تشكل البقع السوداء الناتجة عن مياه الصرف الصحي الراكد في محافظة ديالى، تهديداً بيئياً وإنسانياً متصاعداً، بعد أن أودت بمصرع طفلين في قرية السناجرة. هذه المستنقعات لا تقتصر خطورتها على غرق الأطفال، بل تُعد بيئة خصبة لتفشي الأمراض، ما يجعل التصدي لها ضرورة عاجلة، تتطلب تحركاً سريعاً من السلطات المحلية والمراكز الصحية، لحماية حياة المواطنين والبيئة على حد سواء.
خطر مضاعف
وأعلنت مفوضية حقوق الإنسان، عن الحاجة الملحة لإنهاء ما وصفته بـ"البقع السوداء" لمياه الصرف الصحي في المحافظة، بعد حادث مأساوي أودى بحياة طفلين.
وقال مدير مكتب المفوضية في ديالى، صلاح مهدي، أن "الطفلين لقيا مصرعيهما إثر غرقهما في مستنقع لمياه الصرف الصحي بالقرب من قرية السناجرة في ناحية جباره شمال شرق ديالى"، مشيرا إلى أن الحادثة أثارت قلق الرأي العام وسلطت الضوء على المخاطر البيئية لهذه المستنقعات، والتي تزيد من احتمالية انتشار الأمراض، وتشكل خطراً على حياة الأطفال والمواطنين.
ودعا مهدي إلى اعتماد استراتيجية شاملة لمعالجة مستنقعات المياه الراكدة ومياه الصرف الصحي في جميع مناطق المحافظة، مؤكداً أن هذه الإجراءات العاجلة ضرورية لتفادي وقوع المزيد من الكوارث وخسارة الأرواح، مؤكدا أن مكافحة "البقع السوداء" ليست مجرد مسألة بيئية، بل قضية إنسانية عاجلة، تتطلب تنسيقاً بين السلطات المحلية والمراكز الصحية لضمان سلامة السكان، خصوصاً الأطفال.
التلوث مصدره المجاري
من جهته، ذكر مدير الموارد المائية في محافظة ديالى مهند علي، أن مياه الشرب المجهزة للمواطنين صالحة للاستخدام وخالية من الملوثات، نافياً ما أشيع مؤخراً حول وجود بقع داكنة تؤثر على نوعية المياه في نهر ديالى.
وقال علي لـ "طريق الشعب"، ان دائرته لم ترصد أية بقع داكنة في نهر ديالى أو في مجرى المياه التي تُستخدم للشرب، حيث تعمل جميع محطات الإسالة في المحافظة، والبالغ عددها أكثر من 200 محطة، بشكل طبيعي، وتضخ مياها صالحة للاستهلاك اليومي في جميع مناطق المحافظة.
وفيما يخص قضية تصريف المياه الثقيلة، أوضح علي أن المشكلة تكمن في قيام بعض شبكات الصرف الصحي بتصريف المياه إلى نهر ديالى من دون معالجة، مؤكداً "رفع أكثر من عشر دعاوى قضائية ضد دائرة مجاري ديالى، بسبب وجود مصبات لمياه المجاري، تُصرف بشكل مباشر في النهر، وهو ما يمثل التحدي الأكبر الذي نواجهه كمؤسسة معنية بالموارد المائية".
وأضاف أن "المديرية وجهت عدة مخاطبات رسمية للجهات المعنية لمعالجة هذه المشكلة"، مشدداً على أن "التلوث الظاهر في بعض المناطق يعود بالدرجة الأساس إلى مياه الصرف الصحي غير المعالجة، وليس إلى مياه الشرب المجهزة عبر محطات الإسالة".
المياه الراكدة مصنع للأمراض
فيما أعرب أحمد الزبيدي، ناشط بيئي من محافظة ديالى، عن قلقه الشديد إزاء انتشار "البقع السوداء" لمياه الصرف الصحي في المحافظة، مؤكداً أن الإهمال المستمر في التعامل مع هذه المستنقعات، أدى إلى تفاقم المخاطر البيئية والصحية.
وقال الزبيدي في حديث لـ "طريق الشعب"، إن "هذه البقع ليست مجرد مياه راكدة، بل مصانع للأمراض ومهدد دائم لحياة الأطفال والمواطنين. حادثة وفاة الطفلين دليل صارخ على فداحة الإهمال"، مضيفا أن "المشكلة تكمن في غياب الرقابة الصارمة على شبكات الصرف الصحي وتصريف المياه دون معالجة. إذا استمر هذا الوضع، فإننا سنشهد المزيد من الفواجع البيئية والإنسانية".
ودعا الزبيدي الجهات المعنية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وشاملة لإزالة مستنقعات مياه الصرف ومعالجة البقع السوداء في كل أنحاء المحافظة، مشدداً على أن حماية البيئة هي في الوقت نفسه حماية لحياة الناس وحقهم في العيش بسلام وأمان.
من منبع عذوبة الى مكب نفايات
أما الباحث والناشط البيئي فلاح الأميري، من شبكة البصرة لحماية وتحسين البيئة، فقد شكا من تدهور حالة نهر ديالى، مؤكداً أن هذا النهر الذي كان في السابق من أشهر الأنهار العذبة والجميلة في العراق، أصبح اليوم يعاني من مستويات عالية من التلوث، تهدد الزراعة والمجتمعات المحلية والصحة العامة.
وقال الأميري لـ"طريق الشعب"، ان النهر كان سابقاً يغذي المناطق على طرفيه بمياه الري والشرب والاستخدامات اليومية، إلا أن ما نراه اليوم يختلف تماماً عن تاريخه. أصبح النهر الآن بؤرة للتلوث ومكباً للنفايات بمختلف أنواعها، بما في ذلك المياه الثقيلة للمجاري.
وأضاف أن التوسع العمراني وتحويل الأراضي الزراعية إلى مناطق سكنية زاد من معدلات التلوث، مضيفاً ان "من الأخطار المهمة لتلوث مياه نهر ديالى تأثيره السلبي على الزراعة، وتحول المناطق المحاذية للنهر إلى أراض جرداء، بالإضافة إلى تغير أنواع النباتات وارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض عند استخدام مياه النهر للشرب أو الري، حتى أصبح النهر لا يصلح لأي استخدام تقريباً.
وأوضح الأميري، أن هذا الوضع يعكس تجاهل ملف إدارة المياه في العراق، مشيراً إلى أن العالم كله يعاني من شح المياه، والعراق متأثر بشكل كبير بالتغير المناخي "ومع ذلك، ما زلنا نهمل موضوع إدارة المياه والحفاظ عليها في ظل شحها".
ولفت إلى أن "الاعتقاد السائد بأن مياه نهري دجلة والفرات في الجنوب هي الأكثر تلوثاً لم يعد صحيحاً بعد مشاهدة الوضع في نهر ديالى، الذي يعد من أهم الأنهار في البلاد، لكنه اليوم الأكثر تلوثاً". وأكد "ضرورة تبني سياسات جديدة وحديثة لإدارة المياه والمحافظة على الكميات المتوفرة".
ودعا أصحاب القرار إلى التعامل مع هذه المسألة بجدية لحماية ما تبقى من الموارد المائية.