اخر الاخبار

لم يتردد الحزب الشيوعي العراقي لحظة حينما فكر باتخاذ أسلوب الكفاح المسلح كشكل رئيسي من أشكال الكفاح ضد النظام الديكتاتوري المقبور بعد الضربة التي تلقاها منه أواخر عام 1978 واوائل عام 1979، بأن يكون للرفيقات الشيوعيات دور أساسي فيه ، كذلك الحال بالنسبة للشيوعيات فلم يترددن لحظة في خوض غمار العمل المسلح إلى جانب رفاقهن وفي أي موقع يتواجدن فيه ويتطلب منهن حمل السلاح والمشاركة بفعالية لتجسيد عمل الحزب في خوضه لأرقى أشكال الكفاح ألا وهو الكفاح المسلح وبدأت شابات الحزب الشيوعي بالتدفق على معسكرات المقاومة الفلسطينية في لبنان وغيرها للتدريب على حمل السلاح واستخدامه لاحقاً في كردستان العراق حيث كان التدريب لا يخلو من الصعوبات خصوصاً وأنهن لم يحملن السلاح في حياتهن المدنية السابقة، على العكس من الرجال الذين خدم غالبيتهم في الجيش العراقي وتمرسوا على استخدام مختلف انواع الاسلحة ودخل بعضهم الحروب مجبرين حينما كانوا في خدمة الاحتياط خصوصاً، ومن الجدير بالإشارة هنا إلى أن عشرات الرفيقات النصيرات انخرطن بالعمل الأنصاري قادمات من مدن العراق المختلفة أو من الدول الاشتراكية السابقة بعد أن أنهين دراساتهن الجامعية أو العليا ولم تكن أية واحدة منهن قد حملت السلاح في حياتها أو أنها تعرف استخدامه ..، كان حلم النصير أن يرى رفيقته بملابس البيشمرگة وهي تحمل السلاح مثله تماماً وكيف ستكون صورتها وهي تحرس واقفةً أمام باب القاعدة التي هم فيها ..

وبعد مرور عام على تأسيس قاعدة بهدينان وصلت أول نصيرة في يوم 6 تشرين الاول عام 1980 وكانت الفرحة عارمة باستقبالها وهي النصيرة أم عصام ثم تلتها النصيرة أم صباح زوجة الدكتور ابو گوران ثم توالى تدفق النصيرات اللواتي قدم بعضهن بمعية ازواجهن بينما عدد آخر وصلن للقاعدة بشكل منفرد بمصاحبة الأدلاء من أبطال مفرزة الطريق الذين استشهد عدد منهم في السنوات اللاحقة من الكفاح.. كان انصار مفرزة الطريق يصلون متعبين ولكن الفرحة غالباً ما تكون مرتسمة على محياهم حينما يقدمون للقاعدة زهرات الحزب الجديدة في كل مرة وهن في صحة جيدة وسالمات من عوارض الطريق المهلكة أحياناً، ويرى الأنصار الرفيقات متعبات فيبدؤون بالتحية لهن وكلمات رقيقة مثل سلامات ..واهلاً وسهلاً بكن ..الخ لكي تطمئن نفوسهن بالوصول إلى إحدى القواعد بسلام، ومن هنا سيبدأ العمل بعد أخذ القليل من الراحة ولعدة أيام ثم تبدأ الواجبات والتي لا تختلف كثيراً عن واجبات رفاقهن الشباب في تقطيع الحطب ونقله والقيام بعمليات الطبخ وغسل الصحون، وقد تخصص البعض منهن في أعمال الطبابة ومعالجة المصابين والمرضى من الأنصار ومن سكان القرى المجاورة للقاعدة، بينما عمل عدد آخر ضمن المفارز القتالية في عمق الوطن، وامتاز بعضهن بالشجاعة والإقدام. وفي المقرات كن يمتشقن السلاح بفرح وهو يزهو فوق أكتافهن حينما يحرسن في الليل والنهار وبعضهن قمن بحراسة بوابات السجن حيث يقمن بضبط تحركات السجناء أو بنقل وتوصيل الطعام اليهم ..كانت نصيرات الحزب الشيوعي ينحدرن من مختلف محافظات العراق وخصوصاً من العاصمة بغداد وهن من جميع القوميات والمذاهب والأديان ولكن غالبيتهن كانت من العربيات المسلمات على الرغم من وجود اعداد جيدة من النصيرات المسيحيات والصابئيات، وقد أضفى وجودهن في العمل الأنصاري في الجبال والوديان وفي المقرات الثابتة والمتحركة، الجو العائلي والألفة المحببة للشيوعي بشكل عام وللنصير خصوصاً، ولا سيما وأن الأنصار ومن خلال حياتهم الأنصارية الشاقة والمعزولة عن الاحتكاك بالمدن ووسائلها المعيشية المتنوعة يفتقدون لهذا الجو الذي عايشوه وتربوا فيه بحميمية مع أسرهم قبل انخراطهم في العمل ضمن قوات الأنصار المسلحة، حيث ترى هنا معك أختك أو زوجة أخيك أو زوجة صديقك أو أخته أو زوجة رفيقك أو ابنة مدينتك أو أن تتعرف على رفيقات من مدن أخرى حتى أنك لم تكن قد زرتها من قبل في حياتك .. ويمكن أن تلتقي مع نصيرات كن معك سابقاً في دراستك الجامعية أو خارج الوطن في مكان ما، وكان النصير الشيوعي يتحدث مع رفيقته وكأنما هو يتحدث مع أخته أو إحدى قريباته بدون حواجز، فتحدث الألفة والمودة والصداقة التي قد تتطور أحياناً إلى الزواج، وحصل هذا الشيء في غالبية القواعد وكان محبذا من قبل الجميع ويقابل بفرح غامر بعد أن يستحصل العروسين على موافقة لجان الحزب القيادية في القاعدة. وهنا لا يقف الدين أو القومية عائقاً أمام المتزوجين وكان عدد من الزيجات من أديان وقوميات أخرى أي مختلطة ونجحت إلى حد كبير لا سيما وأن الأنصار الذين اتخذوا مثل هذه الخطوة وضعوا مباديء الحزب وقيمه في الحسبان، وكان التفاهم سيد الموقف، وهناك من النصيرات من اللواتي كن متزوجات وينتظرن بفارغ الصبر والقلق وصول أزواجهن للقاعدة الذي كثيراً ما يتكلل بالنجاح من خلال مساعي النصير نفسه وبمساعدة لجان الحزب المشرفة على تسيير عمل الأنصار ووصولهم سالمين إلى أرض الوطن، كما وأن عددا آخر من الأنصار التحقوا بقواعد الأنصار بعد أن تركوا زوجاتهم مع الأطفال في إحدى الدول كاليمن الديمقراطية وسوريا ولبنان وغيرها وذلك لصعوبات تواجدهم مع رب الأسرة في هذه المواقع بشكل دائم وغير محدد بعدد السنين لذلك انخرطوا من دونهم ملبين نداء حزبهم، وألم الفراق لزوجاتهم وأطفالهم كان قاسياً عليهم بالتأكيد ..علماً أن عددا من الأنصار فقدوا أية صلة بزوجاتهم وعوائلهم بعد تركهم لهم مضطرين في محافظاتهم داخل مدن العراق ..كانت للنصيرات مسؤوليات حزبية وعسكرية رفيعة أحياناً واستشهد عدد منهن ضمن قواعد الأنصار وتشكيلاته كالشهيدات أحلام وأنسام اي موناليزا أمين وأم سرباز والدة الشهيد سرباز، بينما استشهدت أخريات داخل الوطن حينما تم تسريبهن من قواعد الأنصار للعمل في تنظيمات الداخل في بغداد وغيرها من مدن العراق، ومن الشهيدات الباسلات رسمية جبر الوزني أم لينا عضو محلية كربلاء التي أعدمت يوم 8 تشرين الاول عام 1986 وبشرى صالح أم ذكرى من السماوة والاختان فاتن أي جميلة محمد ووصال أي سوسن محمد اللتان اعدمتا يوم 26 شباط عام 1986 في بغداد.

