اخر الاخبار

الكثير من الأحياء الشعبية في بغداد، تلك التي تتمتع بكثافة سكانية عالية، تعاني منذ التغيير 2003 إهمالا وحرمانا من الجانب الخدمي. إذ تتردى فيها أبسط الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وبنى تحتية.

أبرز مثال على هذه الأحياء هو حي “كمب الأرمن” سابقا - “كمب الكيلاني” حاليا، الذي يقع مباشرة خلف خزان الماء في منطقة الباب الشرقي بمركز العاصمة. فهذا الحي متقادم متهالك متداعٍ من جميع نواحيه، منازله وبناه التحتية وشبكتي الماء والكهرباء وما إلى ذلك. كل هذا سببه الإهمال والتهميش من جانب الجهات المعنية بالخدمات. 

ولم يتوانَ سكان الحي، خلال الحكومات السابقة، عن المطالبة بحقوقهم الخدمية، وآخر ذلك شكوى قدموها إلى قسم الشكاوى في مكتب رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني. إلا أنهم لم يتلقوا أي استجابة تذكر!  

وسعيا منها إلى إيصال صورة واضحة عن واقع هذا الحي إلى المعنيين، تجوّلت “طريق الشعب” وعدستها مطلع هذا الأسبوع بين أزقته، واطلعت على واقعه البائس المؤسف، وسجلت معاناة مواطنيه وهمومهم.

المنطقة منكوبة

يقول المواطن وهاب احمد، أحد سكان الحي، أن “الطرق المؤدية إلى حيّنا مغلقة، منذ أيام احتجاجات تشرين 2019، بالكتل الكونكريتية، ما أضرنا وأعاق حركتنا كسكان منازل وأصحاب محال”، مؤكدا لـ “طريق الشعب”، أنه “ناشدنا الجهات المعنية مرارا فتح الطرقات، لكننا لم نحظ بأذن صاغية”!

ويضيف أحمد متحدثا عن المشكلات الخدمية في حيّهم. ويقول أن “شبكة الكهرباء متهالكة وغير منظمة. فالأسلاك متشابكة عشوائيا بين الأزقة، وبعضها يتدلى على الأرض، الأمر الذي يشكل خطرا على سلامة السكان”.

ويلفت المواطن إلى أن “منطقتنا منكوبة من مختلف النواحي الخدمية، ولم تتلقَ أدنى اهتمام من المسؤولين”، موضحا أن “أبنيتنا متهالكة ومتقادمة، ومعرضة للانهيار في أي لحظة، وأحيانا تسقط أجزاء منها”.

ونظرا لتدهور البنى التحتية العامة في المنطقة، ومنها شبكة المجاري، تتجه المياه الآسنة نحو أساسات المنازل والمباني، ما يضرها ويعرضها للتآكل والانهيار.

تلال من القاذورات!

ولا يختلف حديث المواطن حيدر محمد، وهو أيضا من سكان الحي، عن حديث وهاب أحمد. فهو الآخر يؤكد أنه “لا شيء جيدا في منطقتنا لأذكره. النفايات تتراكم في الأزقة، حتى تتحول إلى ما يشبه تلال من القاذورات”! مضيفا أن “آليات البلدية لا تزور الحي، لذلك نضطر إلى التخلص من النفايات بحرقها”.

ويتابع قائلا: “أما البنى التحتية فهي منهارة”!

ويشتكي محمد في حديثه لـ “طريق الشعب”، من تدهور الواقع الصحي في منطقتهم. ويبيّن أن “الحي كان يضم في السابق مركزا صحيا، إلا أنه أغلق دون أن نعرف الأسباب”، مشيرا إلى أنه “طالبنا كثيرا بإعادة فتح المركز الصحي، لكن دون جدوى. وحاليا يلجأ السكان، في حال أصيب أحدهم بوعكة صحية، إلى معاون طبي لديه عيادة بسيطة في المنطقة”.

أشبه بالسجناء!

ويصف محمد منطقتهم بـ “السجن” بسبب إغلاق الطرق المؤدية إليها. ويقول: “أصبحنا أشبه بالسجناء. فلا سيارة تدخل أو تخرج. لذلك توجهنا إلى آمر الفوج المسؤول عن أمن المنطقة، وطالبناه بفتح الطرق، لكنه أحالنا إلى قيادة عمليات بغداد، وهذه لم نصل معها إلى نتيجة مُرضية”!

تجدر الإشارة إلى أن مراسل “طريق الشعب” لم يتسن له إدخال عجلته إلى الحي، بسبب إغلاقه بالكتل الكونكريتية. لذلك اضطر إلى ركن العجلة في مكان آخر، والدخول إلى المنطقة راجلا.

واقع مأساوي

بحرقة وألم، يتحدث المواطن خضير عزيز، أحد سكان “كمب الكيلاني”، عن واقع منطقتهم أيام زمان، مؤكدا أن “المنطقة كانت جنة ذات يوم.. وهذا أقل توصيف لها”!

ويوضح لـ “طريق الشعب”، أن “المنطقة كان يطلق عليها سابقا كمب الأرمن، نظرا لأن غالبية سكانها من الطائفة الأرمنية”، مضيفا بأسف أن “واقع المنطقة اليوم مأساوي ولا يسر اطلاقاً. فهي لم تشهد اي إدامة أو إعمار. وكان المسؤولون يزورونها فقط خلال فترات الحملات الانتخابية”!

ويتحدث عن والواقع الخدمي في المنطقة، قائلا أن “شبكات الصرف الصحي سيئة جداً. إذ تطفح المياه الثقيلة في المنازل وتتسرب نحو الطرقات، مخلفة جراثيم وأوبئة وروائح كريهة”.

ويضيف قائلا: “أما الشبكة الكهربائية فهي الأخرى متردية، محوّلاتها قديمة ومتهالكة. لذلك تتعرض للأعطال باستمرار”.

ويعاني الحي نقصا في المدارس. إذ لا تتوفر فيه سوى مدرستين، الطريق المؤدي إليهما تحتله كلاب سائبة شرسة، بينما يتحول إلى “مستنقع” خلال موسم الأمطار، وفي كلتا الحالتين سيكون من الصعب وصول التلاميذ إلى المدرستين – حسب عزيز. 

ويخلص المواطن إلى أن أهالي “كمب الكيلاني” لا يطالبون بالكثير، سوى بـ “فتح المركز الصحي، واستقرار الكهرباء وإنشاء شبكة مجاري جيدة وبنى تحتية تليق بمكانة هذه المنطقة التي أصبح عمرها اليوم 80 عاما”، مؤكدا أن “مختار الحي كثيرا ما طالب الجهات المعنية بمعالجة هذه المشكلات الخدمية، لكن أحدا لم يسمعه. فلا حياة لمن تنادي في ظل الفساد”!