اخر الاخبار

مع استمرار ظاهرة الجفاف، تزداد درجات الحرارة في العراق بسرعة تفوق سرعة ارتفاعها في العالم بحوالي 700 في المائة (او ما يعادل 2.5 درجة مئوية)، في استجابة قاسية للإحتباس الحراري وفي تحد صارخ للسكان والحكومة والقوى المهتمة بالبيئة.

سوء الادارة والفساد

وتشتد الظاهرة صعوبة، حين تقترن بسوء ادارة المياه، وفساد المؤسسات ذات الصلة، والفشل في التوصل الى اتفاقيات تعاون مائي مع دول الجوار، والإختراقات المتكررة للأمن المحلي وما يهدد السلم الأهلي، والتصحر الواسع النطاق، حيث يفقد العراق 100 الف دونم من الأراضي الصالحة للزراعة كل عام، وحيث تقل المياة الصالحة للأستهلاك البشري بشدة، وحيث لا يتم الإعتراف بهذه الظاهرة كتهديد أمني للبلاد ومستقبلها، رغم مصادقة الحكومة العراقية على اتفاقية باريس للمناخ.

والى جانب التأثيرات السلبية للظاهرة على الاقتصاد الزراعي، فإنها تسبب كل يوم في هجرة مئات الالاف من الفلاحين من الريف الى المراكز الحضرية، وهو أمر يترك اثاراً شديدة التعقيد على المجتمع، منها زيادة التوترات الاجتماعية والاقتصادية بين المهاجرين وسكان المدن، واشتداد البطالة واتساع قاعدة الفئات المهمشة، وتفشي الجريمة بانواعها المختلفة، وتمزيق وحدة الشغيلة. كما تترك هذه الهجرة السريعة والمفاجئة، أثارها السلبية على توفر الخدمات كالتعليم والصحة والطرق والسكن وغيرها، تلك الخدمات التي يعاني العراقيون أصلاً من ترديها. 

حرق الغاز

مراسلة محطة PBSO ، سيمونا فولتين، أشارت من جانبها، في تقرير لها ضمن سلسلة تقاريرها حول تحديات التغيير المناخي، الى وقوع العراق، البلاد المنتجة للنفط وثاني أكبر مسبب لحرق الغاز في العالم، على الخطوط الأمامية لأزمة المناخ. وذكرت فولتين بان حرق الغاز في العراق يشكل 15 في المائة من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم. وقد تعهدت الحكومة بالقضاء على حرق الغاز بحلول عام ، 2027، حيث أعلن وزير النفط العراقي بإن البلاد خصصت أكثر من خمسة مليارات دولار أمريكي لمشاريع الغاز، قائلاً “ سنؤمن التمويل اللازم لتنظيم إدارة الغاز في كل العراق، وسنؤمن التمويل لتحسين المصفاة، وكذلك لتغيير الوقود السائل في جميع محطات توليد الطاقة ليكون وقوداً بالغاز”. ويعتقد بعض المختصين من ان العراق، كبلد متوسط الدخل، سيعاني كثيراً قبل أن يفي بوعوده هذه. 

تهديد حقيقي

وعلى صعيد مكمل، أكدت فولتين على أن أهوار بلاد ما بين النهرين، حيث ظهرت الحضارة الإنسانية قبل 7000 عام، مهددة اليوم، بشراً وموطناً، بسبب الجفاف. فبعد إن نقص متوسط هطول الأمطار السنوي خلال العشرين سنة الماضية بنسبة 10 في المائة مما كان عليه في العقود الثلاثة السابقة، إنخفضت مناسيب المياه وزادت الملوحة، وصارت المنطقة اقل ملائمة لحياة الإنسان والحيوان والنبات على حد سواء، فيما اشتد الفقر، وصار دخل الفرد اليومي لايزيد عن 7.5 دولار في اليوم!

ونقلت فولتين عن سكان المنطقة قولهم بأنهم يعتمدون على الأنشطة الاقتصادية المائية وتربية الجاموس وحصاد القصب والأعشاب، وكلها ستختفي مع اختفاء الماء، حيث لم يبق من مساحات الأهوار اليوم سوى 2000 ميل مربع، وهو ما يشير الى خسارة 75 في المائة من حجمها الأصلي. كما خسرت العوائل هناك  80 في المائة من أعداد الجاموس الذي كانت معتادة على تربيها سابقاً حسب المجلس النرويجي للاجئين. 

خسائر مستمرة

ويبدو، حسب المراسلة الصحفية، ان الوقت ينفذ بالنسبة للمزارعين العراقيين، الذين خسروا الكثير من محاصيلهم خلال العامين الماضيين و على نطاق واسع في جميع أنحاء العراق. وتنقل عن عدد من الخبراء بأن العراق بحاجة ماسة إلى استثمارات لتحديث الري. لكن الفساد وسوء الإدارة متجذران بعمق، فتهدر أموال النفط التي يمكن استخدامها في برامج التكيف مع المناخ.

ولمواجهة هذه المشاكل المعقدة، يدعو المدافعون عن البيئة من العراقيين، الحكومة للإيفاء بإلتزاماتها تجاه تخفيف حجم الكارثة، عبر العناية بالريف وتزويد سكانه بالخدمات الاساسية، وتوفير مياه الري والمياه الصالحة للشرب ومكافحة التصحر والتوسع في زراعة الغابات ومعالجة مشاكل النفايات والمخلفات الكيمياوية، ودعم حماة البيئة ومنظمات المجتمع المدني ذات العلاقة، وتعزيز أفاق الأستثمار الأجنبي في الطاقة المتجددة، وضمان سلامة النشطاء، ورفع مستوى الوعي لدى العراقيين بضرورة صيانة البيئة، لأنها بيت الجميع. كما لابد أن يتسع التعاون مع دول العالم الصديقة ومع المنظمات الدولية في دعم بناء القدرات في مجال النشاط المناخي، لاسيما بعد النتائج المخيبة للآمال التي أثمرت عنها قمة غلاسكو للمناخ عام 2021.