تعد السينما أداة قوية وفاعلة للتأثير وإحداث التغيير الاجتماعي والثقافي، حيث يمكن طرح العديد من القضايا التي تهم المجتمع، وتسلط الضوء على المشكلات التي يعاني منها الأفراد.
ولا يزال السينمائيون العراقيون يعبرون عن سخطهم من التهميش المتعمد لهذا القطاع المهم، الذي يعد من بين اكثر القطاعات تضرراً وإهمالاً.
وتواجه السينما العراقية نقصاً حاداً في الدعم المادي والبنية التحتية اللازمة، بالإضافة إلى غياب التشريعات والسياسات التي تدعم هذا الفن وتطوره.
هذا الوضع المزري أدى إلى قلة وضعف النتاجات السينمائية، وجعل السينمائيين العراقيين يبحثون عن فرص خارج حدود الوطن، لتحقيق مشاريعهم الفنية، او "استجداء الدعم من هنا وهناك"، بحسب تعبيرهم.
غياب للاستراتيجية وتهميش متعمد
السينمائي اياس جهاد قال ان "كل المنح التي خصصت لقطاعات مختلفة قد صرفت، باستثناء قطاع السينما فلم تصرف المنحة. وظل السينمائيون يتساءلون حتى الان عن موعد صرفها؟".
واضاف في حديث مع "طريق الشعب"، ان "الامر ليس استجداء، وان المنحة ليست حلاً، بل يفترض ان يكون هناك صندوق يرعى قطاع السينما اسوة بدول المنطقة المجاورة مثل السعودية والاردن".
واضاف جهاد قائلاً ان "قطاع السينما لا يعد ترفيهياً فقط، بل فن يحمل رسالة ويوجه المجتمعات وينهض بمستوى الوعي والثقافة، وهو محطة لتصدير هوية البلد وثقافته ولغته. علاوة على ان السينما هي مصدر للجذب السياحي والتسويق".
واشار الى ان "الحكومة خصصت فقط 3 مليون دولار لقطاع السينما، ولم تصرف حتى الان. بينما صندوق الدعم السنوي في السعودية يصل الى 350 مليون دولار، ويمكننا هنا ملاحظة الفرق الشاسع والكبير. علاوة على ذلك فأن هناك عوائد متحققة من هذا الصندوق تصل الى 600 مليون دولار. بينما نحن ما زلنا نراوح وينقصنا ابسط المتطلبات".
واكد جهاد، ان "غياب الاستراتيجية والتخطيط وتعمد تهميش هذا القطاع، تشكل أسبابا رئيسية في تغييب قطاع السينما. وعلى ما يبدو يراد لنا ان نكون متخلفين في هذا المجال".
وخلص الى التساؤل: "الى متى يبقى المثقف يستجدي من الحكومة رعاية المجالات الثقافية والفنية؟".
محنة كبيرة
من جهته، قال المخرج رعد مشتت: ان "مشروع دعم السينما مطروح منذ 14 عاما، وفي السنوات الاخيرة جرى التحرك بصدد تحويله الى قانون ليشرعه البرلمان ويقره، لكن ما جرى هو التسويف والمماطلة فقط".
وأضاف مشتت في حديثه مع "طريق الشعب"، ان "السينما فن مربح، لكننا لا نملك قطاعا خاصا، وسط الظروف التي مر بها البلد، ما ادى الى اهمال وتهميش السينما بشكل كامل".
وتابع قائلاً: ان "السينما فن مكلف. هي ليست لوحة او مسرحية، بل عمل جماعي ومتطلباته كبيرة وفريق العمل ضخم ويحتاج الى مادة، ووسط غياب القطاع الخاص بات السينمائي يلجأ الى الدولة والمهرجانات والشركات والمنظمات التي تدعم. لكن الدعم بالعادة يكون بسيطا".
واكد مشتت ان "المحنة كبيرة، ونحتاج الى صندوق دعم السينما الذي بالفعل ناقش البرلمان قانونه، لكن المماطلة مستمرة والوعود تطلق بدون ان تتحقق، ولا يزال المشروع يراوح في مكانه".
وزاد على حديثه بالقول: "إننا في حالة جمود كامل، واستمرار غياب الدعم عن هذا القطاع. دائرة السينما والمسرح انتجت 10 افلام قصيرة، لكن هذا النوع من الافلام لا تصلح للسينما التي تحتاج الى فيلم روائي طويل".
ووصف السينما بأنها "مرآة المجتمع وارشيف وتاريخ، ولهذا تكتسب اهمية كبرى، فهي تتناول قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية، وحياة ومحن ومعاناة الانسان وترتقي بوعيه وتمكنه من التفكير والتفكر والمناقشة والتعمق بذاته ومحيطه الاجتماعي او السياسي".
وفي ختام حديثه، اطلق المخرج رعد مشتت مناشدة وجهها للمعنيين، قائلا: إن "السينما هي السجل الحقيقي للمجتمعات. نحن الان نعرف مدنا ودولا لم نزرها او نرَها بحياتنا، إنما اصحبنا نعرفها من خلال السينما، التي تعد سجلاً وذاكرة للشعوب ومزاجياتها وثقافتها".