حذرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، من بالتداعيات الكارثية لمحاولة مجلس النواب العراقي تعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ على المجتمع العراقي، لو أقر هذا التعديل.
وبحسب تقرير لـ"رايتس ووتش"، إذا أُقرّ التعديل، ستكون له آثار كارثية على حقوق النساء والفتيات المكفولة بموجب القانون الدولي، إذ سيسمح بزواج الفتيات اللاتي لا تتجاوز أعمارهن تسع سنوات، وتقويض مبدأ المساواة بموجب القانون العراقي، وإزالة أوجه حماية للمرأة في الطلاق والميراث.
تزايد خطر العنف
ووفق تقرير المنظمة، سيعرّض زواج الأطفال الفتيات لتزايد خطر العنف الجنسي والجسدي، وعواقب وخيمة على الصحة البدنية والنفسية، والحرمان من التعليم والعمل.
ونقل التقرير، عن سارة صنبر، باحثة العراق في هيومن رايتس ووتش، قولها: "إقدام البرلمان العراقي على إقرار مشروع القانون سيكون خطوة مدمرة إلى الوراء للنساء والفتيات العراقيات، وللحقوق التي ناضلن بشدة من أجل تكريسها في القانون. تشريع زواج الأطفال رسميا يحرم عددا كبيرا من الفتيات من مستقبلهن ورفاههنّ. الفتيات مكانهن في المدرسة والملعب بدل أن يرتدين فستان الزفاف".
وأضافت "هيومن رايتس ووتش" إن مشروع التعديل يشرّع مشكلة زواج الأطفال الكبيرة والمتنامية في العراق بدل محاولة حلها.
خرجت منظمات حقوق الإنسان العراقية والناشطون العراقيون إلى الشوارع للاحتجاج على التعديل، واجتمعت أكثر من 15 امرأة عضوة في البرلمان من أحزاب مختلفة لمعارضة إقراره. اقترح البرلمان تعديلات مماثلة على قانون الأحوال الشخصية في العام 2014 ومرة أخرى في العام 2017، ولم تُقَرّ التعديلات في الحالتين.
وبموجب مشروع التعديل، يمكن للأزواج الذين يبرمون عقد زواج أن يختاروا تطبيق إما أحكام قانون الأحوال الشخصية أو أحكام مذاهب فقهية إسلامية محددة. إذا كان الزوجان من طائفتين مختلفتين، تُطبق المدرسة الفقهية التي تتبعها طائفة الزوج.
ينشئ هذا الترتيب فعليا أنظمة قانونية منفصلة ذات حقوق مختلفة للطوائف المختلفة، ويزيد تكريس الطائفية في العراق، وتقويض الحق في المساواة القانونية لجميع العراقيين المنصوص عليه في المادة 14 من الدستور والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
زواج القاصرات
فبعض المذاهب الإسلامية تسمح بزواج الفتيات في عمر تسع سنوات والفتية في عمر 15 عاما. في حين يحدد قانون الأحوال الشخصية النافذ السن القانونية للزواج بـ 18 عاما، أو 15 عاما بإذن القاضي واعتمادا على "أهليته (أي الطفل) وقابليته البدنية"، ما يتعارض أصلا مع المعايير القانونية الدولية وأفضل الممارسات.
ويشرّع مشروع التعديل أيضا الزيجات غير المسجلة، والتي يجريها رجال دين ولكنها غير مسجلة لدى محاكم الأحوال الشخصية، وهي غير قانونية بموجب قانون الأحوال الشخصية الحالي. يلغي التعديل أيضا العقوبات الجنائية المفروضة على الذين يعقدون هذه الزيجات، ويسمح لرجال الدين، وليس المحاكم، بإتمام الزيجات.
ويشكل الزواج غير المسجل أصلا ثغرة تسمح بزواج الأطفال في العراق، حيث ارتفعت معدلات زواج الأطفال على مدى السنوات الـ 20 الماضية، بحسب تقرير أصدرته هيومن رايتس ووتش في آذار 2024. أفادت "منظمة الأمم المتحدة للطفولة" (اليونيسيف) أن 28 بالمائة من الفتيات في العراق يتزوجن قبل سن 18 عاما. بحسب "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق" (يونامي)، 22 بالمائة من الزيجات غير المسجلة تشمل فتيات تحت سن 14 عاما.
