اخر الاخبار

“يواجه العراق تحديات عديدة يفرضها التغير المناخي، كارتفاع درجة الحرارة وقلة الأمطار وشح المياه وملوحة الاراضي وزيادة نسبة العواصف الرملية والترابية والكوارث الناجمة عنها”، هذا ما أشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للطاقة والبيئة والتغير المناخي. وأكد البرنامج ان “العراق أصبح البلد المعرّض للكوارث الطبيعية، أكثر عرضة للمخاطر نتيجة التدهور البيئي الحاد وإهمال الحفاظ على البيئة، وضعف الأطر القانونية والتنظيمية للإدارة البيئية، وضعف الترتيبات والقدرات المؤسسية”. ما يخص ارتفاع درجات الحرارة الملحوظ في البلاد، تبين النشرات الاعلامية لهيأه الانواء الجوية والرصد الزلزالي العراقية الدورية، استمرار ارتفاع درجات الحرارة في عموم البلاد خلال فصل الصيف، والحال يتكرر منذ اعوام مضت، ما يؤثر على الصحة العامة للمواطن، وعلى نوعية المياه والتربة وزيادة الجفاف وغيرها.

قلة الغطاء النباتي

يقول وكيل وزارة الصحة والبيئة جاسم الفلاحي في تصريحات تابعتها “طريق الشعب”، ان “العراق يعاني بشكل مطرد من ظاهرة التغيرات المناخية، الناتجة عن ازدياد الانبعاثات الكربونية بسبب النشاط الصناعي للإنسان الذي بدأ منذ 250 عاما والذي أثر وبشكل مباشر على كوكب الارض”، لافتا الى ان “العراق صنف واحدا من أكثر خمس دول بالعالم هشاشة وتغيرا بموضوع التغيرات المناخية وذلك بسبب ارتفاعات مطردة بدرجات الحرارة”.

وافاد الفلاحي بـ”وجود ثلاثة مواقع في العراق من بين عشرة في العالم صنفت كأعلى درجة حرارة بسبب قلة الغطاء النباتي وتناقص التساقط المطري والايرادات المائية، وتقادم البنية التحتية خصوصا باستخدام التكنولوجيات القديمة في مجالات الصناعة والزراعة”.

ونشرت محطة دولية متخصصة بالأنواء الجوية (محطة “بلاسيرفيلي” في كاليفورنيا الأمريكية) قائمة تضم أعلى 15 درجة سجلها العالم بداية شهر تموز العام 2021، كانت ثلاث مدن عراقية، وهي العمارة والبصرة والفاو من بين المدن الاكثر حرا في العالم. وأخيرا سجلت المحطة الامريكية 12 منطقة عراقية، يوم الاربعاء 25/8/2021، أعلى معدل في درجات الحرارة في العالم.

كما تتحدث التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة وبعض المراكز الدولية للأرصاد الجوي، عن وجود أكثر من منطقة ساخنة بيئياً في البلاد.

ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن العراق هو خامس الدول هشاشةً من حيث التكيف مع تغيرات المناخ.

انعكاس التغير المناخي

يقول المختص في الشأن البيئي علي الخفاجي: هناك “أكثر من عشرين منطقة في العراق تحتاج إلى التدخل السريع لحل مشاكلها البيئية”، مشيرا الى “وجود مناطق زراعية واسعة في محافظات الأنبار والمثنى وذي قار، انتهت بيئياً”

ويتوقع الخبير الاستراتيجي رمضان حمزة محمد أن “يشهد العراق والمنطقة ارتفاعا كبيراً في درجات الحرارة واستمرار موسم الصيف لنهاية موسم الخريف، لتزيد هذه الضغوط المناخية من احتمال مستقبل أكثر سخونة وجفافا في البلاد”.

بالنظر لارتفاع درجات الحرارة المستمر خلال فصل الصيف، حذرت وزارة الصحة والبيئة، من تأثير التغيرات المناخية على الصحة العامة للإنسان، وخاصة ارتفاع درجات الحرارة عبر نشراتها الاعلامية المتواصلة.

وكشف الفلاحي عن ان “ظاهرة التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة لها تأثير مباشر على الصحة العامة من جهة التعرض المباشر للشمس في اجواء حارة تؤثر بشكل كبير على فيزيائية الجسم، اذا ما زادت على 50 درجة مئوية، وهذا يؤثر كذلك على نوعية المياه، وفيه انعكاسات مهمة على زيادة معدلات الجهاز الهضمي وكذلك التنفسي”.

