اخر الاخبار

رصد تقرير ديوان الرقابة المالية الذي صدر مؤخرا مخالفات وخروقات عديدة في عمل قطاعات مختلفة لدى مؤسسات الدولة والدوائر الحكومية خلال العام الماضي، الامر الذي يجده مراقبون فرصة مناسبة لمعالجة الخلل في الأنظمة الإدارية والمالية الرسمية.

وحاولت “طريق الشعب” تسليط الضوء على ابرز الخروقات التي رصدها التقرير الرقابي لدى وزارات الدولة.

تفاصيل صادمة

وكشف التقرير الديوان عن تعاقد وزارة الصحة مع احدى الشركات لشراء نظام (GPS) لسيارات الاسعاف في سنة ٢٠١٢، بمبلغ (2.650) مليار دينار، ولوحظ ان الوزارة سبق وتعاقدت مع نفس الشركة في سنة ٢٠٠٩ لشراء نفس النظام بمبلغ (995) مليون دينار، بينما لم تتم الاستفادة من النظام وتشغيله بالرغم من مرور (١٠) سنوات على شرائه، ولايزال النظام متوقفا.

المنافذ الحدودية

وبيّن التقرير، قيام هيئة المنافذ الحدودية بـ”إبرام عقد خدمات التحميل والتفريع مع احدى الشركات مقابل استيفاء مبلغ مالي عن كل طن يتم تحميله وتفريغه دون إمكانية تحقيق تلك الفقرة، بسبب وجود ساحة التبادل التجاري ضمن أراضي الجانب الايراني خلافاً لاجراءات التبادل التجاري التي يفترض ان تكون ضمن اراضي البلد المستورد لتسهيل معاينة البضائع. كما قامت الهيئة بتزويد الشركة بـ١٧ الف وصل جباية خلال سنة ٢٠١٨ ولم يتم ارجاعها للمنفذ”.

شركة الموانئ

وأوضح التقرير ان “شركة الموانئ العراقية قامت بالتعاقد مع احدى الشركات لشراء وتشغيل اجهزة فحص الحاويات،  ومنحها 50 في المائة من ايرادات الفحص المتحققة بقيمة (1.626) مليار دينار بالرغم من عدم التزام الشركة المتعاقدة بتجهيز اجهزة سونار منذ سنة ٢٠١٨، وقامت باستخدام اجهزة شركة الموانئ العراقية”، مشيرا الى ان “الهيئة الرقابية لاحظت عدم وضوح الصور ضمن اجهزة الفحص الموجودة في الموانئ”.

واضاف التقرير ان “شركة الموانئ قامت أيضاً بشراء اجهزة سونار خاصة بفحص المواد المشعة والمخدرات والاسلحة بمبلغ (32) مليون دولار منذ سنة ٢٠١٨ ولم يتم تشغيلها لغاية تاريخه (التقرير)”.

الوقف الشيعي وحماية المنشأة

ونوّه التقرير بقيام الوقف الشيعي بـ”منح إحدى الشركات المتعاقدة على استثمار عقار تابع للوقف في المنصور (١٦٠ دونما) إعفاءً من الايجار لمدة ٦٠ شهرا، ما تسبب بضرر مالي لخزينة الدولة بمقدار (١٢٥) مليار دينار”.

وحول عمل مديرية حماية المنشآت والشخصيات التابعة لوزارة الداخلية، أوضح التقرير، أنها تقوم بحماية ٤٨ هدفا غير حكومي، من بينها مشاريع استثمارية: فنادق اهلية, قنوات تلفزيونية ومنظمات مجتمع مدني وبواقع ٨٢٨ ضابطا ومنتسبا مع كامل اسلحتهم وتجيهزاتهم لحماية هذه الاهداف، مشيرا الى وجود ٣٧٩ ضابطا ومنتسبا لحماية مقرات الاحزاب وافرعها، بالاضافة الى حماية ١٤٨ شخصا من رجال دين وامناء مؤسسات وامناء احزاب ومعاوني مدراء عامين ومستشارين سابقين وشيوخ عشائر بـ٤٩١ ضابطا ومنتسبا مع كافة تجهيزاتهم واسلحتهم.

وأكد التقرير أن “مجموع المصروفات السنوية على هذه الحمايات يتجاوز ٩ مليارات دينار سنويا، تصرف من موازنة الدولة العراقية”.

غموض في وزارة الخارجية

وتضمن تقرير الديوان ملاحظات عديدة تخص وزارة الخارجية، منها “عدم معرفة رصيد النقد لكل بعثة دبلوماسية وفقدان الرقابة والسيطرة على الحسابات الجارية في الخارج، حيث قامت الوزارة بصرف مبلغ (32.755) مليار دينار لقطع تذاكر سفر للموظفين المنسبين من الوزارات الى السفارات، خلال الفترة من ٢٠١٨ ولغاية تموز٢٠٢٠ وتم تحرير جميع الصكوك باسم مدير شعبة حجز التذاكر، بدلا من تحرير صكوك باسم مكاتب الحجز وعدم استبدال لجنة حجز التذاكر طوال تلك الفترة”.

