منذ أكثر من 10 سنوات والقطاع الصحي في أقضية الأنبار، لا سيما الواقعة غربي المحافظة، يعاني أزمة خانقة، إثر الخراب الذي طال المؤسسات الصحية على يد إرهاب داعش عند احتلاله المحافظة عام 2014، وبفعل العمليات العسكرية لتحريرها منه.
ومنذ استعادة المحافظة نهاية عام 2017 من قبضة الإرهاب، وحتى الآن، لا تزال المستشفيات والمراكز الصحية في الأقضية والنواحي متهالكة، وخدماتها الطبية ضعيفة، ما يضطر المرضى إلى التوجه لمركز المحافظة لغرض تلقي العلاج في المؤسسات الصحية المتوفرة هناك.
وعلى الرغم من حملات البناء الكثيرة التي شهدتها الأنبار، بقي القطاع الصحي متخلفا في أكبر محافظات البلاد مساحة. إذ ما زالت المستشفيات تعاني الإهمال والنقص في الكوادر والأجهزة الطبية والعلاجات.
ويعتقد الأهالي أن “هذا الإهمال متعمد، لغرض توجيه الناس إلى المشافي الأهلية التي يملكها متنفذون في المحافظة” – حسب ما تنقله وسائل إعلام عن مواطنين أنباريين.
ويلفت ناشطون من أبناء المحافظة، في حديث صحفي، إلى أن “الإعمار الذي تتحدث عنه الحكومتان المحلية والمركزية، يقتصر فقط على مشاريع بسيطة مثل تبليط الطرق وصبغ الأرصفة وإنشاء الحدائق وبناء النافورات، لكن القطاع الصحي، وهو أهم قطاع يحتاجه المواطن، لا يزال يعاني الإهمال”.
في حين تعلن صحة الأنبار، عن شروعها بإنشاء مستشفيات جديدة في عموم المحافظة، دعما للقطاع الصحي.
معاناة كبيرة في راوة
الناشط المدني عثمان عبد الرحمن، من سكان قضاء راوة غربي الأنبار، يذكر في حديث صحفي ان أهالي القضاء يعانون معاناة كبيرة جراء تردي الواقع الصحي، مبينا أن “المراكز الصحية الموجودة لا تقدم أي خدمات طبية للمواطنين”.
ويؤكد أن “المريض يضطر إلى الذهاب لمستشفيات المدن المجاورة، في حال كان مصابا بحالة مرضية بسيطة. أما الحالات المستعصية فتنقل إلى مستشفيات مدينة الرمادي. وهنا يقطع المريض مسافة تصل إلى 200 كيلومتر”.
ويحمل مواطنون من أبناء راوة، مجلس المحافظة ووزارة الصحة مسؤولية تردي الواقع الصحي في القضاء، لافتين إلى غياب الدعم الحكومي عن القطاع الصحي.
وفي العام 2018 أعادت دائرة صحة الانبار افتتاح مستشفى راوة العام، ليقدم خدماته الطبية لأهالي القضاء، بعد أن تعرض للتدمير خلال العمليات العسكرية. ووقتها ذكرت الدائرة في بيان صحفي، أن المستشفى يضم 50 سريرا وأقساما للباطنية والنسائية والتوليد وحديثي الولادة، وانه مجهز بأحدث الأجهزة الطبية.
لكن الأهالي يرون أن هذا المستشفى لا يغطي الحاجة الطبية الفعلية للسكان، وانه يعاني نقصا في الكوادر والأجهزة الطبية والأسرّة، مشيرين إلى ان “أهم مشروع يحتاجه أهالي راوة اليوم، هو إنشاء مستشفى بسعة 150 سريرًا على الأقل، ما يجنبهم أعباء تلقي العلاج في المدن المجاورة أو في مركز المحافظة”.
