اخر الاخبار

تجاهلت (س.ع) ابنة (16) ربيعاً أسئلتنا عند محاولتنا معرفة الاسباب التي دفعتها الى اللجوء للتسول في تقاطع (عبد الكريم قاسم) ، وبعد محاولاتنا المتكررة وافقت للحديث معنا بعد او وضعت شرطاً بان لا نصور المحادثة او نذكر اسمها الكامل والصريح .

وبدأت حديثها بالقول “كانت بدايتي مع التسول منذ ان كان عمري 7 سنوات وكانت والدتي تجبرني على الخروج للشارع بهدف كسب المال بهذه الطريقة، رغم رفضي المتواصل”.

لم تكن قصة (س.ع) الوحيدة بل تنوعت قصص العراقيين بشكل عام والديوانية بشكل خاص تحكي عن معاناتهم ومزاولتهم أعمالا قسرية خارج رغباتهم واختصاصاتهم و توجهاتهم المهنية او العلمية، وتصنف هذه الظاهرة عالمياً ومحلياً بأنها احد امراض النظام الرأسمالي العالمي، وقد يطلق عليها اهل الاختصاص والمفكرون (بالعبودية الحديثة).

المكتب الإعلامي لمحلية الديوانية للحزب الشيوعي العراقي، سلط الضوء على تجارب بعض الذين اجبروا على العمل قسرا.

تسوّل بالجملة

ويذكر أبو علي (سائق كيا)، يعمل على خط ديوانية ـ عفك، أنه “في احد الصباحات خرجت باكراً وشاهدت في احد التقاطعات باص ركاب نوع كيا، يقل مجموعة من النساء والأطفال، توقفت العجلة في احدى المناطق ثم نزل منها الركاب، وبسرعة قام الركاب بالانتشار في التقاطعات القريبة وبدأوا عمل التسول مع بداية الدوام الرسمي، حينها تساءلت: هل هم مجبرون على ذلك؟

الصراع العشائري

اما ابو حسين، 45 عاماً، يعمل في احد معامل الطابوق، فله قصة أخرى: كان يمتهن الزراعة ويعيش حياة مستقرة نوعا ما مع عائلته، ولكن ظروفه تغيرت بين ليلة وضحاها، نتيجة نشوب صراع عشائري ليس له فيه ناقة ولا جمل حسب ما يذكره، ما اضطره إلى ترك أرضه قسراً والرحيل إلى (مكانه الحالي) لينتهي به المطاف عاملاً في احد معامل الطابوق، يعاني مشقة العمل هو وزوجته وأطفاله الذين يبلغ عمر أكبرهم 15 سنة.

ويضيف: “لم أعمل بهذه المهنة برغبتي ولكن ما دفعني هو الظروف القاهرة، ولا أملك لنفسي خيار القبول أو الرفض”.

هذه القصص الحيّة من الديوانية ظاهرة مهمة بدأت تشغل العالم وهي “العبودية الحديثة” التي اخذت تتسع وتنتشر.

بريطانيا والعبودية

ولا تقتصر هذه الظاهرة على محافظة الديوانية او العراق وحده، بل تكاد تكون عالمية.

يقول ايدين ماكواد مدير منظمة الرق الدولية في حديث لـ(بي بي سي ) عن اسباب العبودية الحديثة في بريطانيا: “إذا تركت عملك حتى لو كنت تعاني من أي نوع من الاستغلال بما في ذلك العمل القسري او حتى لو كنت تعاني من كل انواع العنف البدني والجنسي سيتم ترحيلك. وهذا يعطي سلطة هائلة لإصحاب العمل معدومي الضمير بالتحكم بمصير هؤلاء الناس في التهديد واجبارهم على العمل قسراً”.

داعش والرق

وتشير مفوضية حقوق الانسان في تقريرها الدولي الذي نشرته صحيفة الاندبندت حول الانتهاكات المنسوبة لـ(داعش)، حيث “ان ما يقارب 2500 امرأة وطفل سقطوا اسرى بيد التنظيم الارهابي، وقد بيعت النساء والفتيات من الاقليات الايزيدية والمسيحية، وسجل التقرير حادثة جرت في الثالث من اب الماضي جرى فيها بيع 150 امرأة ونقلهن من العراق الى سوريا من اجل منحهن الى المقاتلين كهدايا لاستخدامهن في العبودية الجنسية.

أنواع العبودية

أما شبكة الأنباء الإنسانية (ايرين) فإنها تقسم العبودية الحديثة الى اشكال متنوعة منها العمل القسري، وتعرفه المنظمة بانه “اي أعمال او خدمات تفرض عنوة على اي شخص تحت التهديد بالعقاب والتي لم يختارها الشخص بنفسه طوعاً”.

وتقدر الشبكة ان ضحايا العمل القسري في العالم يصل الى 21 مليون شخص .

اما عبودية القرض فتعد اكثر اشكال الرق شيوعا في العالم. وتذكر الجمعية الدولية لمكافحة الرق: “ان الشخص يصبح عامل سخرة عندما يطالب بالعمل لسداد قرض حصل عليه ثم يخدع الشخص او يضطر للعمل مقابل مبلغ زهيد جداً من المال او من دون اجرة وغالباً ما يكون ذلك سبعة ايام في الاسبوع”. وتحتل باكستان المرتبة الاولى بهذا النوع من العبودية حيث يصل عمال السخرة فيها الى 1.8 مليون شخص.

أما الاتجار بالبشر فيقصد به حسب تعريف اتفاقية الامم المتحدة المعنية بمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود بانه “تجنيد او نقل او تحويل او ايواء او استلام اشخاص عن طريق التهديد او استخدام القوة او وسائل أخرى للإكراه بغرض الاستغلال.

وفي ما يخص استرقاق الأطفال، انه يتم من خلال استغلالهم في الأعمال الشاقة او المهينة ودفعهم الى المشاركة فيها بالإضافة الى إجبارهم على الدخول في النزاعات المسلحة عنوة او العمل في المنازل كخدم قسراً.

الأسباب

وعلى الرغم من مضي قرنين على حظر العبودية في العالم لا يزال نحو 29.8 مليون شخص يتعرضون لأشكال جديدة ومتنوعة من العبودية وهي تأخذ أشكالاً متنوعة وقد تتلون وتتنوع بين بلد وآخر، لكنها كلها تشترك في الاستغلال في غير مكانه، ويمكن ان يطلق عليها عبودية مقنعة بقناع حيث يجد الشخص نفسه مستعبداً، بسبب ظروفه المحيطة به، وينتج غالباً من ضعف القوانين التي تردع المتسلطين واصحاب الثروات الطائلة بالإضافة الى سوء توزيع ثروات البلاد. أما بلدنا بشكل عام والديوانية بشكل خاص فهي ليست بعيدة عن هذه الظاهرة، وقد تكون موجودة لكنها أخذت وجوهاً قد تكون شاهدا حيا، ومنها ما ذكرناه في لقاءاتنا مع بعضهم، وهذا ليس بعيدا عن واقعنا فالأرض الخصبة لنشوء هكذا ظاهرة موجودة نتيجة لما يمر به البلد بشكل عام وينعكس بآثاره على الديوانية فتفشي الإرهاب وقلة الخدمات والانشغال بصراعات الاستحواذ على الثروات وانتشار الفساد كلها امور قد تكون قنبلة موقوتة لا تبشر بخير اذا غفلت الجهات المعنية في إيجاد الحلول المناسبة لها.