اخر الاخبار

تعاني العملية التعليمية بشقيها المدرسي والجامعي، من تخلف مركب ومتصاعد، قاد الى تبوّء العراق الموقع 123 في مؤشر التنمية البشرية العالمي، محققاً 0.674 نقطة، أي بنسبة 7 في المائة دون المتوسط الدولي. ويبدو ان اسباباً متعددة ومتداخلة، وفي مقدمتها سياسة المحاصصة والإحتكار الحزبي والفساد، تقف وراء هذه المشكلة، دون أن تهتم الحكومات المتعاقبة والطغمة المتنفذة، بالآثار الخطيرة المترتبة على ذلك، أو تسعى لمعالجتها والتخفيف من نتائجها الكارثية.   

نقص حاد في المدارس  

منذ سنوات، تعاني البلاد من نقص مريع في المدارس واكتظاظ الطلبة في الصف الواحد، حيث يصل الحد الأدنى للأبنية المدرسية الى اكثر من 10000 مدرسة. 

واشارت مفوضية حقوق الإنسان، على لسان الناطق بإسمها علي البياتي، الى حاجة العراق لأربعة آلاف مدرسة ابتدائية، وثلاثة آلاف مدرسة ثانوية، لمعالجة مشكلة الدوام الثنائي والثلاثي، ما يعني أنّ الحاجة أكبر بكثير من هذا العدد في ظل تزاحم التلاميذ والطلبة في الصف الواحد. 

وأشّر البياتي في تصريح سابق أطلعت عليه “طريق الشعب”، وجود 1500 مدرسة ابتدائية و275 مدرسة ثانوية قديمة وآيلة للسقوط، ونحو 820 مدرسة مبنية من الطين أو مقامة في مخيمات أو كرفانات، تفتقر لكل المواصفات المطلوبة لإنجاز العملية التربوية. 

وفي محافظة ذي قار، التي استنكر الرأي العام، أخيرا، حادثة افتراش تلاميذ احدى مدارسها العراء لأداء الإمتحانات، يلقي المحافظ باللوم على المسؤولين السابقين، لأن ملف الخلاص من المدارس الطينية، يعتبر من الملفات العالقة؛ حيث احيل مشروع بناء 107 مدارس للتنفيذ عام 2012، ثم توقف التنفيذ عام 2014 بسبب التقشف، ثم احيل المشروع الى شركة منفذة جديدة، بعد فشل السابقة، وهكذا. 

الأميّة والشهادات المزورة

وأدى الفشل الذي رافق العملیة السیاسیة بعد العام 2003 ، الى زيادة مريعة في اعداد الأميين لا سیما بین صفوف النساء، حيث يشير التربوي محمد علي سلمان في تصريح لـ”طريق الشعب” الى أن هناك تعددا في أشكال الأمية: أمية ابجدية شملت أكثر من 12 مليون عراقي، حسب تقارير الأمم المتحدة، أمية حضارية، تتمثل في الجهل بالمعارف المختلفة لاسيما الحديثة منها، وانتشار ظاهرة الشهادات المزورة. وكمثال عليها الإعلان عن منح جامعة لبنانية 27 ألف شهادة جامعيّة مزوّرة لطلاب عراقيين، بقيمة 5000 دولار للماجستير وضعفها لشهادة الدكتوراه. وهناك مسؤولون في مناصب حساسة كانوا قد تحصلوا عليها. 

ويضيف سلمان ان “تسرب الطلبة من المدارس زاد بنسبة 34 في المائة، لأسباب عديدة: اجتماعية واقتصادية وتربوية”.

ويشير الى ان هناك “إهمالا متعمدا لقانون التعلیم الإلزامي، فلم يحاسب أحد حتى الآن على جرائم تزوير الشهادات، لا سيما بين النواب والوزراء”. 

