في ندوة حوارية أقامها المجلس العراقي للسلم والتضامن.. مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد يرسخ الهوية الطائفية ويمزق الوحدة الوطنية
بغداد – نورس حسن
ضيّف المجلس العراقي للسلم والتضامن، السبت 27 تموز، القاضي هادي عزيز، للحديث في جلسة حوارية عنوانها «مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد يرسخ الهويات الطائفية ويمزق الوحدة الوطنية»، حضرها جمع من المعنيين بالشأن القانوني والسياسي.
الجلسة التي احتضنتها قاعة المجلس في بغداد، أدارها الدكتور احمد علي إبراهيم، الذي تحدث عن المساعي السياسية التي تكمن وراء التعديلات المراد فرضها على قانون الأحوال الشخصية.
افتعال أزمات مجتمعية جديدة
وشدّد على أن «قانون الأحوال النافذ لا يخالف بنود الشريعة الإسلامية، وان الغاية من تعديل القانون الإساءة لواقع المرأة وافتعال أزمات مجتمعية جديدة»، منبهاً الى ان «الجهات التي عملت على صياغة مقترح القانون، يعون جيدا الاختلافات المذهبية بين الوقفين السني والشيعي، الأمر الذي أرغمهم على تنبيه الوقفين وفق مسودة مقترح التعديل على إجراء حوارات واتصالات لمدة شهرين، للتوصل الى صياغة مذهبية تنسجم مع مقترح القانون».
بعدها بدأ القاضي هادي عزيز حديثه حول قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، الذي كان وما زال المرجعية القانونية التي يُعتمد عليها في تنظيم أحكام الأسرة واستقرارها منذ اكثر من ستة عقود.
وأفاد القاضي بأن «قانون الأحوال هو احد القوانين التي ساهمت في البناء المؤسسي للدولة العراقية الحديثة»، مؤكدا ان «القانون يتماشى مع القواعد الشرعية دون تقيد بمذهب معين».
سلطة تشريعية موازية؟
وقال القاضي في الندوة التي حضرتها «طريق الشعب»، انه في حال المضي بإقرار مقترحات تعديل القانون سيغادر المجتمع الهوية الوطنية، ويذهب باتجاه ترسيخ الهوية الطائفية، فضلا عن ان مقترح التعديل يعطل المساواة امام القانون التي نصت عليها المادة (14) من الدستور».
وأفاد بأن «مقترح القانون يذهب أيضا باتجاه خلق سلطة تشريعية رديفة موازية لمجلس النواب متمثلة بفتاوى الوقفين الشيعي والسني»، موضحا ان «الفتوى لديهم بمثابة تشريع، وبذلك تكون هناك سلطة تشريعية أخرى تمتلك ذات القوة القانونية التي يصدرها مجلس النواب»، مؤكدا أن الوقفين بموجب قانونيهما هما مؤسستان حكوميتان منسوبتان الى السلطة التنفيذية».
وأضاف، أنه «حسب مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية فإن زواج البنت حسب المذهب الحنفي يكون بعمر 17 سنة وحسب المذهب الجعفري بعمر 9 سنوات، وفي حال زواج البنت وفق مقترح القانون بعمر 9 سنوات تكون قد ارتكبت مخالفة شرعية في مذهبها، وخالفت أيضا احكام القانون التي اعتبرها قاصرا. اما اذا كان الزواج على المذهب الجعفري فسيكون هناك قبول شرعي وقانوني، الامر الذي يسهم في ترسيخ الهوية الطائفية بشكل كبير في مجتمع يتميز بتعدد الطوائف».
وتطرق القاضي الى المادة (5) من الدستور، موضحا «انها تنص على سيادة القانون على جميع فئات الشعب العراقي دون تمييز، وان مقترح القانون تضمن انتهاكا صريحا لحقوق المرأة بصورة عامة».
ونبّه الى ان «المجتمع اليوم بحاجة الى صياغات قانونية تجعل من المواطنين ينحنون الى النصوص القانونية، معترفين بسيادة القانون».
مقترح «سيئ الصيت»
وخلال الجلسة قدّم عدد من الحضور مداخلاتهم بضمنهم رئيس تحالف قيم المدني د. علي الرفيعي الذي اشار الى ان «توجهات الجهات التشريعية ليست جديدة، انما هي تعمل كما تعودنا بعيدا عن الإنسانية، وفق مقترح تعديل القانون، وان قانون الأحوال الشخصية النافذ باعتراف الجميع شامل، وبنوده تحقق الاستقرار، وتوحد جميع أطياف الشعب العراقي».
وذكر الرفيعي، ان «الساعين وراء تعديل القانون يطمحون من وراء هذه الخطوة لتحقيق مصالح خاصة وإلغاء قانون الأحوال الشخصية عبر تشكيل لجنة تعمل على صياغة مدونة للحقوق الشرعية يتم تقسيمها بين المذاهب الدينية».
وأفاد بأن «ما يجري اليوم داخل مجلس النواب بشأن تشريع القوانين يتم وفق اتفاقات ومساومات ضيّقة على حساب مصلحة الوطن والعلاقات الاسرية الزوجية».
ووصف الرفيعي مقترح القانون بأنه «سيئ الصيت»، معللا ذلك بأنه «يتيح الزواج خارج المحاكم وقد يلزم المحكمة بالمصادقة على عقد زواج السيد»، محذرا من أن «القوى التشريعية الحالية مستمرة في مساعيها لتشريع القانون، على الرغم من سحب المسودة من جدول الاعمال، الا ان ذلك غير كاف».
دعوة لحملات توعية مكثفة
بدورها، تحدثت المتخصصة بعلم الاجتماع د. لاهاي عبد الحسين خلال الندوة، قائلة ان «اغلب البحوث الاجتماعية تقف بالضد من أي مشروع لتعديل قانون الأحوال الشخصية»، مشيرة الى ان «المواطنين اليوم يعانون من تحديات مجتمعية كثيرة كزواج القاصرات وارتفاع نسب الطلاق وأيضا الولادات غير الشرعية التي ارتفعت نسبها بعد احتلال داعش الارهابي، وان المجتمع اليوم بحاجة الى تكييف قانوني للخلاص من هذه التحديات التي تواجه المجتمع».
وقالت عبد الحسين، ان «مجلس النواب يتغاضى عن تشريع العديد من القوانين التي تهم المجتمع كقانون العنف الأسري، ويذهب للانشغال بتقديم مقترحات قانونية ترفع من نسب ما تواجه العائلة العراقية من معاناة يومية، كارتفاع نسب الفقر الذي يعد عنصرا أساسيا في زواج القاصرات وعمالة الأطفال والتسول»، مشددة على ان «الحكومة بدلا من الذهاب باتجاه مناقشة التحديات المجتمعية والعمل على إيجاد الحلول تذهب الى افتعال أزمات مجتمعية اكبر».
وأضافت عبد الحسين، ان «المجتمع بحاجة الى حملات توعية مكثفة حول اهمية المشاركة في الانتخابات واختيار من يمثلهم وفق المصلحة الوطنية، بعيدا عن المصالح الشخصية الضيّقة، ما يتيح إمكانية الخلاص من قوى الفساد التي تهيمن على المفاصل الحكومية منذ عقود طويلة، والتي وصل بها الحال الى تقديم مقترحات قانونية غير إنسانية، تتضمن توجها صريحا لترسيخ الخطاب الطائفي».
من اجل ابعاد التشريعات ذات الطابع الطائفي او التمييز بين الشعب العراقي
طرحت في الأيام الماضية وبشكل يخلوا من تعريف الرأي العام بما ينوي المشرعون تقديمه من قوانين او تعديلات للتشريع كما حصل في أيام الفصل التشريعي الجديد تموز 2024، لكنه انه من البديهي ان يكون عمل أعضاء مجلس النواب متسما بالشفافية والوضوح؛ لذلك اوجب الدستور ان تكون جلسات مجلس النواب علانية وهذا ينطبق على جميع اعمال الأعضاء أيضا، علما ان حق الجمهور الاطلاع على كافة اعمال المؤسسات التشريعية أيضا ضمن حق الحصول على المعلومات.
