ارتفع في الآونة الأخيرة الطلب على شراء سبائك الذهب من قبل المواطنين خاصة أصحاب الأموال الكبيرة، كطريقة للادخار بدلا من ايداع أموالهم في المصارف. فيما عزا مختصون سبب لجوء المواطنين إلى شراء سبائك الذهب، الى ضعف النظام المصرفي وعدم ثقة الناس بهذا النظام، والخشية على أموالهم من الضياع.
يقول اقتصاديون، ان سبائك الذهب تعد الخيار الأفضل والأنسب من أجل الاستثمار والإدخار، نظرا لوجود نسبة عالية من خام الذهب بها تتعدى 99.9 بالمئة، كذلك انخفاض قيمة المصنعية على السبائك وإعفائها من الضرائب مقارنة بغيرها من المشغولات والقطع الذهبية.
ويتم صنع سبيكة الذهب عن طريق صهر الذهب وصبِّه في قوالب معينة وفق معايير صارمة، وتُدمغ بعد ذلك حسب القوانين المرعية في الدولة، وتعاقب القوانين على أي تلاعب بمواصفاتها المحددة، وبالنسبة لسبائك الذهب ذات الأوزان الخفيفة، تُصنع من صفائح الذهب، وذلك بطريقة ختمها أو طبعها ودمغها للحصول على الشكل المراد، بينما يتم تذويب الذهب وسكبه في قوالب معينة للحصول على السبائك ذات الأوزان الثقيلة.
وانتشرت في الآونة الأخيرة إعلانات ترويجية لسبائك الذهب من قبل محال الصياغة في مختلف مناطق بغداد، وتم عرضها على وسائل التواصل الاجتماعي، وبأوزان مختلفة، جميعها تحتوي على ختم رسمي، حتى وصل الحال بصاحب أحد المحال إلى تقديمه عرضا للدولة بتجهيز البنك المركزي بسبائك الذهب.
ثلاثة أنواع للادخار
المختص بالشأن المالي والمصرفي مصطفى حنتوش، قال ان "أصحاب الاموال العراقيين يلجأون إلى الملاذ الأمن للأموال، فالسيولة النقدية التي تمتلكها الشعوب، برغم أنها مدخرات صغيرة لكنها بالمجمل تُكّون مبالغ بمليارات الدولارات وتريليونات الدنانير، وهنا فأن أكثر ملاذ آمن هو العقارات".
وأضاف حنتوش في حديث مع "طريق الشعب"، بالقول: ان "المجتمع اذا استشعر خطرا من عملته وقيمتها الشرائية فانه يلجأ للعقارات. وبالطبع هناك شراء عقار للاحتياج، وهناك شراء عقار لغرض الاستثمار أو لغرض الحفاظ على قيمة الأموال".
ولفت إلى أن "العقار ولو بعد حين فانه يسحب القيمة الكاملة للتضخم، والقيمة الحقيقية السوقية تتبين في العقار"، مبيناً ان "سعر التضخم بأقصى حالاته خلال أربع سنوات قد يصل لـ 125 في المائة في العقار، وبالنتيجة فإن العقار هو الأساس في عملية سحب التضخم".
ويواصل حنتوش القول: "بعد العقار يأتي الذهب، واعتقد ان قيمة الذهب خلال 3 سنوات تضاعفت، فتلجأ المجتمعات التي لديها مشكلة بالسياسة النقدية وقلة ثقة بعملتها، إلى الذهب. وهذا موجود في المجتمع العراقي"، مبيناً ان "شراء الذهب وادخاره يتم بعدة أنواع سواء على شكل سبائك أو ذهب الزينة".
وكشف عن "نوع ثالث للادخار هو العملات الأجنبية، حيث يتم اللجوء الى ادخار عملات أجنبية بسبب ان قيمتها افضل وسيولتها اعلى. وهذا أيضا رائج في المجتمع العراقي".
وفي ما يتعلق بالعملة الوطنية وعملية استغلالها، قال حنتوش ان هناك "مشكلة ما زالت مستمرة؛ فالبنك المركزي العراقي يستخدم مقياس سبعينيات القرن الماضي واسمه (CAMELS)، وهذا المقياس لا يدفع النظام المصرفي نحو العمليات المصرفية، فهو عبارة عن راس المال والسيولة والموجودات والربحية والحساسية، ولا يبحث في كم جذب المصرف من ودائع لتقييمه أو حجم الإقراض او حجم الاستثمارات أو الدفع الإلكتروني او دعم المجتمع".
ونوه الى ان "هذا المعيار الذي يعتمده البنك المركزي، لم يجعل المصارف تدخل الى السوق وتتنافس للحصول على جذب الودائع ومنحها على شكل قروض واستثمارات. وبالتالي لم تتحرك عجلة الاقتصاد العراقي خلال 20 عاما".