واشر التقرير “ارتفاع اعداد العاملين في البعثات الدبلوماسية بشكل كبير، مما تسبب بزيادة النفقات خلافا لقانون الموازنة الذي يلزم بتخفيض اعداد العاملين في البعثات الدبلوماسية، حيث قامت الوزارة بفتح اكثر من بعثة في الدولة الواحدة، خلافا لقانون الموازنة لسنة ٢٠١٩ حيث بلغت المصاريف السنوية لتلك البعثات في (تركيا وايران والامارات) بمقدار (٢٢) مليار دينار (رواتب، مخصصات، ايجارات)”، مؤكدا “عدم التزام وزارة الخارجية بقانون الموازنة الذي نص على غلق السفارات والبعثات في الدول التي ليس لها تمثيل دبلوماسي في العراق، وبلغت مصاريفها السنوية (٩) مليارات دينار في كل من (الجزائر، جنوب افريقيا، ارمينيا، سويسرا)، فضلا عن قيام الوزارة بتعيين (مشاور قانوني مساعد) سنة ٢٠١٧ وخلال سنة واحدة، تمت ترقية الموظف الى عنوان سكرتير ثاني، ثم ترقيته الى مستشار بالدرجة الثانية بالرغم من عدم امتلاكه خدمة بالسلك الدبلوماسي تتجاوز سنتين”.

وتابع التقرير، ان “الوزارة قامت بإضافة خدمات الموظفين وترقيتهم بالرغم من أن خدماتهم كانت خارج السلك الدبلوماسي (فصل سياسي ومحاماة) خلافا لقرار مجلس الدولة سنة ٢٠١٧ الذي يحضر اضافة تلك الخدمات على السلك الدبلوماسي”، مشيرا الى “وجود ارصدة محجوزة تابعة للبعثات العراقية منذ سنة ١٩٨٨ لم يتم حسم ملفاتها ومتابعة تحصيلها بلغ مجموعها (2.5) مليون دولار و(3.3) مليون يورو، بالاضافة الى انه لم يتم استرداد الاموال المجمدة في لبنان بالرغم من تسليم لبنان المدانين للحكومة العراقية التي تخص اموال امانة بغداد المختلسة من قبل (زينة مستود) بمبلغ (3) مليون دولار، ومبلغ (129760) دولارا تعود للمدان (عبد الفلاح السوداني)، وعدم امتلاك بعض السفارات أية أوليات بشأن استرداد الاموال المجمدة في كل من (أبو ظبي، ولوس انجلوس)”.

الدفاع والعدل

وأشار التقرير الى ان وزارة الدفاع تعاقدت على شراء ٦ طائرات مسيرة بمبلغ 8.2 مليار دينار دون تشغيل تلك الطائرات رغم استلامها منذ سنة ٢٠١٥ وانتهاء فترة الضمان ولغاية تاريخ اصدار التقرير. فيما كشف عن وجود  (١١١) عجلة مختلفة الانواع بذمة ضباط محالين على التقاعد .

ونالت وزارة العدل نصيبها من التقرير، حيث تعاقدت الوزارة مع شركة لاطعام الموقوفين في بابل وكربلاء بمبلغ (33) مليار دينار رغم ان رأس مال الشركة يبلغ (150) مليون دينار، ولا يتناسب مع قيمة العقد.

وشخّص التقرير عدم قيام فروع الهيئة العامة للضـرائب، بإجراء المسح الميداني لتسجيل المشمولين بالضريبة، للحد من التهرب الضريبي (معارض سيارات، الاسواق، المطاعم، محلات الصيرفة...).

النفط والصناعة

نوّه التقرير بعدم قيام شركة مصافي الجنوب بتحويل المبالغ غير المستغلة من قبلها، والخاصة بالتوسعات الى خزينة الدولة بالرغم من مرور فترة اكثر من ٥ سنوات دون استغلال تلك الاموال، والتي بلغت قيمتها (336.7) مليار دينار. فيما امتنعت شركة نفط البصرة عن تسديد حصة الخزينة العامة من أرباح النفط من سنوات عدة، والتي بلغت (743) مليار دينار.

واكد التقرير عدم وجود منفعة فنية او اقتصادية من عقود الشراكة المبرمة بين شركات وزارة الصناعة والشركات الأجنبية، ولم تساهم تلك العقود في تحقيق النمو الاقتصادي، ولم تحقق أية أرباح، فضلا عن عدم ادخال المعرفة والتكنولوجيا او تطوير الكوادر او تطوير منتجات جديدة، مشيرا الى افتقار تلك العقود لدراسات الجدوى الاقتصادية.

