لفهم الحالات المرضية وتحديد تكاليف علاجها”.

ويتابع قوله: “نحن نبلغ المرضى بإجمالي التكاليف التي تتضمن أيضاً تأشيرات السفر وتذاكر الطيران. وأن التكاليف تبدأ من 7 آلاف دولار، ويرتفع المبلغ كلما كانت العمليات أكثر تعقيداً، وهي تتنوع بين جراحة القلب والعمود الفقري والرقبة والحوض والركبة والمسالك البولية”.

أكثر الحالات سببها حوادث سير

من جانبه، يقول الطبيب الهندي المتخصص في جراحة العظام والمفاصل، راجيف فيرما، أنه أجرى مع فريقه الطبي أكثر من ألف عملية لعراقيين منذ عام 2018، مشيرا في حديث صحفي إلى أن كلفة العمليات تبدأ من 3 آلاف دولار، وصولاً إلى 25 ألف دولار.

ويضيف قائلا أن “ما لفت نظري، هو أن غالبية العمليات التي أجريناها، كانت لأشخاص مصابين بحوادث سير، ولديهم أضرار بالعمود الفقري أو الساقين. وهذه الحالات يتم علاجها بتقنيات متطورة لا تتوفر في العراق”.

ويلفت فيرما إلى أنه وفريقه قاموا بتدريب أطباء عراقيين أرسلتهم وزارة الصحة إلى الهند في إطار برنامج للتعاون المشترك “ما يتيح لهؤلاء الأطباء استخدام تقنياتنا نفسها، قريبا” – على حد قوله.

خطط لرفع كفاءة أطباء العراق

تقر وزارة الصحة بوجود حالات طبية تتطلب السفر إلى الخارج، لكنها تؤكد أنها تنفذ حالياً برامج وخططاً لرفع كفاءة الكوادر الطبية المحلية، كما تستقدم أطباء من الخارج لإجراء عمليات معقدة في الداخل.

وبحسب المتحدث باسم الوزارة، سيف البدر، فإن “غالبية الإجراءات الطبية المطلوبة تتوفر في داخل البلد، في حين يحتاج عدد قليل من التدخلات الطبية الخاصة بالحالات الحرجة والنادرة إلى إرسال المرضى إلى الخارج، أو استقدام فرق أجنبية لعلاجهم، وللمرضى حرية الاختيار”، مبينا أن “الوزارة تخطط لتعزيز استقدام أطباء من الخارج، والتخلي عن إرسال المرضى تدريجياً من أجل تسهيل العلاج وتقليل تكاليفه، وصولاً إلى توفير كوادر عراقية خلال سنوات قليلة”.

ويضيف البدر في حديث صحفي أن “قانون الضمان الصحي الذي تعتزم الوزارة تعميمه وتطبيق ضوابطه، سيساهم في تطوير واقع الخدمات الصحية، وتقليل إرسال المرضى إلى الخارج، فضلاً عن توفير المستلزمات الطبية، وتقليل التكاليف بشكل كبير، ما يشّجع المرضى على تلقي العلاج في الداخل”.

يمتلكون الكفاءة وينقصهم المال!

إلى ذلك، يقول الطبيب مصطفى جار الله، أن “الكثيرين من الأطباء العراقيين الاختصاصيين في الجراحات، يصرفون من أموالهم الخاصة للحصول على تأشيرات سفر إلى الدول المتقدمة من أجل الاطلاع على أحدث طرق العلاج، وتطوير إمكاناتهم، وأيضاً لجلب التقنيات المتطورة بالاتفاق مع مستثمرين، ووضعها في مجمعات طبية تابعة للقطاع الخاص”، منوها إلى أن “الأطباء العراقيين يمتلكون كفاءة عالية، لكن تنقصهم الإمكانات المالية لتطوير الأداء”.

ويشير جار الله في حديث صحفي إلى أن “الدولة تساعد بعض الأطباء على السفر، لكن الأمر يحتاج إلى خطة عمل تشمل جميع الخريجين، خاصة الأوائل، والجراحين المتميزين، وألا تقتصر الخطة على أسماء معينة تعمل في مؤسسات صحية مُحددة، أو تمتلك علاقات تسمح بسفرها بشكل متكرر”.