وخلص المختص بالشأن المالي والمصرفي الى القول: اننا بحاجة الى "تغيير معايير البنك المركزي ودعم النظام المصرفي. الان بعض المصارف لمستثمرين اجانب او فروع من مصارف اجنبية، تعمل في العراق وتسيطر على القطاع المصرفي، بسبب ضعف السياسات النقدية للبنك المركزي العراقي"، مؤكداً أن تلك المصارف "لا تمارس أية نشاطات مصرفية".
سببان لفشل النظام المصرفي
الخبير الاقتصادي صالح الهماشي، علل لجوء المواطنين إلى ادخار أموالهم في سبائك الذهب، بسبب تخلف النظام المصرفي العراقي. ما زال المواطن لا يثق بالمصارف العراقية، في الوقت الذي لا تزال فيه الحكومة غير قادرة على إدارة النظام المصرفي بشكل صحيح من ناحية الأنظمة والقوانين وغيرها".
وقال الهماشي لـ"طريق الشعب"، ان "أسعار الفائدة المنخفضة تلعب دوراً سلبياً أيضا، فهي في كل دول العالم مرتفعة. كذلك الحال بالنسبة لدول المنطقة المجاورة مثل تركيا، حيث وصلت نسبة التضخم فيها إلى 50 في المائة، وإيران 20 في المائة، إلا ان سعر الفائدة مرتفع. بينما العراق هو اقل الدول من ناحية سعر الفائدة حيث تبلغ 7 في المائة، في احسن حالاتها".
وأضاف قائلاً ان "السبب الرئيس هو عدم ثقة الناس بالمصارف العراقية، وسط الإجراءات البيروقراطية والروتينية المعقدة والكبيرة، بينما بعض المصارف لا تتقبل الودائع اساساً".
وفي ضوء كل هذا أكد الهماشي، ان "المواطن يلجأ الى طريقتين للادخار، الأولى عن طريق الذهب والاخرى عن طريق العقارات".
ونبّه إلى ان هذه الأنواع من الادخار "تؤثر في السياسة النقدية وحجم الكتلة النقدية. الان تعاني الحكومة العراقية والبنك المركزي والمؤسسات المالية، من قلة السيولة النقدية".
وواصل حديثه، "يفترض ان تكون هذه الاموال مودعة ومخزونة لدى المؤسسات المالية مثل المصارف والبنك المركزي"، مشيرا الى ان متطرقاً الى "مشاريع فك الاختناقات والجسور، حيث ان الحكومة لجأت لتمويلها من خلال السندات لأنها لا تمتلك الاموال، وبيعت هذه السندات بالإجبار على المصارف. حيث ان الكثير من المصارف والمؤسسات المالية لم توافق على شرائها، بينما لا تزال المصارف التي اشترت السندات تعرضها على المواطنين، وليس هناك اقبال عليها".
قصور في أداء المصارف
وذكر، ان "الكتلة النقدية مفقودة. نحن نتحدث عن 120 تريليون دينار، لا تمتلك المؤسسات المالية منها سوى 35 تريليونا، بينما هناك اكثر من 85 تريليون في الشارع تعجز الحكومة والمؤسسات المالية عن اجتذابها".
وأشار إلى أن "النظام المصرفي في العراق فشل في لعب دور تنموي حقيقي يستهدف تطوير الاقتصاد يعود الى سببين، اولهما ان المصارف الحكومية تعتمد في ايراداتها وارباحها على الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة ولا تعير الاقتراض اي اهمية، وحتى بالنسبة للسلف التي تمنح للموظف فهي صغيرة من 10 الى 30 مليون دينار".
واضاف انه من "الناحية الثانية المصارف الاهلية التي تعتمد في تمويلها على مزاد او نافذة بيع العملة وتحقق منها الارباح، والتي أهملت قضايا تمويل المشاريع وسحب الكتلة النقدية والنظر في سعر الفائدة وتقديم خدمات مصرفية ذات جودة عالية".
ولفت الخبير الاقتصادي الى ان "الخدمات المصرفية التي تقدم في العراق هي الاسوأ عند مقارنتها مع دول الجوار التي تتميز بخدمات مصرفية يستفيد منها المواطن بشكل كبير".
وخلص الى القول: ان "الدولة قادرة على تعزيز ثقة الناس بالنظام المصرفي وتغيير واقع المصارف، عبر تفعيل قانون حماية وتأمين الودائع، وهو من القوانين المهمة. ومن ناحية اخرى إلزام المصارف الحكومية بتقديم كشف سنوي عن مجموع القروض وتمويل المشاريع الاستثمارية، وفي حال تقاعس اي مصرف، يتخذ البنك المركزي اجراءات قانونية بحق هذه المصارف. كذلك من المهم ايضا رفع رأس مال المصارف الضعيفة جداً".