حلول ومبادرات

المشاريع المطروحة للتقليل من وطأة الحر على المواطنين يقترحها المتنبئ الجوي صادق العطية ويؤيدها العديد من المختصين بالبيئة منها “البحيرات الصناعية، واستمطار الغيم، وزيادة الغطاء النباتي؛ اذ ان النباتات تقلل من امتصاص الارض لأشعة الشمس”.

وتنبه العديد من المقالات والتقارير العلمية الى أن زيادة حجم الغطاء النباتي، وزراعة المزيد من الأشجار، لها دور مهم في التخلص من غاز ثاني أكسيد الكربون، وكذلك تلطيف الجو، وتبريده.

بهذا الخصوص انطلقت العديد من الحملات الشبابية لزراعة الأشجار في عدة مدن، أبرزها بغداد وذي قار والبصرة وديالى ونينوى؛ اذ عمد الناشطون والمتطوعون إلى زراعة الأشجار في الجزرات الوسطية، والأرصفة، والحدائق، والمساحات الفارغة خلال العام الحالي والفائت.

ومن بين تلك المشاريع أيضا مشروع (دلبند رواندوزي) في إقليم كردستان حيث يسعى الى زرع مليون شجرة هناك لمواجهة التغير المناخي ومن اجل اعادة الحياة إلى غابات الإقليم.

40 مليار شجرة

ولا بد من الاشارة هنا الى مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي أعلنت عنها السعودية نهاية اذار من العام الحالي، والتي تهدف الى زراعة 40 مليار شجرة إضافية في الشرق الأوسط بالتعاون مع دول الإقليم. وتعد المبادرة من أبرز المشاريع البيئية في العالم.

وتعليقا على تلك المبادرة السعودية، يقول المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف: “إذا ما تمت فستعتبر نقطة تحول بالنسبة للعراق”، مضيفا، أن “السعودية أسهمت في ادخال العراق ضمن (العشرة مليارات شجرة) لكن الاموال ماتزال ضعيفة”.

واشار النايف إلى “حاجة العراق لـ 14 مليار شجرة لإحياء بيئته”، لافتاً إلى وجود 10 ملايين دونم صالحة للزراعة لكنها لم تستغل.

اتفاق باريس للمناخ

الناشط المدني زيد خالد اوضح ان “الأحزمة الخضراء تعتبر من أهم الأساليب العلمية المستخدمة للحفاظ على بيئة صحية في المدن، فهي تسهم في تخفيف نسبة ثاني أكسيد الكربون المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري، وتزيد غاز الأوكسيجين”، مضيفا أن “انشاء مشاريع الرقع الخضراء وتشجير الغابات يعززان من التزامات العراق بالمبادرات الدولية وتنفيذ الاتفاقيات العالمية الخاصة بالحد من التغير المناخي”.

واشار خالد الى ان رئاسة الجمهورية اعلنت يوم 13/1/2021 عن مصادقة الرئيس برهم صالح، على قانون انضمام العراق إلى اتفاق باريس للتغير المناخي، بعد تصويت البرلمان العراقي يوم 22 كانون الثاني للعام 2020، على مشروع قانون انضمام العراق إلى اتفاق باريس الملحق باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ.

وهذا الاتفاق هو أول اتفاق دولي شامل حول حماية المناخ، تم التوصل إليه في كانون الأول 2015 بالعاصمة الفرنسية باريس، بعد مفاوضات مطولة بين ممثلين عن 195 دولة. وتُلزم المعاهدة الدول الموقعة باحتواء معدل الاحتباس الحراري، عبر السعي إلى ضبط ارتفاع معدل حرارة الكرة الأرضية بحدود أقل بكثير من درجتين مئويتين ومواصلة الجهود كي لا يتجاوز 1,5 درجات.

وهذا يفرض تقليصاً شديداً لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري باتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات.

ما هو الحزام الاخضر؟

ان مشروع الأحزمة الخضراء، هو عبارة عن أشجار دائمة الخضرة تزرع على شكل أحزمة أو أشرطة تمتد على حدود المدن، ولها فوائد عديدة، منها إيجاد مصدات للرياح القوية، التي تحمل معها الأتربة والمواد العالقة الأخرى، زيادة المساحات الخضراء، تثبيت التربة الرملية، إيقاف زحف الصحراء إلى مراكز المدن، فضلاً عن تلطيف المناخ وتوفير كميات من الأوكسجين النقي، حسب ايضاح دائرة التوعية والإعلام البيئي، التابعة لوزارة الصحة العراقية.

.. أهميته

لا تنحصر أهمية الحزام الأخضر بتحسين أداء البيئة فقط، وإنّما له فوائد على الصحة النفسية في معالجة الجو شديد الحرارة الشائع في بلدنا، إضافة إلى المنفعة الاقتصادية التي تتجلى بتوفير فرص العمل والمساهمة في خفض أسعار المنتجات الزراعية بواسطة زيادة المشاتل والمساحات الخضراء. كذلك يسهم بشكل كبير في الحد من ارتفاع درجات الحرارة في المناطق المحيطة والمجاورة، ويستغل كمظهر جمالي لترويج السياحة وبناء ضواحي ومشاريع عمرانية سكنية وغيرها.

تخبط

في 17 كانون الثاني من العام الحالي، صرّح محافظ بغداد محمد جابر العطا، للوكالات الاخبارية عن خطة لإنشاء الحزام الاخضر حول العاصمة بغداد، بهدف تحسين البيئة، وذلك عقب إجراء عمليات التشجير التي ستتكفل بتنفيذها دائرة بلديات بغداد بعد استلام الاشجار من وزارة الزراعة.

وفي منتصف حزيران، كشفت أمانة بغداد عن تفاصيل مشروع الحزام الأخضر حول العاصمة. وأشارت إلى انه سيسهم بخفض درجات الحرارة وتقليل العواصف الترابية.

وقد دخلت لجنة الزراعة والمياه البرلمانية على خط الدعم لمشاريع إحياء المساحات الخضر. واعتبرت أن الحزام الأخضر خطوة مهمة لتدعيم البيئة.

في المقابل، صوّت مجلس الوزراء منتصف شهر حزيران الماضي للعام الحالي، على إنشاء مدينة الرفيل لدعم التوسع السكاني في بغداد والمحافظات.

ووفقا لعضو لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية ندى شاكر جودت فإن “هذا المشروع سيتم إنشاؤه على مناطق زراعية منتجة، وبالتالي سيساهم بتدمير وإنهاء الزراعة في بغداد”.

فيما وصفه خبراء مختصون بأنه “أكبر كارثة إنسانية وبيئية ستشهدها بغداد في تاريخها المعاصر”، عازين السبب الى أنها “ستزيل مساحات كبيرة من حزام بغداد الاخضر، وتسبب مشاكل بيئية ضارة بسبب تغيير الاراضي الزراعية الخضراء واستبدالها بطرق وابنية”.

الاحزمة الخضراء في المحافظات

ويؤكد عضو مجلس محافظة كربلاء، ناصر الخزعلي، أن “الإهمال الحكومي والفساد المالي وراء اندثار الحزام الأخضر الشمالي والجنوبي في المحافظة”.

وقال الخزعلي في تصريح لوسائل إعلام محلية، إن “مشروع الحزام الأخضر الشمالي بطول 50 كيلو مترا وبعرض 100 متر، نفذ ضمن مشاريع تنمية الأقاليم، وصرف عليه أكثر من 9 مليارات دولار، وبعد توقف التمويل من الحكومة المركزية في عام 2017 اندثرت المليارات، التي صرفت، وهلكت محاصيل كبيرة من الأشجار، وأيضاً تسبب بعطل المحطات”.

وجاءت تأكيدات مديرية زراعة كربلاء بهذا الشأن، بانها لم تعد معنية بإدارة الحزام الأخضر وليس في نيتها العودة للمطالبة به، بسبب عدم قدرة وزارة الزراعة على ادارته واحيائه من جديد.

 في واسط

وبعد توقف دام أكثر من 6 سنوات، أوضحت دائرة البيئة في واسط، يوم 23 آب 2020، أن نسب الإنجاز في المرحلة الأولى من مشروع الحزام الأخضر، وصلت إلى 85 في المائة ‏من أصل طول المشروع الكلي البالغ 18 كم.

وقال مدير الدائرة صباح عباس: ان “المشروع يقع في الشمال الشرقي لمركز مدينة الكوت (الطريق الحولي)”، لافتا إلى حصول تراجع كبير في نسب الإنجاز حاليا مع اندثار المراحل التي تم إنجازها مثل منظومات الري بالتنقيط وأحواض المياه.

وأشار إلى أن سبب توقف العمل بالمشروع هو الأزمة المالية التي شهدتها البلاد خلال سنة 2014، داعيا الجهات المعنية الى ضرورة استئناف العمل بهذا المشروع لما يساهم في حماية البيئة.

