اخر الاخبار

انتشرت خلال السنوات الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، لا سيما على “فيسبوك”، صفحات طبية وهمية يديرها أشخاص ينتحلون صفات أطباء معروفين على مستوى البلاد. ويقع المريض ضحية هؤلاء الذين يقدمون علاجات مزيفة، بينها خلطات أعشاب، تحت تأثير إعلانات مغرية، في ظل عجز نقابة الأطباء والجهات الصحية والأمنية عن مواجهة هذه الظاهرة التي تعكس فوضى القطاع الصحي.

ووقع الثلاثيني أثير علي ضحية محتال أنشأ صفحة على “فيسبوك” تحت اسم الدكتور وليد سرحان، استشاري أمراض القلب المعروف على مستوى البلاد.

يقول علي في حديث صحفي: “راسلت الصفحة لغرض الذهاب إلى عيادة الطبيب، لكن الرد جاءني بأن أصف حالتي المرضية، وسيصلني العلاج في أقل من 24 ساعة”، مضيفا قوله “وصفت حالتي، فأرسلوا لي العلاج، وكان عبارة عن عبوة تحتوي على خلطة عشبية، ولا تحمل أي علامة تجارية. فتوجهت إلى مستشفى أربيل الدولي حيث يعمل الدكتور سرحان، وسألته عن الصفحة والعلاج، فأخبرني بأن لا علاقة له بتلك الصفحة التي تحمل اسمه، وهو لا يكتب أي وصفة دوائية خارج عيادته”!

ويشير علي إلى انه يعاني ارتفاع ضغط الدم المزمن، فقرر مراجعة الدكتور سرحان، وقام بالبحث في محرك غوغل لعله يجد موقعا أو صفحة خاصة به عبر وسائل التواصل، لمراسلته والحجز لديه، لكنه تفاجأ بوجود صفحات عديدة تحمل اسم الطبيب. فراسل واحدة وتم الرد عليه من قبل أشخاص يدعون أنهم من فريق العمل، فأبلغوه بأن عليه كتابة الأعراض المرضية ليتولى الفريق إيصال العلاج إليه، بدلا من أن يسافر من بغداد، حيث يقيم، إلى أربيل.

وتلفت وكالات أنباء إلى ان هناك عشرات الصفحات على “فيسبوك” تنتحل صفة الدكتور سرحان، يتابعها عشرات الآلاف. 

وتنشر تلك الصفحات إعلانات لأدوية وعلاجات يتفاعل معها المتابعون، ومن بينها إعلان عن دواء منشور في أيار الماضي، يقول: “استعمله قبل النوم وستختفي آلام التهاب المفاصل والركبة والظهر خلال أيام”. وبالرغم من هذا الغموض، سقط العديد من المرضى في فخ الإعلان، ومنهم حامد حسين الطائي، الذي يسكن في صلاح الدين.

يقول الطائي في حديث صحفي: “أردنا حجز موعد لوالدي في عيادة الدكتور سرحان، فبحثنا عن صفحته على فيسبوك، ووجدنا واحدة باسمه. وبعد ان راسلناها طلبوا منا الذهاب إلى أربيل، فذهبنا”.

ويتابع قائلا: “عند وصولنا اتصلت بالصفحة لغرض معرفة موقع عيادة الطبيب، فأخبروني بأنه لا داعي للمجيء، نستطيع إرسال العلاج لكم. لكنني اصريت على مقابلة الطبيب فأغلقوا الهاتف بوجهي”!

وبسبب تكرار تلك الحالات علق الدكتور سرحان لافتة في عيادته يؤكد فيها انه لا يروج لعمله عبر صفحات التواصل.

وعن ذلك يقول في حديث صحفي أن “هناك صفحات كثيرة تروج لأدوية وعلاجات وهمية باسمي ليست لي صلة بها، بهدف الاحتيال على المواطنين، وهو ما أدى إلى تضرر سمعتي، حيث بات المراجعون يخشون أن تكون لي صلة بالأمر”.

 

 تفاقم الظاهرة

تكرر انتحال الصفة الطبية على “فيسبوك” مع الطبيب المعروف فلاح العزاوي - كما تقول الصيدلانية زينب نزار التي تعمل في صيدلية بمدينة كربلاء.

وتوضح زينب في حديث صحفي، أنه “دفعني الفضول لدى تسلم وصفة طبية مطبوعة من أحد المرضى، إلى سؤال المريض عن اسم الطبيب. فأخبرني بأنه حصل عليها بعد تواصله مع صفحة على فيسبوك باسم الدكتور فلاح العزاوي”.

وتضيف قائلة: “أخبرت المريض بأنه تعرض للاحتيال، وأظهرت له الصفحة الرسمية للطبيب العزاوي المتخصص في أمراض القلب، والمعروف بأنه لا يتعامل مع مرضاه الكترونيا، إنما بالتشخيص السريري”.

وبدأ العديد من الصيادلة يلاحظون انتحال صفات الأطباء على مواقع التواصل، منذ فترة الحجر الصحي لمنع انتشار فيروس كورونا – وفقا للصيدلانية زينب، التي تؤكد ان “تلك الصفحات لا تروج فقط علاجات وهمية، بل تبيع مستحضرات التجميل وأدوية إنقاص الوزن التي تلقى رواجاً بين الباحثين عن الأسعار المخفضة”، مشيرة إلى ان “عدم تشخيص حالة المريض بدقة وتعاطيه دواء خاطئا، قد يؤديان في بعض الحالات إلى الإصابة بأمراض أخطر أو حتى إلى الموت”.

