اخر الاخبار

ومنذ سنوات العراق يواجه ضررا كبيرا في موارده من نهري دجلة والفرات وروافدهما، بسبب استمرار دول المنبع تركيا وإيران، في إنشاء السـدود والمشاريع الإروائية الضخمة، التي تستحوذ على غالبية الحصص المائية، ما ينجم عنها انخفاض بالإيرادات المائية الواصلة إلينا. 

ووفقا لتقرير مؤشر الإجهاد المائي، فان “العراق سيكون أرضا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران إلى المصب في الخليج العربي”، مشيرا الى أنه “في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جدا في عموم البلاد، مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد”.

ويتميز العراق بوجود الرافدين العظيمين ـ دجلة والفرات ـ اللذين ينبعان من تركيا. ويتشارك مع سوريا في نهر الفرات، الذي يمر بأراضيها قبل دخوله مدينة القائم غرب البلاد. ويتغذى هذا النهر من روافد تنبع من تركيا. أما نهر دجلة فتغذيه الأنهار الفرعية القادمة من تركيا وإيران. والأخيرة تشترك في أكثر من 42 نهراً فرعياً تنبع منها وتصب في العراق.  

العراق يخسر نصف مياهه

وفق اوراق بحثية عراقية يُقدر التدفق الطبيعي لمستجمعات مياه الفرات ما بين 27,0 إلى 35,1 مليار متر مكعب/ السنة، في حين يصل تدفق متسجمعات مياه دجلة، بما في ذلك روافده، ما بين 41,2 إلى 58,3 متر مكعٌب/ السنة، الا ان كمية التدفق السطحي انخفضت بسبب انخفاض التدفق عند المنبع بما نسبته 30 في المائة. ومن المتوقع أن يزداد هذا التأثير في السنوات العشرين المقبلة، ما يحد من المياه المتاحة للعراق، بما تصل نسبته 60 في المائة.

وبحسب إحصائيات شبه رسمية، انخفضت معدلات إيرادات نهري دجلة والفرات بحوالي النصف عن معدلاتها الطبيعية خلال الأعوام الماضية.

في هذا السياق، يقول وزير الموارد المائية، مهدي رشيد، إن “منسوب المياه في نهري دجلة والفرات، اللذين ينبعان من تركيا انخفض بنسبة تصل إلى 50 في المائة “.

واضاف أن “إيران خفضت تدفق المياه إلى سد دربنديخان إلى “الصفر” وخفضت كمية المياه المتدفقة إلى سد دوكان بنسبة “تصل إلى 70 في المائة”. ويقع كلا السدين في إقليم كردستان العراق”.

فيما يشير الباحث الاقتصادي محمد الحمداني إلى أن “العراق خسر 30 في المائة من كمية المياه التي كان يحصل عليها من نهري دجلة والفرات”، مشيرا الى أنه “سيخسر خلال سنوات 50 في المائة من حصته المائية، دون أن تشمل هذه النسبة الخسارة المتأتية من التأثيرات المناخية والاحتباس الحراري”. 

وتؤكد لجنة الزراعة والمياه في البرلمان، ان “العراق خسر في السنوات العشر الاخيرة نحو (80 في المائة) من المياه المتدفقة إليه من إيران بعد قطعها نحو (35) رافداً رئيسياً، والمتبقي هو (7) روافد إيرانية فقط”.

ويقول المستشار في وزارة الموارد المائية، عون ذياب عبد الله، ان “هناك تحديات جمة تواجه العراق خاصة مع وجود مؤشرات تنذر بنقص واردات المياه، مع زيادة أعداد سكان العراق ودول الجوار، إضافة إلى المؤشرات المناخية”، لافتًا إلى أن المؤشرات الاستراتيجية لوزارته تتوقع أن يشهد العراق عام 2035 نقصا في المياه يقدر بـ 11 مليار متر مكعب.

أسباب شح المياه 

وطبقا للوزارة، فقد أدت السياسة المائية التركية إلى انخفاض منسوب النهرين إلى معدلات غير مسبوقة؛ إذ انخفضت المياه أكثر من 5 أمتار، أي ما يعادل نصف ما كانت عليه المناسيب مقارنة بالأعوام السابقة.

ويعزو وزير الموارد المائية السابق عبد اللطيف جمال رشيد، السبب الرئيس الى انخفاض مناسيب مياه النهرين هو “تصرفات دول الجوار والمقصود بها الخطة التشغيلية المائية لتركيا وسورية وإيران، حين انشأت السدود ومشاريع الري، ولا تزال مستمرة في إنشاء مزيد منها”. 

ويبين بالقول: “تقلّ الإيرادات المائية الحالية لنهري دجلة والفرات كثيراً عن معدلاتها الطبيعية مقارنة بالسنوات السابقة، إذ كان المعدل السنوي لـواردات عمود نهر دجـلة 19.43 بليون متر مكعب ويبلغ المعدل العام لإيراداته مع روافده 49.48 بليون متر مكعب، ولنهـر الفرات 30.3 قبل إنشاء مشروع الكاب التركي”.

ومطلع حزيران 2021 حذرت لجنة الزراعة والمياه والاهوار النيابية من انخفاض مناسيب مياه الفرات في البلاد خلال الفترة المقبلة، على ضوء اعلان مسؤول في شمال سوريا والمرصد السوري لحقوق الإنسان المتضمن “انخفاض منسوب مياه نهر الفرات بأكثر من 5 امتار، ولأول مرة في تاريخه، بسبب حجب تركيا لمياه النهر ضمن السدود، بحيث بات لا يتجاوز تدفقه 200 متر مكعب في الثانية. في حين يوجد اتفاق سابق يلزم تركيا بإطلاق 500 متر مكعب في الثانية على الأقل يتقاسمها العراق وسوريا”.

وتلك الحصة تقسم ضمن اتفاق ثان بنسبة 58في المائة للعراق، و42في المائة لسوريا، لكي يصل عند الحدود العراقية السورية في منطقة حصيبة نحو 290 مترا مكعبا في الثانية كحد أدنى.

«الغاب» أضخم المشاريع 

وظهرت مشكلة شح المياه في العراق وسوريا بشكل واضح بعد بدء تركيا لمشروع جنوب شرق الأناضول (مشروع الغاب) في سبعينات القرن الماضي، حيث استحوذت على 60 في المائة من نهري دجلة والفرات، وسوف تتحكم بالمياه بشكل كامل عند الانتهاء من المشروع. 

يعد مشروع (الغاب) من أضخم المشاريع في العالم من حيث الكلفة والمساحة؛ فالتقديرات تشير الى تكلفته بحدود 32 مليار دولار. اما المساحة فيشمل ثماني محافظات. ويروي ما يصل لـ 85 مليون هكتار أي نحو 19 في المائة من مساحة الأراضي المروية في تركيا. كما يوفر 106 مليون فرصة عمل جديدة في هذه المناطق ذات الأكثرية الكردية.

ويتألف الغاب من 22 سداً بواقع 14 سدا على نهر الفرات منها خمس سدود عملاقة، أبرزها سد أتاتورك، و8 سدود على نهر دجلة واكبرها سد إليسو و19 محطة للطاقة الكهربائية ومشروعات أخرى متنوعة في قطاعات الزراعة والصناعة والمواصلات والري والاتصالات. 

وفقا للخبراء يعادل سد أليسو الحجم الكلي لجميع السدود العراقية، ويمنع ما يعادل 56 في المائة من كمية المياه المتدفقة إلى العراق، وسيحرمه من ثلث أراضيه الصالحة للزراعة. 

سياسات إيران المائية 

اتبعت إيران سياسة حجز مياه الانهار التي تنبع من أراضيها، وتدخل الاراضي العراقية عبر تحويل مساراتها في قنوات مائية الى داخل اراضيها، وأقيمت سداد لها تأثير مباشر على انسيابية حركة المياه إلى العراق.

ونبّهت جهات حكومية رسمية ومحلية الى اقدام إيران على قطع المياه عن أكثر من 35 رافدا وجدولا موسميا ودائميا، كانت تغذي الاهوار في جنوب العراق، فضلا عن تغذية النهر بما مقداره 12 في المائة ، ما أدى إلى جفاف آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية وحرمت سكاناً من مصدر لمياه الشرب.