 وفي قواعد الأنصار برزت لبعضهن مواهب في التمثيل والغناء، فاشترك عدد منهن في الفرق المسرحية لتأدية بعض الأدوار في المسرحيات التي كانت غالباً من تأليف وإعداد بعض الأنصار وكان بعضهن يساهم في إحياء الحفلات في المناسبات الوطنية كتأسيس الحزب الشيوعي وعيد نوروز وعيد المرأة وغيرها، فكانت حناجرهن تصدح بالغناء مع الشباب الأنصار، وكانت لهن مساهمات في الكتابة للصحف والمجلات التي كان يصدرها الأنصار ضمن قواطعهم.. وتعرضت النصيرات كما هو عليه الحال بالنسبة لعموم الأنصار إلى الهجوم بالسلاح الكيمياوي من قبل طائرات النظام المقبور وخاصة حينما قصف مقر قاعدة بهدينان يوم 5 حزيران عام 1987 ..وحينما شن الاتحاد الوطني الكردستاني هجومه الغادر على مواقع الحزب الشيوعي الرئيسية في بشتاشان يوم الأول من أيار عام 1983 وتم فيه قتل عدد من الرفاق، وفي اليوم الثاني من ايار استشهدت النصيرة عميدة عذبي حالوب اي أحلام وجرى أسر عدد آخر من الرفيقات النصيرات من ضمنهن زوجة أخي تانيا وخضعن للإقامة الجبرية وتحت تهديدهن بالسلاح وكان يحرسهن أحد أفراد بيشمركة الاتحاد الوطني الذين كانت تربطهم علاقات وثيقة في تلك الفترة مع أجهزة سلطة صدام حسين والذين كانوا ينفذون مخططات السلطة ومحاولة النيل من الحزب الشيوعي وتدمير مقراته وتحطيم قدرته العسكرية والحزبية، ولكن الفشل أصابهم كما هو معروف ..! لقد عانت النصيرات الشيوعيات أضعاف ما عاناه الشباب الأنصار وتحملن الرهبة والجوع والتعب والآلام والحنين للأسرة والأهل ولكنهن صمدن رغم قساوة الظروف وأصبحن محط فخر وإعجاب واحترام من قبل الشيوعيين كافة ومن سكان قرى كردستان العراق الذين كانوا يشيدون بتجربتهن وكونها الأولى في عموم كردستان، وكانت تجربة فريدة من نوعها وتخص فقط الحزب الشيوعي العراقي بينما خلت الاحزاب الكردية العراقية من فصائل النصيرات ...!! وصار إثم النصيرة الشيوعية على كل لسان وهو مبعث فخر لها ولحزبها واعتزاز بوطنيتها وببسالتها..

تحية واعتزاز بكافة نصيرات الحزب الشيوعي العراقي بعيد المرأة العالمي.. والمجد والخلود للشهيدات الباسلات اللواتي أرخصن دمائهن في سبيل تحقيق طموحات وأهداف الشعب العراقي والمرأة العراقية على وجه الخصوص.. ألف تحية للجميع.

 

عرض مقالات: