تشير الأرقام الصادرة عن جهات حكومية ورقابية إلى تصاعد ملحوظ في حالات العنف ضد الأطفال؛ وهناك قصص عديدة تبدو متشابهة من حيث المضمون، تتكرر في المجتمع وتتمثل بتعرض الكثير منهم إلى اعتداءات وحشية تصل حد التشويه والتعذيب والقتل. وتتزايد هذه الحالات وسط غياب القانون الرادع، مقابل بؤس اجتماعي يعكسه الفقر والبطالة والجهل وظواهر اخرى تجعل من هذه الحالات أمرا طبيعيا!
ويعد العنف ضد الأطفال شكلاً من أشكال انتهاك حقوق الإنسان، بحسب ما نَصَّت عليه اتفاقية حقوق الطفل في المادة رقم 19 من قبل الأمم المتحدة.
ويُعرَّف مصطلح “العنف ضد الأطفال” بأنه أي شكلٍ من أشكال العنف أو الأذى الجسديّ، أو النفسيّ، أو الإهمال بأشكاله، وسوء المعاملة، أو أيّ نوع من الاستغلال، كالإساءات الجنسية.
الحلقة الأضعف
ونشرت دائرة العلاقات العامة في مجلس القضاء الأعلى، إحصائية عن معدلات العنف الأسري في ما يخص الأطفال والنساء وكبار السن خلال عام 2021 ومطلع العام الحالي حتى حزيران منه.
وأوضحت الإحصائية أن “المحاكم سجلت 1141 دعوى عنف أسري ضد الأطفال، وكان لمحكمة استئناف بغداد الكرخ النصيب الأكبر بواقع 267 دعوى”.
ويرى مراقبون أن الرقم الحقيقي أكبر بكثير لأن قضايا مثل هذه تبقى غالبيتها في البيوت ولا تصل إلى مراكز الشرطة أو القضاء أو الجهات المعنية، ولا تسجلها المحاكم بسبب ضعف الوعي القانوني وسيطرة الأعراف الاجتماعية.
ويقول الدكتور كمال الخيلاني، مختص بالعلاج النفسي ورئيس “منظمة النفسانيون بلا حدود” عن دوافع رئيسة تولد العنف ضد الأطفال.
ويوضح الخيلاني لـ”طريق الشعب”، أن “غياب التشريعات والقوانين الرادعة هي عامل مهم يساهم في تنامي هذه الحالات. حيث لا بدّ للقوانين أن تعاقب المعتدي وتحمي الحلقات الهشّة كالأطفال والنساء. إن هذا الفراغ القانوني والتشريعي عرّض الكثير من الأطفال إلى العنف”، مبينا أن “العنف ضد الاطفال يسمى بـ(العنف المحول) أي أنه انعكاس للضغوط التي يتعرض لها الآباء والامهات في مجتمع محبط”.
ويبيّن الدكتور أن “العنف ضد الأطفال له أساليب عدة، منها الجسدي، اللفظي، الرمزي. وأن النوع الأول هو الأكثر شيوعا بينما النوعان الآخران يصعب رصدهما دائما. وهنالك عنف نفسي أشد وطأة من تعذيب الجسد لأنه يتمثل بحرمان الطفل وعدم اشباع حاجاته وتهميشه واقصائه من التعليم. بل أحيانا يزج قسرا في سوق العمل، فكل هذا عنف”.
ويشير الخيلاني إلى أن الطفل المعنف “سيتحول إلى شخص عدواني لاحقا ومضطرب سلوكيا ما لم يعالج بالشكل الصحيح. كما أن العراق يفتقر الى مراكز التأهيل والعلاج للأسف الشديد”.
لا توجد لغة حوار
من جهتها، تقول بلقيس الزاملي، وهي باحثة اجتماعية ورئيسة “منظمة شمس بغداد الثقافية الطبية”، ان “العنف ضد الاطفال من المسائل الخطرة جدا. تزايدت بشكل كبير خلال السنوات الماضية لأسباب عدة، وأصبح بعضها يعرض على مواقع التواصل الاجتماعي ويتضمن بشاعة وقسوة لا تطاق”.
وتلفت الزاملي في حديث لـ”طريق الشعب”، إلى عدة أمور تشكل بيئة خصبة للعنف ضد الاطفال منها “عدم التفاهم بين الأزواج وهشاشة علاقاتهم الأسرية. أن هذه الاضطرابات المنزلية لطالما انعكست على السلامة النفسية والجسدية للكثير من الأطفال، فضلا عن تردي الوضع الاقتصادي”.
وتشدد على “عدم وجود أي سياسة لدى العراق للقضاء على هذه الظاهرة، وأن وجدت بعض القوانين أو النصوص فهي لا تدخل حيز التنفيذ وهذا ما جعلنا نرى حالات عنف كثيرة جدا ومأساوية ويفلت الجناة غالبا من العقاب”.
وتعتقد الباحثة أن “مسؤولية سلامة الطفل هي مسؤولية مشتركة وإلزامية على أطراف عديدة كالأسرة والمدرسة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية والأمنية والحكومية. لا بدّ من وجود سياسة وطنية شاملة تنظر لهذا المحور وتجعله عاملا مشتركا بينها لحماية الأطفال”.
قانون العقوبات
أما مريم عبد (دكتوراه في القانون) فترى أن “المشرّع العراقي ضمن حقوق الطفل في قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980. كما وفّر ضمانات للطفل في قانون العقوبات حيث نص القانون على الجرائم المتعلقة بتعريض الصغار للخطر”.
وبيّنت المتحدثة خلال حديثها مع “طريق الشعب”، الحاجة إلى “تشريع قانون العنف الأسري والذي بغيابه ينعدم وجود الضمانات القانونية والصحية والمالية للطفل. كما أن رعاية الدولة للطفل ضعيفة جدا بسبب الصراع السياسي، فكل هذه تعتبر تحديات لبيئة جيدة وداعمة قوية لطفل آمن وسليم”، لافتة إلى وجود عنف آخر خطير وهو “العنف الجنسي وهو تكاثر مؤخرا، إضافة إلى إجبار الأطفال على التسول في الشوارع العامة. كل ذلك يجري لأن الدولة هشّة وركيكة ولا علاقة لها بحماية الطفولة”.
آثار نفسية خطرة
وفي السياق، تقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان، سارة جاسم، إنّ معظم الأطفال “يتعرضون بشكل مستمر لكل أنواع العنف من قبل ذويهم. فهناك اعتقاد من قبل الأهالي بأن طرق التربية والتأديب بالعنف النفسي والجسدي هي طرق ناجحة”.
وتنتقد جاسم خلال حديثها مع “طريق الشعب”، وجود “المادة 41 في قانون العقوبات النافذ والتي تبيح للمعلم ضرب التلاميذ. حيث هذه شرعنة للعنف ضد الأطفال في البيت والمدرسة”.