اخر الاخبار

تواجه زراعة القطن في العراق، اليوم، تحديات قاسية، أبرزها الجفاف الذي ضرب البلاد خلال السنوات الأخيرة، إلى جانب ضعف التسويق، في وقت احتلت فيه البلاد العام الماضي المرتبة الرابعة عربيا ضمن أكبر الدول إنتاجا لهذا المحصول، بمعدل 15 ألف بالة (البالة الواحدة تزن نحو 217 كيلوغراما)، معظمها منتج في المناطق الشمالية.

وكانت تُزرع في العراق 10 أصناف من القطن، على مساحات واسعة انخفضت كثيرا خلال العقدين الماضيين بسبب السياسة الزراعية واختلال التوازن بين إيرادات المحصول ومصروفات إنتاجه مقارنة بالمحاصيل البديلة الأخرى. لكن هذه الزراعة شهدت العامين الماضيين ارتفاعاً نسبياً قياساً بالعقدين الأخيرين، اللذين تراجعت فيهما بفعل عوامل عديدة منها الجفاف وعدم اهتمام الدولة بهذا القطاع.

وكانت زراعة القطن تنحصر في المنطقتين الوسطى والشمالية، وبعض المساحات في المناطق الجنوبية.

وعربيا، تعتبر مصر والسودان ثم سورية من أكبر الدول إنتاجا للقطن. إذ انتجت خلال العام الماضي ما معدله 600 ألف بالة، 350 ألف بالة، 160 ألف بالة على التوالي. فيما حل العراق رابعا بـ15 ألف بالة، أعقبته اليمن بمعدل 8 آلاف بالة.

خارج الخطة الزراعية

تنقل وكالات أنباء عن مصادر رسمية، القول أن زراعة القطن في العراق كانت خارج الخطط الزراعية الموسمية لسنوات طويلة، بالرغم من أهمية هذا المحصول الاقتصادية واستخداماته المتعددة في الصناعات النسيجية والغذائية والدوائية، وتوفيره مصدر دخل مهم لعدد كبير من المزارعين والعاملين في التسويق والتصنيع.

وقال مدير عام دائرة زراعة محافظة واسط أركان الشمري، ان “القطن محصول صيفي، ومنذ أكثر من 9 سنوات لم يدخل في الخطة الزراعية”، مشيرا في حديث صحفي إلى ان “هناك أسبابا عدة أدت إلى ضعف زراعة القطن في البلاد، في مقدمتها شح المياه”. وأشار إلى “إمكانية أن يحتل العراق مراتب متقدمة في إنتاج القطن، فيما لو توفرت العوامل المساعدة لتنمية هذا القطاع. فلغاية الآن لا توجد منافذ تسويقية مستقرة لمحصول القطن في البلاد، وكان في السابق يتم استلام المحصول من المزارعين من خلال معامل النسيج والزيوت، إلا أن إنتاج هذه المعامل متوقف منذ سنوات”.

وأوضح الشمري أن “فترة نمو المحصول طويلة. فهو يزرع في نهاية شباط، ويبقى في الأرض إلى كانون الأول. وهذه فترة طويلة قياسا بفترات المواسم الزراعية، الأمر الذي يتسبب في إجهاد التربة واستنزاف جودة موادها”.

وأكد أن “الكثيرين من الفلاحين عزفوا عن زراعة هذا المحصول، بسبب تكلفة إنتاجه العالية، وكثرة الأمراض والأوبئة التي يتعرض لها”، لافتا إلى انه “في السابق كان القطن من بين أهم المحاصيل في البلاد، وكانت واسط وحدها تزرعه على مساحة تصل إلى 15 ألف دونم”.

وتعد المناطق الشمالية اليوم، المركز الرئيس لزراعة القطن في البلاد. إذ يقوم المزارعون بالاتفاق مع جهات تسويق خاصة قبل قطاف المحصول، لتحديد تسعيرته، ما يمنحهم أريحية في زراعته التي تستمر على مدار شهور عدة.

بين الاستيراد العشوائي وتوقف الصناعة

يعتبر القطن من المحاصيل الاستراتيجية التي يعتمد عليها عدد كبير من الصناعات النسيجية والغذائية. وكانت زراعته مزدهرة في العراق منذ مطلع القرن الماضي، حتى نهاية عقد التسعينيات. لكن يبدو ان الاستيراد العشوائي للألبسة والمنتجات النسيجية، ساهم هو الآخر في إضعاف هذه الزراعة.

وفي هذا الشأن، قال الاختصاصي في الاقتصاد الزراعي خطاب الضامن، أن “أهمية إنتاج القطن في العراق انخفضت بعد 2003، بسبب فتح باب الاستيراد العشوائي أمام الألبسة والمنتجات الغذائية بأسعار منخفضة قياساً بارتفاع تكاليف الإنتاج الوطني”.

وأوضح في حديث صحفي أن “الدولة كانت في السابق هي الجهة التي تشتري المحاصيل من الفلاحين، لتوفير المواد الأولية الداخلة في الصناعات الغذائية والنسيجية، وتغطية الحاجة المحلية بأسعار مدعومة. لكن الكثير من المعامل المتخصصة في تلك الصناعات تعرض للنهب والسرقة بسبب التوترات الأمنية”.

وبيّن الضامن، أن “ما يعانيه العراق اليوم هو عدم وجود مصانع يمكن أن توفر عوامل نجاح للتنمية المستدامة من الصناعة المحلية، ما يجعل البلاد معتمدة بشكل كامل على الاستيراد”، مشيرا إلى ان “الدولة كانت تشجع على إنتاج المحاصيل الزراعية الداخلة في الصناعات الغذائية والنسيجية، لأن هناك ارتباطاً وثيقاً بين القطاعين الزراعي والصناعي. أما اليوم فيشهد العراق حالة ارتباك أدت إلى خلل كبير في تحقيق الإنتاج الوطني من الصناعات المحلية التي يمكن أن تحقق عائدات مالية كبيرة، تسد ثغرة من ثغرات الاعتماد الكلي على الإيرادات النفطية”.

بعد المحاصيل الغذائية في الاهمية

يحتل القطن أهمية اقتصادية تجعله في المرتبة الثانية بعد المحاصيل الغذائية في العالم. وتأتي هذه الأهمية نظراً لإمكانية استخدام أليافه في صناعة أجود أنواع المنسوجات من حيث المتانة والمرونة والنعومة، فضلاً عن استخدامه في صناعة القطن الطبي والمفروشات وصناعة الزيوت النباتية.

ووفقا للباحث الاقتصادي أحمد صباح، فإن “المزارعين أقبلوا على إنتاج القطن بعد اختراع آلة غزل القطن عام 1793، فأخذ يدخل في صناعة الأنسجة المختلفة. كما يعد القطن المنتج الأكثر شعبية في العالم لاستخدامه في صناعة الملابس والمنسوجات المختلفة”.

وأضاف قائلا في حديث صحفي أن “إنتاج القطن لعب دوراً محوريّاً في صناعة النسيج العالمية لقرون عدة. إذ ينتج العالم نحو 25 مليون طن منه سنويّاً. كما انه يعتبر من محاصيل الألياف المهمة في العالم وتتمثل أهميته في استعمالاته المتعددة”.

وأشار صباح إلى أن “القطن من أهم المحاصيل النقدية في العالم، نظراً لعدم إمكانية استهلاك أليافه وبذوره مباشرة قبل تصنيعه، وبالتالي فإنه يدر أرباحاً للفلاح، بعكس المحاصيل الأخرى كالقمح والشعير والبقوليات. ويوفر هذا المحصول دخلاً مهماً للبلد المنتج له. كما يوفر سبل العمل لنسبة كبيرة من السكان سواء في الزراعة أم في الصناعة”.