19 عاما مرت على تغيير النظام السابق، بينما يزداد وضع النساء سوءاً برغم الوعود الحكومية بتجاوز نتائج مرحلة الدكتاتورية التي حمّلت المرأة العراقية الكثير من الويلات.
طيلة السنوات الماضية، فشلت الحكومات المتعاقبة والدورات النيابية وكل اللجان ذات العلاقة في انتشال المرأة من واقعها المرزي، فيما دفع الفقر والعوز والفساد والمحاصصة الكثير منهن إلى العمل بمهن صعبة بعيدا عن قيمهن الانسانية، بحثا عن لقمة العيش.
وأجرت “طريق الشعب” مقابلات مع عدد من النساء اللائي يعملن في مهن صعبة جدا.
عمل شاق بأجر ضئيل
تقول سليمة أمير، التي تبلغ من العمر 60 عاماً، “زوجي توفي وترك على عاتقي تسعة أبناء لديهم الكثير من المتطلبات الأساسية. عملت كعاملة نظافة في إحدى المدارس، لكن أجوري كانت ضئيلة جدا، ولا تسد الحاجة المعيشية، ومع مرور الوقت توفي أحد أولادي الذي تزوج، وكنت أأمل أن يعينني على الحياة، لكنه ترك لي زوجة وثلاثة أبناء معاقين ومرضى يحتاجون إلى رعاية كبيرة”.
وتضيف أمير “من أجل رعاية هؤلاء، عملت بعمل إضافي لساعات طويلة من أجل توفير العلاج والطعام. هل هذا حال المرأة العراقية وهي بعمر 60 عاما وفي ظل بلد يسرق فيه المتنفذون المليارات من الدولارات دون أي تشريع ينصف النساء ويحميهم من قسوة هذه الحياة؟”.
صعوبات الحياة وقسوتها
من جانبها، تروي المواطنة شكرية شاكر (50 عاما)، قصة معاناتها وصعوبة توفيرها لقمة العيش.
وتقول شاكر: “أنا مسؤولة عن أربع بنات وولد واحد. زوجي كان يعمل سائق تكسي وتوفي ليترك الأطفال بمسؤوليتي. كنت اعمل محاضرة مجانية آملا بالحصول على عقد في وزارة التربية أو تعيين، لكني اضطررت لأن أتركه بعدما فقدت الأمل وعملت في معمل لخياطة البدلات العسكرية وبساعات عمل طويلة جدا وظروف قاسية مقابل أجور لا تليق بهذه الجهود”.
وتوضح المتحدث “بعد وفاة زوجي صرت المعيلة الوحيدة لأبنائي، وهم طلبة. لا يوجد راتب يكفي تغطية احتياجاتهم، والدولة لم تقدم أي مساعدة أو معونة وحتى راتب الرعاية الاجتماعية لم أحصل عليه رغم محاولاتي العديدة”.
أما حنين محمد (30 عاما) فتقول إنها تخرجت من كلية اللغات ولم تحصل على فرصة عمل رغم اختصاصها المتميز، لتضطر لاحقا إلى العمل بمهنة بعيدة عن دراستها وبمردود مالي ليس بمستوى الطموح.
وتتحدث محمد عن أحوالها قائلة: “لدي سبع أخوات ووالدي هو المعيل الوحيد لنا، لكنه أصبح مقعدا وغير قادر على العمل. بحثت كثيرا عن عمل ولم أحصل على أي فرصة، لذا عملت أنا وأخواتي في مشروع منزلي وهو الطبخ والخبز والبيع للجيران والمعارف وعبر مواقع التواصل الاجتماعي”، مضيفة “نستغرق الكثير من الوقت بالاعداد، ولكن المردود المالي ليس كبيرا، ولكنه يسد الحاجة نوعا ما، وأصبح هذا المصدر المالي هو المعيل لعائلة مكونة من نساء عاطلات، وأب مقعد وعاجز عن العمل”.
وتنتقد محمد “التقصير الحكومة في الالتفات إلى حال النساء وإهمال الكثير ممن يواجهن البطالة والعوز رغم امتلاك الكثير منهم الشهادات الاكاديمية”، متسائلة عن “وعود الأحزاب الحاكمة وشعاراتها بينما يجعلون بسبب الفساد الشعب يصل إلى مرحلة ما تحت الفقر دون الاهتمام بالنتائج الخطيرة التي تتولد عن هذا الأمر؟”.
11 ساعة عمل؟
من جانبها، تقول الشابة طيبة حسن (24 عاما) وهي خريجة كلية التربية، أنها لم تحصل على فرصة عمل في اختصاصها لا في المدارس الحكومية ولا حتى في الأهلية.
وتقول حسن: “عملت في مكتب صيرفة بعيدا عن مجال تخصصي الدراسي، وكنت أعمل لحوالي 11 ساعة بشكل متواصل، ومقابل راتب ضئيل جدا بالنسبة لساعات العمل وضغطه النفسي. لا توجد قوانين حقيقية لضمان حقوق العاملين وتحديد ساعات عملهم بشكل فعلي وتتعرض المرأة في هذه الميادين إلى الكثير من المشاكل”، مردفة “بحثت كثيرا عن فرص عمل أفضل، ولكن لم أحصل عليها لأن سوق العمل في القطاع الخاص دائما ما تكون برواتب قليلة وساعات عمل طويلة وحقوق ضائعة للأسف الشديد نتيجة غياب الرقابة”.
وتقول المتحدث إن “السبب بكل ذلك هو ضعف الدولة التي لا تهتم بالخريجين في جميع الاختصاصات وكذلك وزارة التخطيط التي تتحمل جزءا من المسؤولية لان المدارس قليلة والخريجين كثيرون، وهذا ضمن منهجية النظام”.
وتوجه الكثير من الناشطات انتقادات شديدة إلى الحكومة والبرلمان واللجان المعنية بالمرأة، ففي الوقت الذي تواجه فيه النساء الكثير من مصاعب الحياة والحرمان تعجز المعنية عن ايجاد الحلول لهذا الواقع المرير. ومقابل عدد العاطلات عن العمل والمطلقات والأرامل، تسعى جهات داخل مجلس النواب إلى تشريع قوانين تقلل من قيمة المرأة وتزيد من معاناتها وتكون محط جدل كبير بين فترة وأخرى.