ومن أبرز الانهار التي قطعها الجانب الايراني نهر الوند الذي يبلغ طوله حوالي 50 كم، يدخل العراق جنوب شرق مدينة خانقين، ليتجه شمالاً ويلتقي بنهر ديالى شمال مدينة جلولاء. ويعتبر شريان الحياة لمدينة خانقين. 

وتعرض النهر الى عمليات جفاف في الأعوام 2007 ـ 2009، غير ان الحكومة العراقية أعلنت رسميا في تموز عام 2011 ان “إيران أوقفت منابع نهر الوند الداخلة إلى الأراضي العراقية بشكل كامل”.

كذلك قامت إيران بتحويل مسارات أنهار الكرخة والكارون والطيب، وآخرها نهر هوشياري الذي يغذي محافظة السليمانية إلى داخل أراضيها، وبنت عليها سدوداً عدة من بينها خمسة سدود على نهر الكارون.

وأعلنت حكومة إقليم كردستان، أن “إيران غيرت مجرى نهر الكارون بالكامل، وأقامت ثلاثة سدود كبيرة على نهر الكرخة بعدما كان هذان النهران يمثلان مصدرين رئيسين لمياه الإقليم والعراق ككل”.

من جهتها، اتهمت وزارة الموارد المائية، إيران بقطع مياه نهري “سيروان” و”الكارون” عن البلاد، ما تسبب بشح المياه في محافظة ديالى، والتأثير على نوعية المياه في شط العرب أقصى الجنوب، وتراجع مناسيب سدي دوكان ودربنديخان في محافظة السليمانية إلى مستويات غير مسبوقة، وصلت إلى نحو 100 في المائة بأحد السدين.

وبشأن قطع الروافد المائية عن المناطق الشرقية للعراق، قال وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني إنها “ليست المرة الأولى التي تقوم بها إيران بذلك، وسبق أن قامت بتحويل مجرى نهر الكارون عن شط العرب وتحويله إلى منطقة بهمنشير الإيرانية”.

ومن وجه نظر وزير الموارد المائية السابق حسن الجنابي، “أن السدود الإيرانية صغيرة، لكن عددها كثير وكأنها سد كبير”.

فيما قالت الحكومة الإيرانية على لسان وزارة الطاقة التي تنفذ عمليات بناء السدود ان “عدد السدود في إيران وصل الآن إلى حوالي 550 سداً بمختلف الارتفاعات والطاقات والانجازات والتقنيات، منها خاص بالزراعة، ومنها حصر المياه للاستفادة منها وأكثر السدود المشيدة هي لانتاج طاقة الكهرباء بواسطة تحريك المضخات والمولدات الكبيرة بقدرة ضغط تدفق شلالات المياه المحصورة وراء السدود العملاقة”.

يذكر ان سد كولسه في منطقة سردشت الإيرانية تسبب بتراجع 80 في المائة من منسوب نهر الزاب الصغير الذي يصب في نهر دجلة، ما أدى إلى أزمة في توفير مياه الشرب في قضاء قلعة دزة بمحافظة السليمانية.

اما سد داريان الذي يبلغ ارتفاعه 169 مترا فيقع على نهر ديالى، قبل ان يعبر الى العراق ويعد أكبر مشروع سد في إيران، وضمن مشروع مياه إيران الاستوائية التي تضم 14 سدا آخر، تبلغ طاقة استيعابها بحدود 19 مليار متر مكعب، فضلا عن 150 كم من الانفاق تحت الأرض تحول مجرى الأنهر لمناطق قروية جنوبي إيران.

وقامت إيران على مدى سنوات ببناء عشرات السدود على الأنهار التي تتدفق إلى العراق، محولة بذلك ما يقدر بـ 7 مليارات متر مكعب من المياه لإرواء نحو 770 ألف هكتار من الأراضي المزروعة في منطقتي الأحواز وإيلام.

وتُعد إيران اليوم واحدة من الدول الخمس الكبرى في مجال انشاء السدود في العالم، حيث كان عدد السدود في إيران قبل ثلاثين عاماً 27 سداً ووصل اليوم إلى 548 سدا.