ويوضح عدد من الأهالي في حديث صحفي، أن “راوة لا تفتقر للمستشفيات فقط، بل حتى للأطباء. فعدد الأطباء من ذوي الاختصاص والتمرس، قليل جدا. كما لا توجد مستشفيات أهلية أو عيادات خاصة يلجأ إليها المريض في الحالات الحرجة. أما جهازا الرنين والمفراس، فلا وجود لهما في راوة إطلاقا”!
ويذكر المواطن عمر الراوي أن “مستشفى راوة يخلو من صالة لعمليات الولادة، ما يضطر النساء الحوامل إلى التوجه لمستشفيات المدن البعيدة، وبالتالي يتعرضن لمخاطر صحية”، مضيفا في حديث صحفي ان “المستشفى يعاني شحا في الأدوية الأولية البسيطة، ولا يضم أقساما للتحليلات المرضية والأشعة وتخطيط القلب، ولا يوجد فيه كادر طبي اختصاصي”!
ويلفت الراوي إلى ان “أغلب خريجي كليات الطب من أبناء المدينة، يفتحون عياداتهم في مركز المحافظة، أو في المدن الأخرى، وذلك لأن الكثافة السكانية في تلك المناطق أعلى مما في راوة، إلى جانب أجور الكشف الطبي المرتفعة. أما الأطباء الذين يعملون في القضاء، فهم من الخريجين الجدد والمتدربين”.
ويتابع قائلا: “من غير المعقول ترك حوالي 20 ألف مواطن بلا خدمات طبية حقيقية”!
المستشفيات الأهلية بديلا عن الحكومية!
يشكو العديد من أهالي قضاء القائم غربي الأنبار، من انعدام الخدمات الصحية وغياب خدمة الطوارئ في المؤسسات الصحية الحكومية، فضلا عن غلاء أسعار الخدمات الطبية والعلاجية في المستشفيات الأهلية “التي أصبحت بديلاً عن المؤسسات الصحية الحكومية في مختلف مناطق الأنبار” – حسب ما يؤكدونه في حديث صحفي.
ويقول مروان المحلاوي، أحد أبناء القضاء، أن “الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية غائبة تمامًا، وان أغلب المستشفيات التي تعرضت للدمار لم تعد للخدمة كما كانت. لذا يضطر أغلب المواطنين إلى مراجعة المستشفيات الأهلية أو العيادات الخاصة، بسبب عدم توفر الأجهزة الطبية الحديثة والأدوية الضرورية في المستشفيات الحكومية”، مطالبا في حديث صحفي الجهات الحكومية المعنية بـ”التدخل السريع لإنقاذ الواقع الصحي في الأنبار، والذي بات يشكل عبئا كبيرًا على المواطن”.
صحة الأنبار تشرع بإنشاء 8 مستشفيات جديدة
وكانت مديرية صحة الأنبار قد أعلنت في أيار الماضي، شروعها بإنشاء 8 مستشفيات جديدة في المحافظة، بسعة أجمالية تصل إلى ألف سرير، موضحة في بيان صحفي أن “هذه الخطوة جاءت لدعم القطاع الصحي، خصوصاً مع ازدياد الكثافة السكانية”.
وأشارت المديرية إلى أن 3 من هذه المستشفيات تقع في الأقضية الواقعة شرقي المحافظة، وهي الصقلاوية والخالدية والفلوجة، مبينة أن السعات السريرية لهذه المستشفيات، هي: 50 سريرا في الصقلاوية، 100 سرير في الخالدية و200 سرير في الفلوجة. أما حصة الأقضية الغربية فكانت: مستشفى في هيت سعة 200 سرير، مستشفى في القائم سعة 200 سرير، مستشفى في حديثة سعة 200 سرير، إضافة إلى مستشفيين للطوارئ والولادة في البغدادي وراوة، كل واحد منهما سعته 25 سريرا. وأكدت المديرية أن جميع المستشفيات، في حال إتمام بنائها “سيتم تجهيزها بأحدث الأجهزة الطبية المتطورة ومن مناشئ عالمية”، مؤكدة أن “هناك خطة عمل لزيادة المراكز الطبية التخصصية وتوزيعها على جميع مناطق المحافظة”.