اخر الاخبار

تتفاقم أزمة السكن في العراق وسط محاولات حكومية متواصلة لحلها عبر بوابة الاستثمار، إلا أن الواقع يكشف عن تحديات متشابكة، تتوزع بين تعقيدات إدارية وغياب العدالة الاجتماعية في توزيع المشاريع، ما يثير تساؤلات جادة حول جدوى الحلول المطروحة ومن تُخاطب فعلاً.

نائب يؤشر مشكلات البيئة الاستثمارية

وقال نائب رئيس لجنة الاستثمار النيابية، حسين السعبري، أن التحديات الأساسية التي تعيق تنفيذ المشاريع الاستثمارية السكنية في العراق، لا تتعلق بالمستثمرين، بل تنبع من الإجراءات الحكومية المعقدة وتعامل الدوائر الرسمية.

وأضاف السعبري في حديث لـ"طريق الشعب"، إن "العديد من المعوقات تحصل لدى الجهات ذات العلاقة مثل وزارة المالية، دائرة عقارات الدولة، البلديات، ودائرة الماء والمجاري"، مبينا أن "قانون الاستثمار يتضمن آليات واضحة للمحاسبة والرقابة، منها سحب الإجازة أو فرض غرامات تأخيرية على المشاريع المتلكئة"، لكنه لا يحمل المستثمر وحده المسؤولية، فالعقبة الحقيقية تكمن في عدم تعاون الجهات الخدمية، وغياب التنسيق بين المؤسسات".

وفي ما يتعلق بثقة المواطنين بالمجمعات السكنية، أوضح السعبري أن "الإقبال على شراء الوحدات السكنية في المجمعات ازداد بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الماضية، مما يشير إلى تحسن نسبي في الثقة العامة، إلا أن ذلك لا ينفي استمرار المشاكل والمعوقات التي تثقل كاهل المستثمرين، خصوصاً ما يتعلق بتأخير إيصال الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والمجاري، وهو ما يضع المستثمر في دائرة مغلقة من الانتظار والابتزاز".

وشدد على أن حل هذه الإشكالات يتطلب إرادة حقيقية من مؤسسات الدولة لتوفير بيئة استثمارية آمنة وعادلة، تساهم في تقليص أزمة السكن وتعزيز الثقة في القطاع الخاص.

أزمة ثقة بين المواطن والمستثمر

وعلى الرغم من التصريحات الحكومية والبرلمانية التي تتحدث عن تحسن نسبي في واقع الاستثمار السكني، إلا أن أصواتا من داخل الوسط الاقتصادي ترسم صورة مختلفة، بل وتدق ناقوس الخطر حول ما تسميه "الانحراف الجوهري في فلسفة الاستثمار السكني في العراق".

الخبير الاقتصادي علي نجم العبدالله يرى أن البلاد تعاني من أزمة ثقة متفاقمة بين المواطن والمستثمر، وهي ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة تراكمات ناتجة عن مشاريع لم تتجز، ووعود لم تنفذ، وغياب إطار قانوني صارم يضمن حقوق المواطنين في السكن الآمن والمناسب.

ويؤكد العبدالله في حديثه لـ "طريق الشعب"، أن "البيئة الاستثمارية اليوم تدار بعقلية تجارية بحتة، لا تأخذ في الاعتبار احتياجات المواطنين الحقيقية"، مشيرا إلى أن المواطن العراقي "أصبح يشعر بأن المجمعات السكنية تبنى لخدمة قوى المال والنفوذ، لا لتلبية حاجة الأسر الباحثة عن بيت يؤويها".

ويقول علي، أن "المجمعات السكنية التي تُشيّد اليوم تُقدم على أنها حلول لأزمة السكن، لكنها في الواقع تُعمق المشكلة بدل أن تحلها، فالمشكلة لا تكمن فقط في الشكل المعماري أو التوسع العمراني، بل في الفئة المستهدفة من هذه المشاريع، والتي غالبا ما تكون من ذوي الدخل المرتفع، بينما يتم تهميش الفئات الأكثر احتياجا، وعلى رأسهم الشباب وذوو الدخل المحدود".