وقد اتسم موضوع تقديم تعديلات على قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 صفة العجالة الشديدة المريبة فقد جرى تثبيت مناقشة التعديلات بطلب نائب واحد، اما قانون النفط والغاز الذي يتعلق بالاقتصاد العراقي ما زال مركونا في ادراج رئاسة المجلس منذ سنوات مع مطالبة الرأي العام والاقتصاديين وبعض النواب بدتشريعه السريعة، إن ذلك يوحي بمزاجية اختيار القوانين للمناقشة وفرض ارادات بعض القوى على المصالح العليا للشعب العراقي.
كما نعلم ان قانون الأحوال الشخصية الذي يتعلق بالعائلة وافرادها وبالتالي المجتمع بكامله قد استمد اغلب مواده من مختلف المذاهب والفقه الإسلامي بما يتلائم مع العصر واستقرار العائلة العراقية والمواثيق الدولية أيضا، اما التعديلات المطروحة من قبل قوى دينية سياسية تعمل على إعادة المجتمع العراقي الى احكام واراء فقهية دينية لعصور متنوعة بعضها منغلق على مذهبه او ثقافة عصره لذلك فيمكن اجمال ملاحظاتنا الأساسية على التعديلات المطروحة بالنقاط التالية :-
1- عند قراءة التعديلات نجد انها حملت العديد من التوجهات الطائفية بمسمياتها ولأول مرة تتم فيها محاولة تقنين الفرقة الطائفية في داخل العائلة العراقية، حيث يكون لديوان الوقف الشيعي والوقف السني دور في التشريع، وهما مؤسسات لادارة الأوقاف.
2- التمييز لصالح الرجل ضد المرأة بنص التعديل المقترح مادة ب2اضافة فقرة 3 ((عند حصول خلاف بين الزوجين بشأن المذهب الذي جرى ابرام عقد الزواج وفقا لاحكامه، يعد العقد وفقا لمذهب الزوج...)) وهذا خلافا للمادة 14 من الدستور العراقي التي تنص ((العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز...)).
3- يدعو التعديل لتكوين (مدونة الاحكام الشرعية) خلال 6 اشهر من بعد تشريع تعديلات القانون وهذه المدونة المزمع تنظيمها سوف تكون بمثابة القانون البديل الذي تطبقه المحاكم فعليا.غير اننا يجب ان نعلم ان بعض موظعوا الوقف منهم رجال دين لم يدرسوا القانون ولا علم الاجتماع سيضعون فقرات المدونة وأحكامها.
4- إن مقترح التعديل يدعو الى رجوع المحاكم المختصة للوقف الشيعي والسني للفترة ما بين تشريع التعديلات واكمال المدونة الشرعية أي لفترة ستة اشهر والحكم بآرائهم وبالتالي إيقاف العمل بالقانون النافذ رقم 188 لسنة 1959 فيكون العمل برأي موظفين حكوميين في الوقفين وليس بقانون مشرع قد استقرت عليه الاحكام والقضاء والعائلة العراقية لعقود طويلة.
5- منح تخويل اجراء عقود الزواج من قبل دواني الوقف الشيعي والسني الى اشخاص اخرين وما على المحكمة إلا تصديق العقد وبالتالي اضعاف المؤسسة القضائية وإطلاق عقود زواج أخرى غير الزواج الدائم - وهو من ثوابت احكام الإسلام—وبالتالي ستكون مشاكل اجتماعية كبيرة منها زواج القاصرات وتعدد الزيجات علما ان القضاء صاحب الصلاحية منفردا للتوثيق والاحصاء وما يحصل من متغيرات على العقد بعد ذلك.
