اخر الاخبار

في مناسبة يوم الشباب العالمي، تتجلى بوضوح المأساة التي يعيشها الشباب العراقي، الذين يواصلون الاحتجاجات يوميا في مختلف مناطق البلاد، مطالبين بفرص العمل والخدمات، لكن الحكومات المتعاقبة منذ العام ٢٠٠٣، لم تعر أية اهمية لهذه الشريحة، التي تشكل النسبة الكبرى في المجتمع، بل أمعنت تلك الحكومات بسياسات التفريط وهدر الطاقات، ما دفع بتلك الاعمار الى التفكير بالهجرة من وطن لا يوفر لهم العيش الكريم.

وفي ظل غياب دور فاعل للشباب في صنع القرار وتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، أصبحت المخدرات تنتشر كالنار في الهشيم، مهددة مستقبل جيل كامل.

 الحكومة تتلقى تقارير مضللة عن واقعهم

الناشط السياسي سعد عامر قال: ان القوى المتنفذة «تعمل على نزع الروح الوطنية لدى الشباب، وهذه مشكلة كبيرة سببها سياسات الحكومات التي توالت على ادارة البلاد، منذ ستينيات القرن الماضي والى يومنا هذا».

واضاف قائلاً، ان مشاكل الشاب العراقي عديدة وعلى صعد مختلفة ولا تقف عند حد معين، ولعل ابرزها هي المشاكل الاقتصادية، اذ اصبح ضحية للقطاع الخاص الذي لا يرحم  الشاب او يعطيه حقوقه التي نص عليها القانون، مع تهاون حكومي في تطبيق قوانين العمل في القطاع الخاص. وفي ذات الوقت اصبحت الوظيفة الحكومية تدفن قدرات الشباب، وتعطل الإنتاجية والابداع لديهم.

 وتابع قائلاً إن هناك جهلا قانونيا، وتدنيا في الوعي لدى الشباب. الكثير منهم يجهل اليوم طبيعة نظام الحكم في البلد، مبيناً ان الشاب يفترض ان يكون هو محرك الدولة واداة للتغيير، لكنه صار لا يعرف كيف يختار الجهة التي تمثله في البرلمان او مجالس المحافظات وتطالب بحقوقه،  وتحاول تحسين أوضاعه المعيشية.

واكد عامر، ان السلطة في البلاد تعزل الشباب وتقصيهم وتهمشهم، وفي الوقت الذي يفترض ان يتم استثمارهم في تحقيق التقدم، تعاملهم السلطات على انهم انداد او  اعداء، كونها تعتبر الشاب خطرا وقنبلة موقوتة ممكن تن تنفجر في اي وقت، وهذا ما شاهدناه في انتفاضة تشرين 2019، وكيف واجهته السلطات بالنار والرصاص.

وعن تقييمه للمبادرات الحكومية التي تخص الشباب ومستوى الاهتمام بهذا الملف، قال عامر إن «اغلب المستشارين المعنيين بأمور الشباب لدى الحكومة العراقية، يقدمون تقارير مضللة عن واقع الشباب وملاحظات ومعالجات لا تناسب واقعهم ومشاكلهم او احتياجاتهم، مستشهدا على ذلك بالمجلس الاعلى للشباب، الذي لم يعالج مشاكل الشباب او يقترح حلولا حقيقية لمشكلاتهم. بل ما نراه مجرد شو اعلامي ومؤتمرات شكلية للتقرب من السلطة لا اكثر ولا اقل.

ونوه الى ان أغلب «المسؤولين عن هذه المؤتمرات، وانا اتحدث بالنسبة لمحافظة نينوى، هم اشخاص سياسيون تابعون لأحزاب متنفذة، وليسوا شبابا مستقلين او ناشطين على مستوى المجتمع المدني. نحن نتحدث عن وجود فجوة وهوّة بين الحكومة والمنظومة السياسية الحاكمة من جهة، وبين فئة الشباب من جهة أخرى.

 وذكر عامر، انه «من المفترض ان يكون هناك اشخاص مستقلون يمثلون الشباب ويعبرون عن تطلعاتهم، ليكونوا مسؤولين عن هذه المجالس حتى تقدم حلولا وتوصيات ومعالجات حقيقية».

عزل واقصاء لهذه الفئة

فيما قارن المتهم في الشأن السياسي زين العابدين البصري، بين واقع الشاب العراقي وبين اقرانه في دول المنطقة، مؤكدا ان الفارق كبير وشاسع.

واكد البصري، ان الشاب العراقي «في حال يرثى له في كل الاتجاهات، على صعيد العمل و المكانة الاجتماعية والمشاركة السياسية. في كل هذه المسائل وغيرها لا نجد ان حال الشاب العراقي مشابه او على الاقل قريب من اقرانه في دول المنطقة، بل متأخراً بشكل كبير. كذلك نجده مهددا امنياً ان كان معارضا لنهج ومنظومة الحكم».

ونوه البصري الى ان «كل المشاكل التي يعاني منها الشاب العراقي والواقع المأزوم الذي يقاسيه، مرتبط بالسياسات التي تمارسها السلطات، وهي سياسات هدفها تجهيل الشباب وتقييدهم، فهي سلطة جاهلة وتنظر بعين واحدة الى قطب واحد ضمن الحلقة الضيقة لجمهورها، لكن هذه السلطات تدرك جيدا وتخشى انتفاضة الشباب، لذلك تعمل قدر الامكان على ابعدوهم عن الواقع السياسي الذي يقود الى تثقيف الشاب وتوعيته».

