دخل قضاء الدجيل التابع لمحافظة صلاح الدين إلى قائمة المناطق التي تسجل زيادات خطيرة في أمراض السرطان، ما دفع الأهالي الى مناشدة السلطات وضع حلول عاجلة لهذه الكارثة الصحية، التي يرجعون أسبابها إلى انبعاثات سامة مسرطنة من مصانع ملوّثة للبيئة، منها معامل اسفلت وأخرى خاصة بالمنتجات النفطية، تقع بالقرب من أحيائهم السكنية.
ويبعد الدجيل عن بغداد حوالي 60 كيلومترا شمالا، ويبلغ عدد سكانه نحو 100 ألف نسمة، ويشتهر ببساتينه وأراضيه الزراعية الخصبة المنتجة للكثير من المحاصيل.
وسبق أن حذر مسؤولون في وزارة الصحة من تزايد الإصابات بالسرطان في كل المحافظات والمناطق النفطية، بسبب الانبعاثات الملوثة للبيئة. وأكدوا أن معدل الإصابات بسرطان الثدي والقولون والقصبات والغدد اللمفاوية والمثانة تزداد سنوياً بنسبة 10 في المائة في البصرة.
لكن الحكومة لم تضع حتى الآن حلولا ناجعة لهذه الكارثة البيئية والصحية. ولم تتخذ إجراءات حقيقية تجاه الشكاوى والمناشدات التي تتلقاها من أهالي البصرة والمحافظات الأخرى ذات الإصابات السرطانية المرتفعة، والتي تشهد نشاطا نفطيا وصناعيا مضرا بالبيئة والصحة العامة.
ويوم الجمعة الماضي، أعلنت إدارة محافظة صلاح الدين تحركها للسيطرة على تزايد الإصابات السرطانية في قضاء الدجيل، محذرة من خطورة الأمر.
وقال قائم مقام الدجيل، علي فاضل الدجيلي، أن “القضاء يشهد إصابات كثيرة بالسرطان بسبب وجود مصانع الإسفلت والنفط وانتشار إشعاعات في المنطقة”، مشيرا في حديث صحفي إلى انه “تم استدعاء فريق عمل متخصص، سيصل إلى الدجيل خلال الأيام المقبلة، ليقوم بإجراء مسح ميداني وأخذ مسحة اشعاعية لكل أطراف القضاء، بهدف معرفة أسباب زيادة الإصابات السرطانية”.
ولم تُنقل عن الدجيلي أرقام دقيقة لعدد المصابين بالسرطان في القضاء، عدا تأكيده أن “الإصابات كثيرة”.
آلاف الإصابات في عموم صلاح الدين
من جانبها، قالت مديرة شعبة السيطرة على الأورام في دائرة صحة صلاح الدين د. انتصار مرهون زهوان، أن “المهمات الأساسية للشعبة، تشمل رصد الإصابات بالأورام السرطانية”، مبينة في حديث صحفي أنه “تم تسجيل نحو 3 آلاف إصابة منذ عام 2020 في المحافظة، وان أكثر السرطانات شيوعاً هما سرطانا الثدي والدم”.
وأوضحت أن “نسبة التلوث العالية تزيد الإصابات السرطانية، وأن هناك قلة وعي بهذه الأمراض وأسباب الإصابة بها وكيفية علاجها”. فيما لفتت إلى ان “مراكز الأورام قليلة في المحافظة، فضلا عن الأجهزة الطبية والكوادر الاختصاصية”.
الوضع خطير والمعالجات دون المستوى
عضو نقابة الأطباء عامر البياتي، وصف زيادة أعداد الإصابات السرطانية في المناطق النفطية، كالبصرة وكركوك وصلاح الدين وغيرها، بأنها “خطيرة وتتطلب حلولا عاجلة”.
وقال في حديث صحفي أن “النقابة تتلقى شكاوى ومناشدات من الأهالي في شأن زيادة الإصابات السرطانية، وتعمل على إيصالها إلى الجهات المسؤولة”. فيما انتقد “عدم وضع حلول لمشكلة تزايد الإصابات السرطانية. إذ لا يزال الحراك الحكومي في هذا الشأن دون المستوى المطلوب”، مشيرا إلى ان “الانبعاثات النفطية لا تزال تغطي عدداً من مناطق البصرة التي تتصدر المناطق ذات الإصابات السرطانية المرتفعة. لذلك من الضروري أن تشكل الحكومة خلية طوارئ لمتابعة هذا الملف ووضع المعالجات العاجلة له”.
الحكومة غير جادة في معالجة التلوث!
إلى ذلك، انتقد الناشط البيئي فراس الفلاحي “عدم الجدية في معالجة التلوث البيئي الذي يسبّب أمراضاً مختلفة وخطيرة في مناطق عدة”.
وقال في حديث صحفي أنه “لا نسمع من الأجهزة المسؤولة إلا تحذيرات، وإعلان تشكيل فرق ولجان متابعة. في حين ان كل ذلك لم يضع حلولا واقعية تتناسب مع حجم المخاطر الناجمة عن التلوث البيئي”.
وتابع الفلاحي قائلا أنه “من الضروري وضع خطط مناسبة لإنقاذ مناطق معينة من الانبعاثات النفطية الناتجة عن محطات الكهرباء ومصانع النفط، والتي بلغت مستويات خطيرة قرب مناطق مكتظة بالسكان”، مشددا على “أهمية تضمين الموازنات المالية خططاً لمعالجة التلوث وتداعياته في المحافظات”.
هذا وحمّل الناشط البيئي الحكومة “مسؤولية ما ينتج عن الملوثات من أمراض خطيرة.”
وأطلقت الحكومة العام الماضي، بالتنسيق مع وزارة البيئة، المبادرة الوطنية لدعم الطاقة وتقليل الانبعاثات. وتم تشكيل “فريق إيزو” الذي ضم أقسام الجودة في المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني المعنية والعشائر من أجل العمل على جودة إدارة الطاقة والمساحات الخضراء ومواجهة التغيّرات المناخية، لكن كل ذلك لم يسفر حتى الآن عن أي تحسّن بيئي!