والحال في مدينة الديوانية

وقامت حكومة الديوانية في عام 2007 بتشجير الجزرات الوسطية بالنخيل بينها وبين محافظة بابل على امتداد طريق دغارة شوملي بقيمة مليار دينار. وقد اريد لهذا المشروع أن يكون حزاماً اخضر، لكن تلك النخيلات سرعان ما فارقت الحياة، وتحول المشروع الى اطلال يتندر بها الناس، تعبيراً عن الاستهزاء بمشاريع التشجير في العراق.

بابل

وتحدثت رئيسة اللجنة الزراعية في مجلس بابل سابقا سهيلة عباس عن وجود محاولات عدة من قبل الحكومة لغرض انجاز الحزام الأخضر الخاص بمحافظات الفرات الاوسط. وقد خصصت اموال لهذا الغرض تجاوزت حينها مليار دينار، ووضعت التصاميم الخاصة به من قبل الخبراء، لكن تدهور الظرف الأمني وزيادة العمليات الارهابية في المنطقة المحصورة بين مناطق جرف الصخر والمسيب وعامرية الفلوجة حالت دون ذلك.

من جهته، طالب صباح نوري من مديرية بيئة بابل، الجهات المختصة بإعطاء مشاريع الحزام الأخضر اهمية قصوى في ظل التلوث البيئي الذي يشهده العراق، بفعل زيادة انبعاث الغازات السامة وعمليات احتراق الغاز المصاحب للنفط، اضافة الى فعل الانسان نفسه ومحاولاته العبث بمرتكزات الصحة العامة ومنها البيئة.

واكد “ان غالبية دول العالم انشأت حول مدنها حزاماً اخضر، وأخذت تجني ثمار ذلك الا في العراق، فان الوضع يتدهور من سيئ الا اسوأ، غير مكترثين بالنتائج الكارثية التي يواجهها المواطن”.

 الموصل وتخريب الغابات

وأعلن قائممقام مدينة الموصل زهير الاعرجي في اذار الماضي عن حملة جديدة لزراعة الاشجار بدلاً من الاشجار التي تضررت خلال الحرائق التي طالت غابات الموصل العام الماضي، وبالتعاون مع الفرق التطوعية والناشطين للمساهمة بزرع هذه الاشجار في منطقة غابات الموصل.

اذ أكد الاعرجي ان “غابات الموصل قد تعرضت الى الكثير من الاضرار على يد داعش، واثناء عملية التحرير، وهناك نية بإعادة الحياة اليها؛ اذ لا يمكن التفريط بشبر من هذا المكان الجميل”.

وتجري محاولات هنا وهناك لقطع اشجار الغابات في الموصل بغية المتاجرة وبيعها او بافتعال حرائق تؤدي الى خسائر كبيرة بالبيئة، وقد نقل عدد من القنوات الاخبارية المحلية خبرا عن حريق مفتعل طال غابات الموصل منتصف العام الحالي، حين أعلنت مديرية الدفاع المدني، (6 تموز 2021)، عن إخماد حريق في غابات الموصل، “افتعله” تاجر خشب حاصل على مناقصة لتقطيع خشب الاشجار الميتة وبيعها.

مآسي الحروب في البصرة

فقد العراق الملايين من أشجار النخيل، وبخاصة في مدينة البصرة، فهي تعتبر موطن النخيل في العالم، حيث تناقصت غابات النخيل التي يسقيها مد شط العرب بشكل ملحوظ، بل إن غابات منها أبيدت كليا عندما تحولت المدينة إلى ساحة معركة إبان الحرب العراقية الإيرانية في أكبر كارثة بيئية تعرض لها نخيل العراق.

وقد شهدت مدينة البصرة تراجعا ملحوظا في اعداد اشجار النخيل، فبعد ان كان هناك 35 مليونا من اشجار النخيل وصل إلى ما يقرب 16 مليون نخلة خلال العقود الثلاثة الماضية. ويُرجع المسؤولون في وزارة الزراعة الأمر إلى أسباب عدة أبرزها الحروب العبثية التي خاضها العراق والتوسع السكاني والابنية.

وفي مقابل ذلك، يشكو اتحاد الجمعيات الفلاحية في البصرة من غياب الدور الحكومي في دعم زراعة النخيل. وبحسب عضو الهيئة الإدارية راضي عزيز السهر فإنه “لا توجد هناك أية مبادرات جدية لتغيير هذا الواقع المتردي”.

في حين قال معاون محافظ البصرة لشؤون الأقضية والنواحي عرب الجزائري: إن “لدى المحافظة خطة مدروسة ومهيأة لتطوير زراعة النخيل والنهوض بواقع الزراعة والبساتين، إلا أن التخصيصات المالية وعدم منح السيولة الكافية تقف حائلا امام التنفيذ”.