ووصف في سياق حديثه رؤية السلطة بالنسبة للشباب بأنها «رؤية قاصرة وخاطئة، وعلى سبيل المثال يتوهم المعنيون، انهم يعطون مساحة للشباب في المشاركة السياسية، لكننا في الواقع لم نجد حتى الان مشاركة حقيقية للشباب بداخل هذه القطاعات»، معتقدا «اننا سنصل الى نقطة معينة يقول فيها الشباب كلمته للطبقة السياسية. قد تكون نقطة اللاعودة بسبب تعمق الازمات وانحدار الواقع  وغياب افق الحلول والمعالجات الناجعة».

آفة المخدرات

الازمات التي تعصف بالشباب من كل حدب وصوب عديدة، وجميعها لا تقل اهمية وخطورة عن بعضها، وأحد اخطر هذه الازمات التي اقتحمت شريحة الشباب، هي آفة المخدرات.

وللحديث عن هذا الملف، بينت  رئيس مؤسسة عراق خال من المخدرات، ايناس كريم ان المخدرات متفشية بشكل مخيف بين اوساط الشباب في العراق.

واكدت في حديثها مع «طريق الشعب»، ان «اكثر فئة تخضع للعلاج هم المراهقون والشباب بين عمر 20 و 30 عاما. وهذه الفئة هي عماد ومستقبل المجتمع.

وقالت كريم ان «هذه مشكلة كبيرة، و تحتاج الى معالجات جذرية و اجتماعية. اغلب الشباب لديهم اسبابهم يبررون فيها تعاطيهم المخدرات، ونجد انها جزء من مشاكل يعاني منها المجتمع مثل البطالة والظروف والاقتصادية المتردية او بسبب المشاكل الاسرية و الضغوط الاجتماعية».

واكدت ان «الحكومة ملزمة بان تفهم وتعالج اسباب التعاطي، وتؤمن الحدود وتضبطها بشكل محكم لمنع تسلل تلك الآفة الى البلاد، وان توفر مراكز ومستشفيات معالجة بكل المحافظات، لإنقاذ اكبر عدد ممكن من الشباب ممن هم ضحايا لهذه الافة. وبموازاة ذلك، يجب ان تعالج المشاكل المجتمعية المتجذرة في العراق نتيجة لتداعيات وتراكمات الحروب والصراعات والازمات».

واوضحت المتحدثة ان «التعاطي لم يعد محصوراً بفئة الذكور، انما يستهدف كل فئات وشرائح المجتمع، الفتيات المتعاطيات نسبتهم غير قليلة»، لافتة الى ان»الجهود التي تبذلها وزارة الداخلية كبيرة ومهمة في ما يخص المكافحة قياساً بالسنوات السابقة، ولكنها غير كافية، إذ نحتاج الى جهود اكبر، والى اجهزة امنية متدربة بشكل جيد على التعاطي مع هذا الملف الخطر.

واقع شبابي مأزوم

الى ذلك، قال الناشط مرتجى ابراهيم ان «الشباب يعتبر عماد المجتمع وأحد الأركان الرئيسية لبنائه، حيث البذرة الأولى التي ينطلق منها تطور المجتمع وازدهاره وتقدم البلد هي الشباب،  فالطاقات والامكانيات الكبيرة التي يمتلكها الشباب فكريا وثقافيا وعلميا تصب جميعها في تطور المجتمعات والشعوب».

وذكر إبراهيم في حديث مع «طريق الشعب»، ان «الشباب العراقي اليوم وبعد عقدين على تغيير النظام الدكتاتوري، لا يزال يعاني من سياسات فاشلة، جعلته لا يبرح مكانه، أو ان يعبر عن رأيه او يحقق طموحاته، بل كبلته بقوانين وقرارات ووعود، جعلت الكثير من الشباب يقبرون احلامهم وافكارهم ومشاريعهم».

واشار ابراهيم الى «انعدام مراكز البحث العملي وانتشار الجامعات والكليات الاهلية التي هدفها التربح بل وتجهيل الشباب».

واضاف قائلا ان «اغلب الخرجين من الدراسات الاولية وحتى العليا لايزالون يبحثون عن فرص عمل حقيقية توفر لهم ابسط مستلزمات الحياة والعيش الكريم، في ظل تفشي الفساد المالي والإداري في اغلب مؤسسات الدولة».

وزاد على حديثه بالإشارة الى ان «الحال ذاته بالنسبة للجانب الرياضي، اذ لا نجد ان هناك اهتماما كافيا او توفير ابسط مستلزمات الترفيه كالمراكز الشبابية والنوادي الرياضية، بل ذهبت الحكومات المتعاقبة نحو منح تلك المراكز _ التي كانت وعلى الرغم من قلتها حاضنة للشباب الواعي والرياضي _ كفرص استثمارية لرؤوس الأموال في سبيل تحقيق اهداف وغايات معروفة لدى الجميع»، مشيرا الى ان «الدليل على فشلنا هو مشاركة العراق في اولمبياد باريس الحالية 2024 حيث ان أفضل انجاز للعراق هو المركز السادس الذي حققه الشاب علي عمار في فعالية رفع الاثقال من ضمن 3 فعاليات فقط اشترك فيها العراق».