لذلك ندعو الى الغاء مقترح التعديلات لقانون الأحوال الشخصية النافذ كونها طائفية تمييزية غير دستورية
جمعية المواطنة لحقوق الانسان
***************************************************************
مسودة التعديل تكرّس النزعة الطائفية المقيتة
محاولة يائسة لتغيير قانون الأحوال الشخصية انطلاقاً من احترامنا لوحدة النسيج العراقي، وسعينا لنبذ التفرقة على أساس الجنس، أو العرق، أو القومية، أو الأصل، أو اللون، أو الدين، أو المذهب، أو المعتقد، أو الرأي، أو الوضع الاقتصادي، أو الاجتماعي؛ وواجب الالتزام بما نصّ عليه الدستور العراقي بهذا الخصوص؛ فإننا نضمّ صوتنا إلى جانب الأصوات الخيرة المنادية برفض (مُسَوَّدة تعديل قانون الأحوال الشخصية) التي ناقشها البرلمان العراقي قراءة أولى، يوم أمس الأربعاء، 24-7-2024، بناء على طلب من نائب واحد؛ خلافاً للقانون. إن ما جاء بتلك المُسَوَّدة من تعديلات يهدد السلم والاستقرار السياسي والاجتماعي، وبالتالي الأمني والاقتصادي، ويكرس النزعة الطائفية المقيتة التي ما زال شعبنا يعاني من آثارها حتى اليوم، وينتقص من حقوق المرأة والطفل، ويهدد بناء العائلة والمجتمع، ويتعارض والمواثيق الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان. نرفض رفضاً قاطعاً هذا التعديل الذي جاء بدوافع ونزوات فردية من أشخاص أو تيارات معروفة؛ مهما كانت مبرراتها، وندعو كل القوى الخيرة، والأوساط والشخصيات الثقافية والاجتماعية لإيقاف أية محاولة لزرع الفتنة والصراع الطائفي البغيض. المركز العراقي الكندي لحقوق الإنسان.
المركز العراقي الكندي لحقوق الإنسان
الخميس 25-7-2024
*********************************************************
لتتوحد جهودنا جميعا لمواصلة رفض تعديل قانون الاحوال الشخصية
تثمن رابطة المرأة العراقية عاليا الموقف الانساني الذي تحلى به السيدات والسادة اعضاء مجلس النواب العراقي الذين شاركوا في جمع التواقيع لسحب مقترح تعديل قانون الاحوال الشخصية (رقم 188 لسنة 1959) من جدول اعمال جلسة يوم الاربعاء الماضي 24 تموز 2024، كما نثمن الدور الكبير الذي لعبته مختلف وسائل الاعلام العراقية والمدونين والنشطاء المدنيين والقوى والشخصيات السياسية المدنية والديمقراطية والوطنية التي ساهمت بحشد الرأي العام لرفض ادراج مسودة التعديل في جدول اعمال مجلس النواب، ونؤكد على أن التضامن والتواصل والمشاركة الفعالة كانت وستبقى العامل الاساس في تسليط الضوء على هذه القضية المهمة والدفاع عن حقوق جميع المواطنين وبالاخص الحقوق القانونية والمدنية.
كما ونثمن الدور الذي لعبته منظمات المجتمع المدني والشبكات وبالتعاون مع المؤسسات القانونية والمحاميات والقضاة لتضامنها مع الحملة التي اطلقتها الحركة النسوية العراقية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والبيانات والتصريحات الإعلامية، والمشاركات والمشاركين في الفعاليات المختلفة التي أسهمت في إيصال صوتنا ورسالتنا إلى مستويات متعددة من المجتمع والى المسؤولين. إن هذا التضامن يبرهن على الالتزام الجاد بالدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الطفل والمرأة، ويعزز من قوة حركتنا الجماعية نحو تحقيق العدالة وحفظ الكرامة الانسانية لكل العراقيين.
ان المقترحات التي قدمت لتعديل القانون تشكل خطوة للوراء في مجال حقوق المرأة والاسرة والطفولة وتناقض مبادئ الدستور وتتنافى مع العدالة والقيم الاساسية التي وفرها قانون الاحوال الشخصية العراقي السائد واهمها أنه قانون يحمي ويضمن حقوق الجميع دون تمييز أو تفرقة.
سنواصل نضالنا ووحدة جهودنا والاصرار على مطالبنا بضرورة رفض اي مسعى لاعادة مناقشة القانون دون ان يكون لاصحاب الشأن رأي واضح فيه، واجراء حوار مجتمعي شامل وشفاف حول هذه التعديلات وضرورة مراعاة آراء جميع الاطراف المعنية قبل اتخاذ اي قرار نهائي بهذا الخصوص.
كلنا أمل بالاصغاء وسماع صوت المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان، وأن تتخذ رئاسة مجلس النواب والحكومة الاتحادية القرار الأمثل الذي يحافظ على حقوق الفرد ويعزز العدالة في المجتمع بما يضمن وحدته.
رابطة المرأة العراقية
26 تموز 2024