تستعد المدارس والجامعات بعد عامين دراسيين كاملين من الدوام الالكتروني، إلى احتضان التلاميذ والطلبة في دوام حضوري يستأنف مجددا، وينتظره الكثير من العمل التقويمي والمصاعب.
ويقول مختصون ومراقبون لقطاع التربية والتعليم، ان التجربة الالكترونية كانت صعبة جدا في البلاد، لأن المؤسسات المعنية تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة، وكوادرها غير مدربة بشكل جيد على التعامل مع هذا النوع من التعليم، فضلا عن مصاعب كثيرة موجودة من البداية وما زالت.
أزمة كشفت نقاط الضعف
ويقول مراقبون، إن الجائحة الوبائية التي دخلت البلاد في العام 2020 أظهرت نقاط ضعف كثيرة في قطاع التربية والتعليم، بعدما كان بعضها غير واضح تماما.
ومن ضمن نقاط الضعف هذه، المستوى المتردي للكثير من التلاميذ والطلبة، والجهل الكبير في التعامل مع التقنيات الحديثة رغم أن غالبية العائلات تستخدم الالكترونيات، والأمر ذاته مع الكثير من الكوادر التعليمية.
وعن هذا الأمر، يرى سكرتير اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق، ايوب عبد الحسين، أن تجربة التعليم الالكتروني التي فرضتها جائحة كورونا، لم تكن كما توصف، أي أنها “عملية تعليم الكتروني” وإنما كانت عبارة عن “تعليم عن بعد” لا أكثر، وهناك فرق بين الاثنين.
ويوضح عبد الحسين خلال حديثه مع “طريق الشعب”، أن هذه التجربة كانت ستنجح لو امتلك البلد بنى تحتية كاملة للتعليم الالكتروني، وأن “الوزارة خلال السنتين الماضيتين لم تطور التجربة ولا امكانيات التدريسيين والأكاديميين. ان مثل هكذا نوع من التعليم، يتطلب توفير البنية التحتية اللازمة وهي لم تك موجودة، فضلا عن ضرورة حل اشكاليات بنيوية منها طبيعة المناهج التي يجب ان تكون ملائمة لهذا التعليم، كما أن طرق التدريس أيضا تختلف حتما عن الطرق التقليدية في التعليم الحضوري”.
ويتضمن العديد من الجامعات في بلدان العالم، شعبا فعالة أو اقساما ادارية مختصة بالتعليم الالكتروني، ولهذا السبب لم يتأثر طلبة تلك الجامعات بالحجر الصحي وترك مقاعد الدراسة، انما كانوا مستعدين ومدربين وكذلك الحال بالنسبة لاساتذتهم، خلافا لما حصل في العراق والأمية الالكترونية المتفشية فيه.
ومن هذا المنطلق، يقول عبد الحسين، إن مطالبات عديدة أطلقها اتحاد الطلبة وناشطون في عام 2015 من أجل تطوير بنية التعليم الالكتروني حتى يكون مساعدا للحضوري، وأن “الوزارة كانت تمتلك مركزا خاصا للتعليم الإلكتروني منذ سنة ٢٠١٦ - ٢٠١٧ لكنها للأسف لم توفر البنية التحتية له، وغابت شروط نجاحه وتجاهلت اتخاذ الخطوات الجادة لتطويره، وبالتالي كان هذا النوع من التعليم فقيرا عندما أتت الجائحة وأغلقت بنايات المدارس والجامعات”.
واضاف قائلا: “اثبتت المعطيات على أرض الواقع ان هذه التجربة فشلت بالكامل ولم تؤد الغرض التعليمي منها على مستوى الجامعات والمدارس. لا يوجد تعليم الكتروني، والجامعات كانت اقل ضررا من فشل هذه التجربة لاعتبارات عديدة منها اعمار الطلبة”.
أهمية العودة الى مقاعد الدراسة
وبحسب اساتذة وطلبة، فإن لا جميع الوسائل التعليمية لا تقارن بالحضور إلى مقاعد الدراسة والتعلم بشكل مباشر من الاستاذ.
لذلك ترى الاستاذة رنا سلطان (مديرة مدرسة) أن التعليم الحضوري هو العامل الرئيس في الارتقاء بمستوى التعليم، والسنتان الماضيتان شهدتا مؤشرات سلبية كبيرة بسبب افتقاد الحضور والتعلم بشكل مباشر.
وبيّنت سلطان خلال حديثها مع “طريق الشعب” قائلة: “لمسنا خلال تجربة التعليم الالكتروني، أن مستوى استيعاب الطلبة انخفض بشكل ملحوظ قياسا بالسنوات السابقة. كما توجد مشاكل كثيرة خلال التعلم عن بعد، مثل افتقاد الطلبة لخدمة الانترنت، او عدم وجود هاتف او حاسوب للدخول من خلاله الى المحاضرة، وهذا تسبب بعراقيل كثيرة لجعل الطالب مستوعبا للمواد الدراسية وهي كثيرة”.
ولهذا الغرض، تؤكد سلطان ان “قرار الوزارة في العودة الى الدوام الحضوري هو قرار مهم وفعال للارتقاء بمستوى الطلبة. وللتعليم الحضوري بصمة جيدة في اعادة التلاميذ الى مقاعد الدراسة، فهي تبث الامل والحياة لدى الطلبة”، مشيرة إلى انه “بعد عودة الدوام الحضوري، ستكون الدروس مكثفة للصفوف الاولى لتقوية اساساتهم ولتسهيل عملية التدريس على الأساتذة في المراحل اللاحقة. أن حضور الطلبة للمدارس وممارسة النشاطات اليومية مع الاصدقاء والدراسة واللعب هي أمور مهمة جدا للطلبة والتلاميذ ومؤثرة في بناء شخصياتهم”.
وفي وقت سابق، قال وزير التربية علي حميد الدليمي، إن “العام الدراسي المقبل سيكون حضورياً وبشكل كامل، وإن على الفرق التعليمية والتدريسية أخذ اللقاح”، مؤكداً “أهمية التزام الإجراءات الوقائية والصحية في المدارس، والوزارة تبذل جهودا من أجل ذلك”.
أما بخصوص الوضع في الجامعات والمعاهد، يقول محمد سعيد (طالب جامعي) ان “إحدى المشاكل التي ستواجه الجامعات في العام الدراسي القادم، هو العدد الضخم للطلبة”.
وبحسب تأكيدات سعيد لـ”طريق الشعب”، فإن “الجامعات قبلت أعدادا ضخمة في فترة الدوام الالكتروني وخصوصا للدراسات المسائية وذلك يرتبط بالأزمة المالية التي عصفت بالبلد، لكن المشكلة الحالية تكمن في عدم قدرة القاعات الجامعية على استيعاب هذا العدد بعدما سيعود الطلبة الى مقاعدهم الدراسية. أن هذه القبولات لم يكن مخطط لها بشكل سليم، وستظهر عيوبها عند الحضور الى مقاعد الدراسة”.