اخر الاخبار

لا تعتبر «النخلة» مجرد مورد مالي او غذائي للمواطن العراقي، بل هي مرتبطة بهويته الوطنية، وتراثه الشعبي سواء في القصص والموروث التاريخي، أم في الاعتماد عليها في عدد من المهن والمنتجات التراثية واليدوية. وما يلاحقها من اهمال كبير اليوم يؤثر في هذا التاريخ العريق، حيث الزحف العمراني للأبنية وقطع أشجار النخيل وتجريف الأراضي لمساحاتٍ واسعة، جعل العراق يتحول خلال السنوات الأخيرة من مصدر الى مستورد للتمور.

انخفاض واسع

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط لعام 2020، فقد انخفض حجم الإنتاج من 7 ملايين طن الى 735 ألف طن. وأن معدل تصدير التمور العراقية إلى الخارج بلغ قرابة 600 ألف طن إلى تركيا والهند ومصر وسوريا والأردن والإمارات، إضافة إلى دول أخرى مثل الصين وبنغلادش وبعض الأسواق الأوروبية والأميركية.

 ويذكر الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، ان «العراق من أقدم مواطن زراعة النخيل، ويلقب بـ»بلد النخيل» و»ارض السواد»، لامتلاكه 36 مليون نخلة، حيث كان الأول على مستوى العالم بإنتاج التمور، الذي شكل جزءا مهما من الناتج المحلي الإجمالي».

وعن أسباب تراجع أعداد النخيل، يقول انه يعود لحجم الاهمال وعدم استخدام تقنيات حديثة في استثمار النخيل، إضافة الى الجفاف الذي حصل، وزحف المدن وانشاء المجمعات والمناطق السكنية على الأراضي الزراعية الخصبة القريبة من الأنهار».

اهمال متكدس

ويشير المشهداني في حديثه لـ»طريق الشعب»، الى انه «مرت سنوات طوال بينما الحكومة لم تلتفت للاهتمام بملف النخيل وتحسين انتاجيته، إضافة الى اهمال تقديم الدعم للفلاحين لتحفيزهم على استثمار التمور من اجل تحسين صادرات هذا المنتج»، لافتا الى ان «الشركة العامة لإنتاج التمور لم تكن ايضا فاعلة بالشكل المطلوب».

ومنذ سنوات استخدم هذا الانتاج كعلف للحيوانات، في حين نلاحظ الانتاج في دول الجوار كالسعودية وإيران والامارات، يصدر بشكل جيد من ناحية التعبئة، وتدفع الزبون لان يشتريه على عكس التمور العراقية، فالمشكلة تكمن في شكل التعبئة وليس جودة التمور. علماً ان العراق يزرع فيه نحو اربعمائة وخمسين ألف نوع من التمور، بحسب المشهداني.

مبادرات تلوح بالأفق

وتحدث المشهداني عن مبادرات لها مردود إيجابي للنخيل، منها: «تشكيل رابطة تضم مجموعة من المزارعين، تهدف لزراعة اربعمائة وخمسون ألف دونم لاحد أنواع التمور»، مشيرا الى ان «هذه المبادرة تحتاج الى الدعم الحكومي، خاصة لكونهم سيعتمدون على الزراعة النسيجية الذي يكون فيها النخيل قزميا وبإنتاجية عالية، الامر الذي يسد حاجة السوق المحلي بينما يصدر الفائض الى دول العالم «.

وتابع أنه «من المبادرات الناجحة أيضا ومن المهم الالتفات اليها، تلك التي قدمتها العتبة العباسية بزراعة ما يقارب «ثلاثين ألف» نخلة، في صحراء محافظتي كربلاء والنجف. وتعتبر من الخطوات الرائدة التي تستحق تعزيزها ونسخها في مناطق أخرى، منها استثمرت الصحراء وعالجت موضوع التصحر واستخدمت تقنيات حديثة في الزراعة والري، اضافة الى تشغيل ايدي عاملة كثيرة وسد نسبة من حاجة السوق المحلية».

ويتراوح حجم الاستهلاك المحلي لجميع المحافظات ما بين 150 و200 ألف طن سنوياً من التمور، حيث يعد العراقيون التمور من الوجبات الغذائية الأساسية لهم.

ويرى المشهداني، ان «تجريف النخيل هو واحدة من الكوارث التي شاهدناها في مناطق كثيرة، تحديدا في مناطق حزام بغداد، لأجل تقطيعها وتحويلها الى دور سكنية في عشوائيات، وهنا لم نعمل على تدمير المساحة الخضراء بمجازر لإعدام النخيل فقط، وانما خلقنا مدنا من العشوائيات السكنية غير المنظمة».

نخلتان في كل بيت

ولفت الى انه «لا وجود للرقابة القانونية، فسابقا كانت ضمن القوانين ان الاجازة لا تمنح الا إذا وقع على تعهد بزراعة نخلتين في حديقة الدار، اما اليوم فليس هناك حدائق في المنازل من الأساس، وتصل مساحة المنازل الى ما دون الـ50 مترا مربعا».

الحكومة المسؤول الاول

 يقول فالح علوان، احد فلاحي محافظة كربلاء، لـ «طريق الشعب»، ان» الحكومة هي المسؤول الأول عن هذا الإهمال الكبير، لعدم وجود سياسة واضحة تحمي المنتج الوطني، اضافة الى عدم توفر أدوات أساسية من المياه والمعدات الزراعية، كما كان للحروب المتعاقبة والحصار الاقتصادي والفوضى الشاملة للبلاد حصة من هذا الانحسار».

ويطالب علوان، بتوفير قروض للفلاحين، ودعمهم ايضا بالاسمدة والمياه، ومكافحة الحشرات الضارة، والأوبئة، وأيضا ان تشجع القطاع الخاص على تأسيس مكابس التمور، والمخازن المبردة، واقامة المشاريع الصناعية التي تعتمد على التمور، مثل السكر السائل والخل الطبيعي، علاوة على عصير التمر (الدبس)».

إهمال حكومي وطمع الفلاحين

ويشير رئيس اتحاد الجمعيات في محافظة النجف، علي حسين الى ان «انجراف أراضي النخيل كان له تأثير على الفلاحين والمزارعين، بعد تحول اراضيهم الزراعية المرتبطة بذكرياتهم ومهنهم التي توارثوها عن اجدادهم الى دور سكنية، إضافة ان هذا الفعل له تأثيرا سلبيا على القطاع الزراعي».

ويقول ان «أحد اسباب التجريف يعود الى بيع المساحات الخضراء وتحولها الى دور سكنية، بسبب اهمال وزارة الزراعة التي تتحمل النتائج التي وصل اليها الفلاحون والمزارعون، فالكثير من هؤلاء فرط بأراضيه وترك عمله».

عرض مقالات: