اخر الاخبار

تعاني الأسر العراقية، خاصة الفقيرة وذات الدخل المحدود، ظاهرة التدريس الخصوصي التي اتسعت خلال السنوات الأخيرة بشكل لافت، وباتت تشكل عبئا مضاعفًا يرهق ميزانيتها تحت وطأة الظروف المعيشية القاسية.

يأتي ذلك في ظل تراجع التعليم الحكومي من مختلف النواحي، بدءا من نقص المدارس واكتظاظ الصفوف بالتلاميذ وعدم تحديث المناهج الدراسية وطرائق التدريس، فضلا عن نقص الكتب وعدم دعم التلميذ بمستلزمات الدراسة والقرطاسية.

وتحسبًا للتخلف عن سداد أجور التدريس، يشترط مدرسو الخصوصي استيفاءها مقدما، ما يضطر أسرا كثيرا إلى الاقتراض، أو العزوف عن إرسال أبنائها إلى تلك الدروس. 

وتفيد أسر عديدة بأنه “كلما كان مدرس المادة في المدرسة الحكومية هو نفسه من يشرف على الدرس الخصوصي، كان النجاح يسيرًا”، مؤكدة أنها تضطر إلى تسجيل أبناءها في دروس خصوصية لدى مدرسيهم الأساسيين، لضمان نجاحهم.

ما قول وزارة التربية؟

في أيار العام الماضي، قالت وزارة التربية إنها نظمت قبل 4 أعوام، دورات تقوية صيفية في مدارس المتميزين ولجميع تلاميذ المدارس، مبينة أن هذه الخطوة تأتي للحد من ظاهرة التدريس الخصوصي.

وترى الوزارة أن التدريس الخصوصي من “التحديات” التي تواجهها منذ سنوات طويلة. كما تعترف بأن هذه الظاهرة تتمدد، خاصة بالنسبة للمراحل الدراسية المنتهية.

ويزعم المتحدث باسم الوزارة، كريم السيد، أنّ “الوزارة كانت لديها في سنوات سابقة ضوابط صارمة بالنسبة لهذه الظاهرة”، مبينًا في حديث صحفي أن “الوزارة كانت تستقبل الشكاوى في شأن ابتزاز المعلم لطلبته، خاصة ممن يقومون بفرض الأموال أو إجبار الطلبة على التدريس الخصوصي”.

لكن السيّد يبرّر تفاقم الظاهرة بقوله أن “اللجان التحقيقية التي شكلت، رغم كثرتها، ربما لم تكن رادعًا لهذه الظاهرة”، لافتا إلى أن “الوزارة كانت لديها قرارات مهمة للغاية في الشهور الثلاثة الماضية، منها إيقاف الإجازات للمدارس والمعاهد الأهلية، وتشكيل لجان للمراجعة لأجل تقويمها وتقويتها لتكون بديلًا وساندًا للتعليم الحكومي، إضافة إلى توفير خيار آخر للتدريس الخصوصي يكون بإشراف الوزارة وضمن سقف التعليمات والأنظمة”.

والقضاء على التدريس الخصوصي يحتاج ـ وفق السيد ـ إلى “جهود كبيرة جدًا، سواء على مستوى المراقبة من جهاز الإشراف أم من خلال طرح برنامج حكومي”، مضيفًا قوله أنه “لدينا مجسّات حقيقية وغرف طوارئ لمتابعة هذه الحالات، ونحن حريصون جدًا على مكافحتها”.

وتقر التربية بأن التدريس الخصوصي يشكل “ضاغطًا أساسيًا على التعليم، فضلًا عن كونه يرهق كاهل الأسرة”.

حلول غير مجدية

وتصدر وزارة التربية في كل عام توجيهات واضحة لجميع مديرياتها بإلزام المعلمين والمدرسين بعدم إعطاء دروس خصوصية. لكنّ الباحث والكاتب د. مزهر جاسم الساعدي، يرى أنه “لا يوجد التزام بهذه التوجيهات”.