الكهرباء.. فشل مستمر

وأشار التقرير الى عدم تمكن وزارة الكهرباء من إدخال اي محطة انتاجية للعمل خلال السنوات من (٢٠١٧ الى ٢٠١٩)، حيث اعتمدت بصورة كاملة على شراء الكهرباء من المحطات الاستثمارية، ودول الجوار وابرام عقود طويلة ستؤدي الى استنزاف أموال الوزارة، منها قيام الشركة العامة لانتاج الطاقة/ المنطقة الوسطى بإبرام عقد مع شركة روسية غير مسجلة داخل العراق وبمبلغ (350) الف دولار، وتم توقيع العقد بعد مرور ثلاثة أشهر من مباشرة الشركة بالتنفيذ واتمام العمل.

تخبط في الخطوط الجوية

وحول عمل الخطوط الجوية العراقية، نوه التقرير بعدم ظهور اسماء المسافرين في نظام المراقبة وبقاء التذاكر صالحة للاستخدام حتى بعد استخدامها، مشيرا الى وجود خلل في نظام اصدار التذاكر والذي يسمح للوكلاء بالدخول للنظام والتلاعب بإرجاع التذاكر وتسجيل قيمة التذكرة المسترجعة بأعلى من سعرها، حيث بلغت قيمة المخالفات خلال ٦ شهور (عينة الفحص) بمبلغ (3.768) مليون دولار.

محاسبة الفاسدين

من جانبه، علّق الخبير الاقتصادي احمد خضير على التقرير بالقول: “لا بد من الاشادة بما قام به ديوان الرقابة المالية من خلال رصد عديد المخالفات والهدر والفساد للاموال العراقية في مختلف مؤسسات الدولة العراقية”.

وقال خضير لـ”طريق الشعب”، ان “التقرير كشف عن معلومات خطيرة وحساسة من خلال هدر المال العام، وسوء الادارة، والفساد، ما يؤشر بشكل جدي ضرورة العمل بشكل عاجل من قبل السلطات المعنية على تغيير المنظومة الادارية، التي ارتكبت هذه المخالفات المالية والادارية في مؤسسات الدولة”.

واضاف الخبير، ان “تقرير ديوان الرقابة المالية وضع النقاط على الحروف، وحدد الجهات المقصرة، والمتهمة بالفساد، وبالتالي يجب على السلطات المعنية البدء باتخاذ اجراءتها من اجل محاسبة هؤلاء العابثين بمقدرات العراقيين”.

فشل في الإدارة

بدوره، عدّ الخبير في الشأن المالي محمد فرحان، التقرير “دليلا ملموسا” على فساد القائمين على ادارة الدولة العراقية.

واكد فرحان لـ”طريق الشعب”، ان “التقرير تحدث بحقائق وارقام صادمة للجميع، فمن غير المعقول ان تتصدر ايران قائمة الدول المصدرة للادوية الى العراق بقيمة 106 ملايين دولار، في حين ان الصيدليات في العراق تكاد تكون خالية من الادوية ذات المنشأ الايراني”، مشيرا الى “قيام الاردن ولبنان ومصر وسوريا بتصدير ما قيمته 25 مليون دولار الى العراق من الادوية، بالرغم من امكانيتها البسيطة، مقارنة مع امكانيات العراق، فهل يعقل ان تلك الدول لديها القدرة على الصناعة الدوائية ولا نملك هذه المقومات؟!”.

وأضاف الخبير أن “العراق قام باستيراد 20 مليون زوج من الاحذية بقيمة 80 مليون دولار، ومواد بلاستيكية بقيمة 700 مليون دولار، وسجاد بقيمة 50 مليون دولار، وملابس بقيمة 200 مليون دولار، ومواد خشبية بقيمة 300 مليون دولار، فيما يستورد اطارات بقيمة 260 مليون  دولار”، مشيرا الى ان “ضرورة العمل على اعادة احياء هذه الصناعات في البلد، فمن غير المعقول الاستمرار بالسماح للعملة الصعبة بالذهاب الى خارج البلاد”.

وبيّن فرحان ان “مجمل عائدات العراق منذ ٢٠٠٤ لغاية شهر ايار ٢٠٢١، بلغت اكثر من ١٣٠٠ ترليون دينار عراقي، بينما بلغ مجمل المصروفات الكلية بحدود ١١٤٠ ترليون دينار عراقي”، مبينا ان “هذه الاموال الطائلة كان بامكانها تحويل العراق الى قوة اقتصادية كبيرة لكن الفساد والعبث من قبل الاحزاب المتنفذة منع ذلك”.

واضاف ان “الادارة المالية والنقدية الصحيحة في اي بلد، تقوم على كيفية استرداد الحكومة للاموال التي تقوم بدفعها على شكل رواتب من خلال الخدمات التي تقدمها”، مشيرا الى ان “هذا الامر لا يحدث في العراق فالحكومة تسمح للأموال بالخروج من البلاد، وتلجأ الى اموال بيع النفط، في مشهد يؤكد فساد وسوء ادارة القائمين على ادارة الدولة”.