 

شبكة أطباء وهمية!

لم يتوقف الأمر عند انتحال صفة طبيب معروف، بل ان هناك شبكة على “فيسبوك” باسم “أطباء العراق أون لاين”، تعلن عن امتلاكها كوادر طبية جاهزة للاستشارات وتقديم الوصفات الدوائية لمختلف الأمراض – حسب ما يقوله طبيب الأطفال الدكتور سلمان داود في حديث لوكالة أنباء “العربي الجديد”.

ويوضح الدكتور داود أن “هذه الشبكة تضم موظفات لا يحملن أي شهادات تؤهلهن للتعامل مع المرضى، ينتحلن صفة طبيبات باختصاصات مختلفة، ومنها النسائية. حيث يستمعن لمن لديهن مشكلات في الحمل والإنجاب، فيكتبن لهن وصفات الكترونية”!

فيما تلقت الشابة الحاصلة على البكالوريوس في الإدارة والاقتصاد، زهراء البياتي، عرضاً من صفحة استشارات طبية على “فيسبوك”، للعمل من المنزل في الرد على رسائل المراجعين، الذين يستفسرون عن علاج معين تروج له الصفحة.

وتقول زهراء في حديث صحفي أن “المسؤولين عن الصفحة طلبوا مني التحدث بصفتي طبيبة، والترويج لدواء باسم (العسل الأسترالي)، قالوا انه يعالج العديد من الأمراض وان علي إقناع من يسألون عنه بشرائه، وبالتالي أحصل على نسبة مالية من المبيعات”!

خوارزميات فيسبوك

ساعدت خوارزميات فيسبوك وتحديثاتها، في ارتفاع حالات الاحتيال على المواطنين – وفقا للاختصاصي في علوم الحاسوب المهندس محمد جاسم، الذي يقول في حديث صحفي أنه “في حال البحث عن اسم طبيب معين، تبدأ الخوارزميات بإظهار جميع الصفحات التي تحمل هذا الاسم، وبعد أن تدخل إلى أي صفحة من تلك تصلك رسائل مباشرة، تستفسر عن طلبك والخدمة التي تحتاجها”.

ويتطلب الأمر متابعة كل الصفحات التي تنتحل صفات الأشخاص بين الحين والآخر، وإغلاقها من خلال الإبلاغ عنها - كما يقول جاسم، مشيراً إلى أنه على الأطباء المعروفين وأصحاب المحتوى المهم، توثيق حساباتهم، وتكذيب أي صفحات تدعي أنها على صلة بهم، وذلك من خلال تكليف اختصاصيين في هذا المجال، يتواصلون مع شركة “ميتا” المالكة لموقع “فيسبوك” ويطالبونها بإغلاق أي صفحة غير موثقة تنتحل أسماء هؤلاء.

وبالفعل قام الدكتور سرحان بذلك، لكنه يقول: “كلما أبلغت عن حساب ينتحل صفتي أفاجأ بظهور حسابات أخرى”، مضيفاً قوله: “تواصلت مرات عدة مع شركة ميتا، لكني لم أتلق أي تعاون، فتواصلت مع خبير في المجال التقني أخبرني بأنه لا يمكن إغلاق جميع الصفحات التي تنتحل صفات الأشخاص بسبب سياسة شركة ميتا التي تستغرق وقتا طويلا في مراجعة تلك الصفحات بناء على شكاوى رسمية”.

ويحذر الدكتور سرحان عبر صفحته الأصلية على “فيسبوك”، التي يتابعها نحو مليونين و600 ألف متابع، من التعامل مع الحسابات التي تنتحل صفته.

عجز أمني عن تتبع المنتحلين

بسبب ضعف القطاع الصحي الحكومي، يضطر الكثيرون من المرضى إلى مراجعة أطباء القطاع الخاص سواء في العيادات أم على صفحات التواصل. وبحسب اختصاصي أمراض الروماتيزم والمفاصل محمد عادل، فإن الفوضى الطبية تنعكس في الأدوية التي توصف عبر صفحات “فيسبوك”. فمعظمها يكون منتهي الصلاحية أو غير فعال بسبب سوء التخزين، الأمر الذي ينبغي أن تواجهه نقابة الأطباء.  لكن عضو النقابة الدكتور هادي الشمري، يقول ان النقابة لا تمتلك أي سلطة تتيح لها ملاحقة الصفحات التي تنتحل صفات الأطباء.

ويوضح في حديث صحفي أن “هذا الأمر من مسؤولية السلطات الأمنية”.غير ان السلطات الأمنية تطالب بأسماء المنتحلين في حال التقدم بشكوى - كما يقول الدكتور سرحان، الذي سبق ان قدم بلاغاً إلى مديرية الأمن الوطني “فقد طلبوا مني ذكر أسماء المنتحلين حتى يتمكنوا من الوصول إليهم. وأنا بالطبع لا يمكنني معرفة اسمائهم”!