ويقول في حديث صحفي، أن “العديد من المعلمين والمدرسين لا يلتزمون بالتوجيهات، فيمارسون ما اعتادوا عليه في كل عام، بل ان بعضهم لا يتردد في نشر أوقات التسجيل لحضور هذه الدروس عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وهذا يعني أن التوجيهات، أيًا كانت، إن لم تلحق بجهد رقابي تبقى مجرد توجيهات”!

وعلى ما يبدو، فإنّ بعض أولياء الأمور - حسب الساعدي - اعتادوا على تسجيل أبنائهم في هذه الدروس “كونها جزءًا من ثقافة مجتمعية عامة، وصارت شائعة ومقبولة”.

وتعاني غالبية مدارس الأطراف والمناطق النائية مشكلات عديدة، من بينها اكتظاظ الصفوف بالطلبة، ووجود شواغر في بعض الاختصاصات، ما يتطلب من وزارة التربية – وفق الساعدي – توفير ملاكات تربوية كاملة كي يأخذ الطالب استحقاقه الطبيعي من الدرس.

ويرى الباحث انه من الضروري تطوير أساليب التعليم وإدخال التقنيات التربوية الحديثة، وتطبيقها في جميع المدارس “فهذا قطعًا سيساهم في اختفاء ظاهرة التدريس الخصوصي بشكل تدريجي”. كما يقترح توفير البدائل التعليمية وتطوير مهارات المدرسين والمعلمين، من خلال اتباعهم طرائق جديدة تفضي إلى تسهيل فهم المواد الدراسية.

التربية متورطة أيضا!

هناك جهات في وزارة التربية تعلم جيدًا أن أحد أسباب تدهور التعليم هو التدريس الخصوصي. لكن هذه الجهات “ضعيفة بسبب الفساد وقدرة الفاسدين على التأثير في القرارات التي تصدر عن الوزارة” – حسب التدريسي خالد المسعودي، الذي يعزو الأمر إلى أن “الكثيرين من المتنفذين في الوزارة لديهم معاهد للتدريس الخصوصي”!

ويقترح المسعودي في حديث صحفي، إجراءات رادعة للحد من التدريس الخصوصي، منها “منع أي شخص يعمل في التدريس الحكومي من العمل في التدريس الخصوصي أو الأهلي، مع إصدار عقوبات صارمة في هذا السياق، وأهمها الغرامات المالية، على أن لا تترك أي ثغرة في قانون المنع”.

ويلفت إلى أن “بعض التدريسيين يتعمدون تقديم مادة دراسية ضعيفة، من أجل إجبار الطلبة على أخذ الدروس الخصوصية”، مقترحا في هذا الشأن “زيادة رواتب المدرسين، خاصة ذوو الاختصاصات العلمية، الذين يسمح لهم بفتح دورات تقوية في مدارسهم لطلبة المراحل المنتهية خلال العطلة الصيفية”.

تجاهل للقانون

لدى وزارة التربية إعمام صادر من دائرة المفتش العام مرقم بـ963 في 12 كانون الثاني 2017. وأعيد إعمامه في 2019. وينص على “منع الكوادر التدريسية من العمل في التدريس الخصوصي”.

وفي هذا الصدد، يوضح القانوني ساطع المسعودي، أنّ “الإعمام طالب إدارات المدارس بأخذ تعهدات في بداية كل عام دراسي من الملاكات التدريسية، لمنعها من هذا السلوك، وان الجزاءات المفروضة في الإعمام خاضعة لقانون انضباط موظفي الدولة”.

وينوّه في حديث صفي، إلى “تجاهل مديريات التربية وإدارات المدارس هذا الإعمام بشكل فاضح”، مؤكدا أن “الوزارة والجهات الرقابية لم تمارس دورها في تتبع أثر الإعمام”!