ورأت رايتس ووتش، في تقريرها أن الزواج غير المسجل له أيضا آثار ضارة جدا على قدرة النساء والفتيات على الحصول على الخدمات الحكومية، وتسجيل ولادة أطفالهن، والمطالبة بحقوقهن. بدون شهادة زواج مدني، لا تتمكن النساء والفتيات من الولادة في المستشفيات، ما يشكل يحد ذاته عائقا جائرا أمام الرعاية الصحية، ويضطررن إلى الولادة في المنزل مع قلة خدمات التوليد الطارئة. يزيد ذلك خطر حدوث مضاعفات طبية تهدد حياة الأم وطفلها. الطفلات والشابات معرضات بشكل خاص لبعض مضاعفات الحمل.
يلغي التعديل أيضا أوجه الحماية المقدمة إلى النساء المطلقات ويقوِّضها. بموجب قانون الأحوال الشخصية الحالي، إذا طلب الزوج الطلاق، يحق للزوجة البقاء في منزل الزوجية لثلاث سنوات على نفقة الزوج والحصول على نفقة زوجية لمدة عامين والقيمة الحالية لمهرها. إذا طلبت الزوجة الطلاق، يمكن للقاضي منحها بعض هذه المزايا بحسب الظروف.
فقدان لوسائل الحماية
إذا طُبّق القانون الشرعي، ستفقد النساء كثيرا من وسائل الحماية هذه. مثلا، ليس للمرأة المطلّقة الحق في منزل الزوجية أو النفقة أو مهرها، ويستمر الأطفال في العيش معها لمدة عامين فقط، بشرط عدم زواجها مرة أخرى.
كما ستفقد المرأة بعض حقوقها في الميراث. حتى بموجب القانون الحالي، ترث البنات نسبة أقل من ثروة الوالدين مقارنة بالأبناء. لكن بموجب بعض القوانين الشرعية، ترث البنات أقل من ذلك، وإذا لم يكن لدى الأسرة ابن يرث الأرض الزراعية، فتعود إلى الدولة.
أخيرا، ينص التعديل على أن يضع "المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي" و"مجلس الفتوى في ديوان الوقف السني" ميثاقا للأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية ويرفعاه إلى مجلس النواب خلال ستة أشهر من تاريخ دخول القانون حيّز التنفيذ.
وبحسب هيومن رايتس ووتش، فإن هذا يعني أن المشرعين وعامة الناس لن تتاح لهم فرصة مراجعة القانون أو التصويت عليه قبل إقراره، ما يؤدي إلى إزالة الرقابة الديمقراطية ومنح المراجع الدينية سلطة غير متناسبة في وضع القانون.
انتهاكات للاتفاقيات الدولية
ينتهك التعديل المقترح "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو)، التي صادق عليها العراق عام 1986، بحرمان النساء والفتيات من حقوقهن على أساس نوعهن الاجتماعي. كما ينتهك التعديل "اتفاقية حقوق الطفل" التي صادق عليها العراق عام 1994، بتشريع زواج الأطفال، وتعريض الفتيات لخطر الزواج القسري والمبكر، ما يجعلهنّ عرضة لخطر الانتهاكات الجنسية، وعدم اشتراط اتخاذ قرارات بشأن الأطفال في حالات الطلاق بحسب المصالح الفضلى للطفل.
ويبدو أن مشروع التعديل ينتهك "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" و"العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" بحرمان بعض الأشخاص من حقوقهم على أساس دينهم، بحسب رايتس ووتش.
وخلصت المنظمة، إلى حث البرلمانيين العراقيين على رفض المساعي إلى تجريد النساء والفتيات من الحمايات القانونية، ورفض التراجع عن الحقوق التي اكتسبنها بشقّ الأنفس خلال عقود من الزمن. عدم فعل ذلك يعني أن الأجيال الحالية والمستقبلية من النساء العراقيات ستظل مخنوقة بنظام قانوني أبوي قمعي".