ويضيف أن هذه المشاريع، التي يُفترض أن تُسهم في تعزيز الاستقرار الأسري والمجتمعي، تتحول تدريجيًا إلى "عنوان جديد للإقصاء الاجتماعي، وغياب جانب العدالة في التخطيط العمراني"، فالعدالة السكنية لا تعني فقط توفير وحدات سكنية، بل ضمان وصول الفئات الأقل حظًا إليها، ضمن تخطيط حضري يراعي العدالة الاجتماعية ويحد من مظاهر التمايز الطبقي.

المستثمر.. المستفيد الوحيد

فيما حذر الناشط السياسي علي القيسي من استمرار النهج القائم في إدارة ملف الاستثمار السكني في العراق، واصفا الواقع الحالي بأنه يعكس خللا بنيويا عميقا، يتسبب في تعميق أزمة السكن بدل من حلها، ويُقصي الفئات الأَولى بالاسكان.

وأوضح القيسي لـ"طريق الشعب" أن أزمة الثقة بين المواطنين والمستثمرين تعود بالأساس إلى التناقض الصارخ بين ما يُعلن عنه في العقود أو التصريحات الرسمية، وبين ما يُنفذ على أرض الواقع، مشيرا إلى أن "أغلب المجمعات السكنية أُقيمت على أراضٍ زراعية أو خضراء، رغم الوعود بتخصيص مساحات للحدائق والمتنزهات، لكن الحقيقة أن هذه المساحات تُستغل لاحقًا لأغراض البناء، وسط غياب شبه تام للرقابة من الجهات المعنية".

واعتبر القيسي أن هذا النمط من التوسع العمراني لا يقتصر ضرره على البيئة أو التخطيط الحضري، بل يمتد إلى البعد الاجتماعي، حيث تُسوق الوحدات السكنية بأسعار باهظة لا تُناسب الغالبية العظمى من العراقيين.

وقال انه "في بعض مناطق بغداد، لا يقل سعر المتر الواحد عن ألف دولار، رغم أن المستثمر يحصل على الأرض مجانا، ويتمتع بإعفاءات جمركية وضريبية كبيرة على المواد الأولية".

وأضاف ان "المفارقة المؤلمة أن المشاريع السكنية التي يُفترض أن تحل أزمة السكن للفقراء والطبقة الوسطى، باتت تصمم وتسعر بما يخدم مصالح السياسيين، والتجار، والمتنفذين، لتتحول إلى أدوات ربح سريع لا علاقة لها بعدالة التوزيع أو تخفيف العبء عن كاهل الناس".

ورأى القيسي أن ما يحدث يعكس فلسفة مشوّهة في التخطيط العمراني، تضع الأرباح في مقدمة الاعتبارات، وتغفل عن كون السكن حقًا أساسيا لا يجب التفريط فيه، مؤكدا أن "الموظفين وأصحاب الدخول المحدودة، الذين يمثلون العمود الفقري للمجتمع، أصبحوا خارج حسابات هذه المشاريع، وهم الأَوْلى بالحصول على سكن كريم في وطنهم".

وفي ختام حديثه، دعا القيسي الحكومة والمؤسسات المختصة إلى إعادة النظر جذريا في سياسات توزيع الأراضي والتخطيط الحضري، مؤكدا أن الحل يبدأ من تغيير النظرة إلى السكن، من سلعة مربحة إلى حق إنساني واجتماعي.

وزاد بالقول انه "لا يمكن مواجهة أزمة السكن المتفاقمة دون تبني رؤية شاملة توازن بين احتياجات السوق ومبادئ العدالة الاجتماعية. المطلوب ليس فقط إصلاح السياسات، بل تغيير فلسفة الاستثمار من جذورها، لتكون في خدمة الإنسان لا على حسابه".

عرض مقالات: