اخر الاخبار

في بلد غُيّب فيه أغلب المفاهيم المرتبطة بالإنسانية، لا يمكن الحديث عن تحقيق العدالة الاجتماعية، على الرغم من وجود قوانين وتشريعات تعتبر الافضل على مستوى الشرق الاوسط والمنطقة العربية، وفق ما افاد به معنيون بالِشأن، الا ان المشكلة تكمن في تطبيقها وإنفاذها كما هو الحال مع بقية القوانين.

ويتهم مختصون القوى السياسية الفاسدة والمتنفذة بأنها تقف خلف عمليات نسف كل متبنيات تحقيق هذه العدالة، لأنها تتعارض مع المصالح السياسية لهذه القوى.

“اطلاق العنان لفرص العدالة الاجتماعية”

واحتفل العالم يوم أمس الاثنين، باليوم الدولي للعدالة الاجتماعية، حيث أعلنت جمعية الأمم المتحدة في 26 تشرين الثاني من العام 2007، عن الاحتفال سنويا بيوم 20 شباط بوصفه اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، اعتبارا من الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة.

فيما كان موضوع عام 2023 طبقا لما اوردته الجمعية العامة في بيانها هو: التغلب على العوائق وإطلاق العَنان لفرص العدالة الاجتماعية، والتركيز على التوصيات التي قُدمت في إطار خطة الجمعية المشتركة الرامية إلى تعزيز التضامن العالمي وإعادة بناء الثقة في الحكومات.

ما هي استراتيجية وزارة التخطيط؟

وفي هذا الصدد، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، ان توزيع الثروات يكون وفقاً لمعيارين الاول هو الكثافة السكانية أي عدد السكان في كل محافظة. والثاني هو المحرومية والفجوة التنموية في الخدمات والبنى التحتية والمتطلبات الأساسية لحياة الانسان في المحافظة.

وأضاف الهنداوي في حديث خصّ به “طريق الشعب”، أن هذين المعيارين “هما الحاكمان في عملية تحقيق العدالة الاجتماعية في الجانب التنموي والاقتصادي. فيما أعطى البرنامج الحكومي هذا الجانب مساحةً اكبر، ضمن الاولويات الخمسة الأساسية وهي مكافحة البطالة ومحاربة الفقر من خلال دعم الشرائح الهشة والفقيرة والعمل على تحسين الخدمات من خلال التركيز على مشاريع البنى التحتية وتنفيذها”.

ومن اجل ضمان توزيع عادل للثروات بشكل يتناسب مع حجم السكان في كل محافظة، قال الهنداوي ان وزارته “أطلقت استعداداتها من اجل تنفيذ التعداد العام للسكان، بعد توفير متطلباته، لأنه سيعطي صورة اكثر وضوحاً للمشهد في العراق. ويمكن من خلالها معالجة كل الإشكالات، وهذا هو مسار أساسي باتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية”.

وعن توجّهات وزارته في ما يتعلق بموضوعة العدالة الاجتماعية، اكد ان “رؤية العراق للتنمية المستدامة 20 ـ 30  هدفها الأساس إنسان ممكن في بلد آمن، لأجل الوصول الى تحقيق العدالة الاجتماعية بكامل صورها، وهذا يأتي من خلال الخطط التنموية، منها خطة التنمية المستدامة خلال 10 سنوات، والتي تنبثق عنها خطتان خمسيتان واستراتيجيتان لخفض الفقر في العراق”.

توزيع سيئ للثروة

من جهته، وصف الخبير الاقتصادي د. عبد الرحمن المشهداني مفهوم العدالة الاجتماعية في العراق بانه “مشوه”، لان هناك “عدم تساوٍ في الحقوق والامتيازات، اضافة للتشوه الكبير في التوزيع غير العادل للثروات”.

وقال ان “المشكلة الاخرى تكمن في ان هذا التوزيع للثروات هو ليس نتاج العمل الانساني”.

وأضاف في سياق حديثه لـ”طريق الشعب”، قائلا انه خلال الـ 20 سنة الماضية “خُلقت من العدم طبقة من فاحشي الثراء، نتيجة النصب والاحتيال او سرقات المال العام او المقاولات الوهمية، التي لم تقدم من خلالها خدمات واستأثروا فيها على المال العام”.

وحمّل المشهداني الحكومات المتعاقبة الجزء الاكبر من مسؤولية “سوء توزيع الثروات وعدم انتظام العدالة الاجتماعية، فعلى سبيل المثال في دستور 2005 وردت مادة توضح ان الموازنات تبنى على اساس درجة المحرومية، ويجب ان تراعى مشكلة البطالة والفقر، لكن لم تتم مراعاة هذه النقاط الاساسية، لتحقيق الحد الادنى من العدالة الاجتماعية”.

وعرج المشهداني على معاناة المتقاعدين قائلاً: ان هناك مشكلة في “عدم التساوي برواتب المتقاعدين أنفسهم؛ فرواتب متقاعدي قبل العام 2005 وبعده ليست متساوية، اضافة الى انها لا تنسجم مع حجم ما قدمه المتقاعد من خدمة في أثناء الوظيفة”.

واشار الى ان أموال هذه الفئة “تسرق وتستثمر في مشاريع غير منتجة ومجدية”.

ولفت الخبير الاقتصادي الى ان “الخراب الذي يمتد لأكثر من 40 سنة، من الصعب اصلاحه في ليلة لذلك نحتاج الى تعديل القوانين وتكييفها، واعادة النظر بتشريعات كثيرة، وان تكون قضية العدالة الاجتماعية، اولوية عند الحكومات، فغيباها هو سبب لمشاكل اجتماعية كثيرة”.

“غير محترمة ولا محمية”

ويدخل مفهوم العدالة الاجتماعية ضمن المبادئ الاساسية لحقوق الانسان، وذلك بحسب ما أوضح الخبير في مجال حقوق الانسان د. علي البياتي الذي قال ان “الغرض من تأسيس النظام الديمقراطي الحديث ـ الذي يبنى على فكرة ان يكون الشعب مصدر السلطات ـ هو تحقيق العدالة الاجتماعية، فبلا عدالة اجتماعية لا اعتقد ان هناك معنى لأية تسميات تتبنى حقوق الإنسان والديمقراطية كما هو الحال في العراق”.

وقال البياتي في حديثه مع “طريق الشعب”، انه من خلال “المعطيات الموجودة خلال 19 عاما منذ بداية عمر هذا النظام الديمقراطي، لا تزال الحقوق منتهكة وضائعة، ولا توزع الثروات بل تذهب الى جيوب الطبقة السياسية، بينما التمييز حاضر في اداء مؤسسات الدولة، ولا تملك حتى هدف تحقيق العدالة الاجتماعية”.

واكد البياتي في ختام حديثه، ان غياب العدالة الاجتماعية في العراق يعد “انتهاكا صارخا لحقوق الانسان” فهي طبقاً لوصفه “من اهم المؤشرات لوجود حماية للحقوق؛ فمفهوم العدالة الاجتماعية هو ملف ملخص لأداء الحكم والمؤسسات في احترامها وحمايتها لحقوق الانسان، وغيابها يعني ان باقي الحقوق غير محترمة او محمية”.

تمايز وتفاوت

وضمن سياق متصل، أكد الباحث في الشأن السياسي وسام المالكي ان “الدولة بمؤسساتها مسؤولة عن تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث ارتبط هذا المفهوم بمدى جدية الدولة في احترام المواطن عن طريق تطبيق القانون، بصورة متساوية أمام الجميع، وتقديم الخدمات له من اجل إعلاء كرامته”.

ولفت في حديثه لـ”طريق الشعب”، الى ان هناك تفاوتا صارخا بين المواطنين في فرص الحصول على العمل والوظيفة، فلم يعد المعيار هو التحصيل الدراسي او الاختصاص، انما القرب من الجهات المتنفذة المسيطرة على هذا الملف، اضافة الى التفاوت ايضا في رواتب ومستحقات الموظفين.

وشخّص المالكي، ان هناك تمايزا اعتبره “الأكثر اثراً على المواطن في إحكام الامن بين المناطق، حيث ان التحصينات الامنية لسكان المنطقة الخضراء، ليس كنظيرها في مناطق أخرى في داخل بغداد او محافظات مثل الموصل وديالى والأنبار، وهذا بحد ذاته تقصير في واجبات الدولة”.

خلل في إنفاذ القانون

عند الغوص في تفاصيل موضوعة العدالة الاجتماعية وتحقيقها لا بد ان تتوجه الأنظار بشكل كبير نحو العمال في مختلف القطاعات خصوصاً غير المنظمة، والتمعن بقوانينهم التي تضمن حقوقهم وتحدد واجباتهم لكون التقييم منصفا وعادلا.

وفي هذا الشأن، قال سكرتير الاتحاد العام لنقابات عمّال العراق عدنان الصفار، إنّ قانون العمل جيد “لكن للأسف لا يوجد اليوم إنفاذ فعلي له، بينما قانون التقاعد والضمان والاجتماعي للعمال، يحتاج الى إعادة تغيير. وهنا لا بد من تشريع قانون يتوافق مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية للبلد ووفق معايير العمل الدولية”.

وشدد ضمن حديثه لـ”طريق الشعب”، على ضرورة ان تكون هناك “تشريعات وطنية تتعلق بقضايا العمال وتتوافق مع معايير العمل الدولية، وموضوعة العدالة الاجتماعية مثل قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي وقانون الحقوق والحريات النقابية، مع ضرورة تمتع الناس بحق توفير فرص العمل وتوفير الضمان الاجتماعي الحقيقي للعمال، لأنها جزء من العدالة الاجتماعية”.

تجدر الإشارة الى ان وجود التشريعات والقوانين الضامنة لتحقيق العدالة الاجتماعية غير كاف ما لم يقترن بتطبيق فعلي على ارض الواقع بالتزامن مع اجراءات فعالة تدخل ضمن سياسة الدولة.

نسف متبنيات تحقيق العدالة الاجتماعية! 

فيما قال عضو منظمة تموز للتنمية الاجتماعية محمود الهيتي، ان هناك “تشريعات ضامنة لتحقيق العدالة الاجتماعية مثل قانون العمل والضمان الاجتماعي وقوانين اخرى مرتبطة بتحقيق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية في العراق وغيرها، وتعتبر من افضل القوانين سواء على مستوى الشرق الأوسط او المنطقة العربية. لكن في جانب التطبيق الوضع سيء جداً”.

ونبّه في سياق حديثه لـ”طريق الشعب”، الى ان هناك “35 في المائة من الشعب هم بمستوى وتحت خط الفقر، وهذا يعني انعدام وجود اية مؤشرات على تحقيق العدالة الاجتماعية”، مبينا ان المعالجات تكمن في وجود “قوانين تنسجم مع الواقع وتطبيقات فعلية تحقق وتضمن مستوى جيدا من العدالة الاجتماعية”.

ويجد الهيتي ان هناك عملية نسف من قبل القوى المتنفذة لكل متبنيات تحقيق العدالة الاجتماعية، كون ذلك يتعارض مع مصالحها السياسية “هذه هي فلسفتها في إدارة الدولة بعد العام 2003”.

عرض مقالات: