اخر الاخبار

نحو 4 ملايين عراقي يسكنون في بيوت عشوائية تقع على أراض تابعة للدولة، وتنعدم فيها أبسط شروط المعيشة الإنسانية. وفي حين يضطر هؤلاء إلى السكن في تلك العشوائيات، نظرا لظروفهم المعيشية القاسية واستفحال أزمة السكن، تأتي الدولة لتجبرهم على إخلاء مساكنهم دون أن توفر لهم بدائل معقولة، الأمر الذي يهدد بتشرّدهم، لا سيما أن معظم المتجاوزين فقراء ومعدمون لا يقوون حتى على استئجار سكن بسيط.

ويتجمع نحو نصف تلك العشوائيات في أطراف بغداد، والنصف الآخر موزع في مختلف مدن البلاد، وسط دعوات لوضع حلول جذرية وعاجلة لهذه الظاهرة الخطيرة التي تنطوي عليها تحديات إنسانية واجتماعية وأمنية وصحية. إذ تشكل العشوائيات بؤراً للفقر وانتشار الأمراض، وتعكس مدى البؤس الذي وصل إليه المواطن العراقي في ظل الإهمال الحكومي والفساد المستشري في مفاصل الدولة.

وتنفذ دوائر البلدية في عموم المحافظات بين فترة وأخرى حملات لإزالة الدور المتجاوزة، وآخرها ما شرعت به بلدية البصرة في مطلع حزيران الفائت. إذ نفذت حملة كبيرة لإزالة التجاوزات في مركز المحافظة، وأبلغت أصحاب 450 داراً متجاوزة، برفع تجاوزاتهم عن منطقة كانت سابقا مساحة خضراء – حسب ما ذكره مدير البلدية فراس الحسيني في حديث صحفي. وقبل ذلك نفذت بلدية النجف حملة مماثلة في “الحي العسكري” بمركز المحافظة.

وبينما يُجبر سكان العشوائيات على إخلاء منازلهم إذعانا لحملات البلديات، يصطدمون بعدم قدرتهم على إيجاد مساكن تؤويهم، في ظل غلاء الإيجارات وعدم قيام الدولة بمنحهم مساكن بديلة. وفي حين تتوجه الدولة إلى بناء مجمعات سكنية تعتبرها حلا لأزمة السكن، يأتي الفقير فيتفاجأ بأن سعر الوحدة السكنية في تلك المجمعات باهظ جدا ولا يناسب سوى الأثرياء!

 مجبرون على التجاوز

يعزو مواطنون من سكان العشوائيات السبب الذي دفعهم للسكن في هذه الأماكن إلى الفقر والحرمان والإهمال الحكومي.  

وتقول المواطنة أم ضرغام، من سكان العشوائيات في كربلاء، ان “السكن في التجاوز جاء نتيجة ارتفاع أسعار العقارات. فنحن لا نستطيع شراء أرض أو منزل أو حتى استئجار سكن، لذلك نحن مجبرون على هذا الوضع”.

وتبين في حديث صحفي أن “أرخص منزل بمساحة 50 مترا في أطراف كربلاء، يصل سعره إلى 15 مليون دينار. أما المجمعات السكنية الجديدة، فحتى أصحاب الدخل المتوسط لا يستطيعون السكن فيها لارتفاع أسعار وحداتها، والتي يتراوح سعر البسيطة منها بين 150 و200 مليون دينار”.

وتؤكد المواطنة انها تتلقى بين فترة وأخرى من البلدية “بلاغات بإخلاء المسكن”، مطالبة الحكومة بتوفير مساكن بديلة للمتجاوزين، أو على الأقل منحهم أراض ومبالغ مالية للبناء عليها.

وكان المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، قد أفاد في حديث صحفي سابق بأن “هناك 4 آلاف مجمع عشوائي في عموم العراق، تضم 522 ألف وحدة سكنية. أي أن هناك 522 ألف أُسرة تعيش في هذه العشوائيات”.

وأوضح أن “حصة بغداد من هذه العشوائية هي الربع، بواقع 1022 عشوائية، تليها البصرة بواقع 700 مجمع عشوائي”، لافتاً إلى أن “أقل المحافظات في أعداد العشوائيات هي كربلاء بواقع 98 مجمعاً، والنجف بحدود 99 مجمعاً”.

فيما ذكر مستشار رئيس الوزراء مظهر محمد صالح، ان “قطاع السكن في العراق يعاني تراكم موروث لأكثر من 3 آلاف عشوائية يسكن فيها قرابة 4 ملايين مواطن، وتنخفض فيها متطلبات العيش اللائق. ويتجمع نصف تلك العشوائيات في أطراف العاصمة، والنصف الآخر في بقية مدن البلاد”.

المجمعات السكنية الجديدة

يصطدم الكثيرون من المواطنين، خاصة الفقراء وذوو الدخل المحدود، بعراقيل كبيرة عند محاولتهم الحصول على سكن، وذلك جراء الأسعار الخيالية للعقارات. وبينما تقوم الدولة بإنشاء مدن ومجمعات سكنية في عموم المحافظات، بهدف الحد من أزمة السكن، يتفاجأ المواطن البسيط بأن الوحدات السكنية في تلك المجمعات باهظة الثمن ولا تناسب أبدا قدرته الشرائية.

ويحتاج العراق إلى إنشاء 3 إلى 3.5 ملايين وحدة سكنية للحد من أزمة السكن المزمنة. وفي محاولة لتقليص الفجوة باشرت الحكومة بإنشاء 52 مدينة سكنية في المحافظات الوسطى والجنوبية، إلى جانب بناء مجمعات سكنية ومنح قروض لبناء وترميم وشراء الوحدات السكنية، في حلول وصفت بـ”الجذرية” لمعالجة المعضلة التي تؤرق الملايين في البلاد.

ويشير المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، إلى ان “أسعار الوحدات السكنية في المجمعات التي يتم إنشاؤها تخضع لنظرية العرض والطلب. فكلما كانت هناك زيادة في المعروض كلما انخفضت الأسعار، والعكس صحيح، فكلما قلّ المعروض كلما ارتفعت الأسعار”، مستدركا “لكن في ظل السياسة التي انتهجتها الحكومة ضمن خطط التنمية المتمثلة في بناء مدن سكنية، ستُخلق حالة من استقرار الأسعار”.

قانون معالجة التجاوزات السكنية

وكان مجلس النواب قد أنهى في 8 تشرين الأول 2022 القراءة الأولى لمشروع قانون معالجة التجاوزات السكنية والمقدم من لجان الخدمات والإعمار والقانونية والمالية.

وفي هذا السياق، يقول عضو لجنة الخدمات والإعمار محما خليل، ان “قانون العشوائيات من القوانين المهمة المؤجلة منذ دورات سابقة”، مبينا في حديث صحفي أن “الحكومة سحبت مشروع القانون لإجراء التعديلات عليه، لكن يجب إيجاد البديل للمتجاوزين من خلال الاطلاع على التجارب المحلية والعالمية والاستفادة منها في حل هذا الملف الذي يُستغل عند كل انتخابات”. ويستدرك “لكن في ظل وضع مجلس النواب الحالي، من المستبعد تشريع القانون خلال هذه الدورة”. أما الخبير القانوني علي التميمي، فيرى أن “اسم القانون يحتاج إلى استبدال، كأن يكون (تمليك العقارات المتجاوز عليها)”، لافتا في حديث صحفي إلى ان “القانون فرّق بين الذين أنشأوا دوراً سكنية تجاوزاً على أراضي الدولة أو دوائرها قبل 31 كانون الأول 2016، والذين تجاوزا بعد هذا التاريخ. فهو لا يشمل المتجاوزين بعد هذه الفترة، وهذا التمايز لم يكن له ما يبرره لوجود تجاوزات كثيرة بعد 2016 تحتاج إلى المعالجة أيضا”.

ويشير إلى أن “القانون أوجب وجود لجنة متخصصة تقدر بدلات إيجار الأماكن المتجاوز عليها حسب أسعار مثيلاتها من العقارات النظامية، ما يصعب على المتجاوزين دفع مثل هذه المبالغ، والذين في حال لم يسددوها ستزال منازلهم دون تعويض”. 

وينوّه التميمي إلى ان “العقارات المشغولة بعد 2016 يُطبق عليها قرار مجلس قيادة الثورة 154، والذي يقر بالإخلاء وإزالة التجاوزات”، مبينا أنه “رغم أن مشروع القانون ألغى هذا القرار، لكنه أبقى على إجراءاته”.