اخر الاخبار

بين فترة وأخرى تسجل مدن ومحافظات عديدة حالات تسمم غذائي بين المواطنين، وذلك إثر تناولهم وجبات طعام في مطاعم شعبية تفتقر لشروط النظافة والإجراءات الصحية المطلوبة. وبينما يؤخذ على المؤسسة الصحية في البلاد تقصيرها في متابعة المخالفين لتعليمات الرقابة وعمل تلك المطاعم، والتأكد من التزامها بالتعليمات الصحية، ومحاسبة أصحابها المخالفين، تتصاعد المطالبات الشعبية إثر كل حادثة تسمم، بتشكيل فرق للرقابة الصحية تقوم بتنظيم جولات ميدانية يومية على المطاعم. 

وتعتبر مطاعم الأكلات السريعة المنتشرة في الأسواق والأحياء الشعبية ومرائب نقل المسافرين، من المطاعم الأقل التزاما بالشروط الصحية، لا سيما انها موجودة أساسا في أماكن غير مناسبة لتناول الطعام. حيث تعرض الأطعمة في الهواء الطلق فتتعرض للأتربة وأشعة الشمس، بينما لا يلتزم العاملون بنظافتهم ونظافة أدوات الطهي والأطباق والمكان.

مئات الحالات

في العام 2021 أصيب أكثر من 500 شخص بالتسمم وتوفي واحد منهم، إثر تناولهم وجبات سريعة في مطعم شعبي في ميسان، في ما أطلق عليه وقتها «فاجعة الفلافل»! كما تم تسجيل 35 حالة تسمم بين مواطنين تناولوا الطعام في مطعم يقع شرقي بغداد. فيما أعلنت دائرة صحة كربلاء نهاية العام الماضي، تسجيل 42 حالة تسمم بسبب تناول الطعام في مطعم شعبي شرقي المحافظة. وقبل ذلك تكررت هذه الحالات في محافظتي كركوك وديالى وغيرهما.

أما آخر تلك الحالات، فهو ما حصل قبل نحو أسبوعين حينما سجلت محافظة ديالى تسمم نحو 70 مواطنا نتيجة تناولهم وجبات سريعة في مطعم محلي في قضاء المنصورية.

وقال المتحدث باسم صحة ديالى فارس العزاوي في حديث صحفي، أنه «تم اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمعالجة المصابين. حيث جرى تقديم الرعاية الصحية لهم في المستشفيات والمنازل وفقا للحالة الصحية لكل مريض».

فيما ذكر عضو مجلس المنصورية راغب العنبكي، أن «الفرق الصحية في قطاع المنصورية قامت بجهود مكثفة لمعالجة حالات التسمم تلك، حيث تم تقديم العلاج اللازم للمصابين واتخاذ الإجراءات الرقابية اللازمة تجاه المطاعم الشعبية التي تقدم الوجبات السريعة. كما نظمت فرق الصحة جولات ميدانية لمتابعة حالات المرضى».

إدارة صحة ديالى بدورها أقدمت على إغلاق المطعم الذي تسبب في تلك الحالات. وقالت في بيان صحفي ان «الرقابة الصحية في المنصورية أغلقت أحد المطاعم في مدينة دلي عباس لمخالفته الشروط الصحية وورود حالات تسمم غذائي بسبب تناول الطعام في هذا المطعم»، مؤكدة أنه «تم فرض غرامة مالية على صاحب المطعم، وعلى عدد من العاملين في المطعم لعدم امتلاكهم البطاقات الصحية وشهادات التربية الصحية».

ولم تعلق وزارة الصحة رسميا على الحادث، بالرغم من الأعداد الكبيرة للمصابين، إلا أن مسؤول دائرة التفتيش في الوزارة حسن العبودي، قال ان «الوزارة لديها لجان خاصة بالتفتيش والتحري الوبائي في عموم المحافظات، تواصل تنفيذ مهامها من ناحية الرقابة والتفتيش»، مؤكداً في حديث صحفي أن «أي مطعم مخالف للشروط الصحية تتم محاسبته وفقا للائحة القوانين التي نعمل بها».

وبيّن أنه «خلال الفترات السابقة تم إغلاق الكثير من المطاعم الشعبية في بغداد والمحافظات بعد رصد حالات تسمم فيها، والتأكد من مخالفتها للشروط الصحية»، لافتا إلى أن «تلك اللجان تواصل أعمالها، وهي تتابع وتتلقى بلاغات من مواطنين بتقصير وإهمال صحي في مطاعم معينة، وعند ذلك تجري بشكل مباشر عمليات التفتيش».

وشدد العبودي على أهمية أن يتعاون المواطنون مع اللجان الصحية في الإبلاغ عن المطاعم المخالفة للشروط الصحية.

الوزارة مقصرة

لكن عضو نقابة الأطباء العراقيين عدنان البياتي، رأى أن «هناك تقصيرا واضحا من قبل وزارة الصحة في إدارة ملف الرقابة الصحية على المطاعم»، مشيرا في حديث صحفي إلى ان «الكثير من المطاعم في البلاد، خاصة مطاعم الوجبات السريعة، تعمل من دون رخص، وأن هذا الواقع المؤلم مستمر منذ العام 2003. فهناك أعداد كبيرة من تلك المطاعم أصبحت بؤرا للأوبئة ونقل الأمراض وحالات التسمم، كونها لا تلتزم بأدنى مستوى من النظافة والإجراءات الصحية، وهذا أمر لا يمكن استمراره بأي شكل من الأشكال».

ولفت إلى أن «العمل الرقابي في وزارة الصحة ضعيف، وأن الوزارة تعمل على غلق المطعم المخالف بعد تسجيل حالات التسمم، وهذا إهمال واضح، إذ إنها لا تطبق القوانين على المطاعم المخالفة للشروط إلا بعد أن وقوع كوارث التسمم والتي تتسبب بعضها في حالات وفاة».

وشدد البياتي على أهمية أن تنفذ الفرق الصحية جولاتها الميدانية بشكل يومي، وتداهم المطاعم بصورة مفاجئة لمعرفة مدى التزامها بالتعليمات الصحية، مع محاسبة المخالفين دون أي مجاملات، مضيفا أنه لا يمكن التساهل في هذا الملف الذي يمس صحة المواطن بشكل مباشر.

وفي العام الماضي وجهت وزارة الصحة فرق الرقابة الصحية بتكثيف حملاتها لمراقبة مدى التزام المطاعم بالشروط الصحية، بعد اكتشافها مخالفات كثيرة. وشددت في بيان صحفي، على أهمية أن يلتزم أصحاب المطاعم بالشروط الصحية والضوابط الوزارية الخاصة بتجديد الإجازات الصحية للعاملين فيها ومتابعة صلاحية المواد الغذائية والالتزام بنظافة المطاعم واماكن إعداد الأطعمة، مشيرة الى انها تتخذ الإجراءات القانونية بحق المطاعم المخالفة، بإغلاقها وفرض غرامات مالية على أصحابها.

مطاعم جوالة

إلى ذلك، يقول المواطن محمد علي شهاب، أن هناك فقراء وعاطلين عن العمل يضطرون إلى افتتاح بسطات أو عربات جوالة لبيع الأطعمة والمرطبات والشاي والمعجنات في الشوارع والأسواق، معرضين أطعمتهم للهواء الطلق، ما يتسبب في تلفها وتعرضها للجراثيم، مشيرا في حديث لـ «طريق الشعب»، أن الكثيرين من هؤلاء يهتمون بنظافتهم ونظافة أدواتهم، لكن هذا لا يمنع تلوث الأطعمة، كونها تُعرض في الهواء الطلق.

ويرى شهاب أن «المطاعم الجوالة موجودة في جميع دول العالم. إذ توفر سبل معيشة لأصحاب المشاريع الصغيرة. لكنها تخضع لتعليمات وضوابط صحية تحددها السلطات، لمنع تلوث الأطعمة. أما في العراق، فلا يبدو أن هناك متابعة حقيقية لتلك المطاعم».