وحول اعلان وزارة التربية عن نجاحها في تعليم مليوني أميّ خلال عقد من الزمن، يشير تربويون الى ان التنفیذ الفعال لبرامج مكافحة الأمیة یستلزم تعبئة العاملین في المكافحة وتوفیر الإحتیاجات وتوزیع الإمكانیات بشكل عقلاني ومثمر، وإدارة الحملات بطریقة دیمقراطیة. 

ويشدّد التربويون في أحاديثهم لـ”طريق الشعب” على ضرورة “إيجاد برامج وقائية من عودة الأمية، لأن الارتداد من صفوف المتعلمین الى صفوف الأمیین، أكبر الأخطار التي تواجه برامج مكافحة الأمیة. لھذا لا بد من تغییر نظرة المجتمع الى الأمیة، من كونھا حالة مقبولة ومتعایش معھا الى كونھا حالة تخلف حضاري وإجتماعي تضر بالوطن ومستقبله والفرد ودوره على الصعید الشخصي والعام”. 

جامعيون ولكن..!

وفيما تُحسب العديد من الجامعات العراقية، خارج مؤشرات التطور ومقاييس تقييم المستويات العلمية، أو تحتل بعضها مواقعَ متأخرة في تلك المؤشرات، لافتقادها الشروط الأساسیة المعتمدة في الجامعات العالمیة، يواصل القائمون على التعليم العراقي، ذات السياسة المتخلفة التي تّركز على الكم المعرفي، ولا تشجع على الإبداع في التعليم والتعلم، والتي تحول المؤسسات الجامعية تدريجياً لمؤسسات تجارية للربح الفاحش. 

ويشير الأستاذ الجامعي المتقاعد د. جاسم محمد حافظ في تصريح لـ”طريق الشعب” الى ان الطالب “يُدفع للحصول على شهادة علمية بغض النظر عما إذا كانت تناسبه أم لا، ويحمل الشهادة دون أن نعرف ما إذا كان قد تعلم شيئاً أم لا، لاسيما وان هناك وحسب إحصائيات الأمم المتحدة لسنة 2019 وحدها نحو 50 ألف خريج، حصل 2000 منهم فقط على عمل. فيما أكدت احصائيات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لعام 2020 أن هناك 1.6 مليون عاطل جامعي منهم 10 آلاف، من حملة الشهادات العليا”. 

ودعا د. حافظ الى “إخراج البلاد من مصيدة الاقتصاد الريعي، الذي لا يوفر عملاً لأكثر من 3 في المائة من عموم العاطلين، وتفعيل القطاعات الانتاجية”. 

وأكد على “تشجيع الإبتكار والتفكير النقدي بين الطلبة الجامعيين، وتوسيع أفقهم وتحريرهم من التابوات، وتطوير وتحديث المناهج، والعودة للتعليم المجاني الجاد والمتطور، وانهاء التعليم الخاص، بإعتباره مخالفاً لحقوق المواطن التي نصّ عليها الدستور، وخلق سياسة متناغمة بين القبول في الجامعات وبين حاجة سوق العمل والبرامج التنموية للمهارات والشهادات”.

المعدلات والإمتحانات الوزارية

وفي لقاءات أجراها مراسل “طريق الشعب” مع عدد من طلبة السادس الإعدادي، الذين يتهيؤون للامتحانات الوزارية بعد أشهر قليلة، تبين أن نفقات الدروس الخصوصية، تثقل كاهل عوائلهم، لكنهم لا يجدون حلا آخر لاستيعاب المناهج.

ويبرر الطلبة لجوءهم إلى التدريس الخصوصي “بسبب الإهمال في المدارس وعدم توفر البيئة التربوية والتعليمية المناسبة”.

ويشير الطالب مصطفى اسماعيل في هذا السياق الى “غياب المنافسة العادلة عند القبول في الجامعات، لأن القبول لا يعتمد على معدل الدرجات في امتحان البكلوريا فقط، بل هناك اضافات أخرى من جهة، وطلبة يحققون درجات عالية جداً، بطرق لا علاقة لها بمثابرتهم من جهة أخرى”.