اخر الاخبار

في ظل استمرار تدفق قوافل الشاحنات المحملة بالسيارات المستوردة على مختلف مناطق البلاد، تتفاقم المخاطر البيئية التي تهدد حياة العراقيين، بينما لا تكترث الجهات الحكومية لتعاظم نسب التلوث التي جعلت كثيرا من المدن لا تصلح للعيش الإنساني وفقا لمعايير دولية.

ويعتبر الاهتمام بالبيئة وسهولة التنقل وأسعار السكن وتوفر فرص العمل من أهم العوامل التي تُؤخذ بعين الاعتبار لتحديد مستوى رفاهية العيش في أي مدينة.

وطبقا لتقرير أصدرته مجلة «موي نيغوثيوس إي إيكونوميا» الإسبانية، في العام 2021، فإن أسوأ مدينة في العالم يمكن العيش فيها حاليا هي العاصمة بغداد، بسبب الحروب والمستويات العالية للفقر والتفاوت الاجتماعي.

استهلاك الوقود صيفا

يقول المهندس منار العبيدي، بحسب دراسة تولى إعدادها خلال العام الحالي، عن معدلات استهلاك الوقود لدى السيارات في فترة الاختناقات المرورية، وتأثير عمل تكييف السيارات في فصل الصيف على مقدار الوقود المستهلك للسيارة.

ويذكر العبيدي في دراسته، أن مقدار الإنفاق على الوقود يرتفع بنسبة 275% في فصل الصيف والاختناقات المرورية مقارنة مع فترة عدم وجود اختناقات مرورية وفترات الاجواء الطبيعية، مشيرا الى ان «هذا الارتفاع بالنفقات يؤدي الى زيادة الطلب على وقود السيارات، الأمر الذي يكلف بحدود 10 ترليون دينار عراقي إضافية سنويا في بغداد فقط».

ويشير الى ان حجم السيارات الجديدة الداخلة الى العراق يبلغ بحدود 115 الف سيارة سنويا.

وينصح العبيدي في دراسته بـ»حل مؤقت»: وهو «ايقاف استيراد السيارات او رفع التعرفة الكمركية عليها خلال المرحلة القادمة، للسيطرة على تزايد أعداد السيارات».

وقال وزير البيئة نزار آميدي، مؤخرا، أن دوائر ومجالس حماية وتحسين البيئة في بغداد والمحافظات مستمرة بالتواصل مع الحكومات المحلية والمحافظين لدعمهم في كيفية إعداد وتنفيذ برامج معنية بالتحسين البيئي.

وأضاف آميدي في بيان طالعته «طريق الشعب»، إن البنى التحتية الخاصة بالتحسين البيئي تعتبر من أولويات الحكومة الاتحادية، وذلك لمواجهة التحديات الناجمة عن التغير المناخي والتصحر والجفاف».

واضاف ان وزارته تسعى لـ»تنمية الوعي البيئي لدى الإدارات المحلية».

بيع «احجار البيئة»

وتتفاقم ظاهرة بيع وشراء أحجار البيئة الخاصة بالسيارات في الاسواق السوداء، حيث يروج العديد من اصحاب الورش الصناعية أو عبر صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي اعلانات شراء تلك الاحجار «بأسعار مغرية»، وفقا لمعلومات نشرتها مؤسسة نيريج الاعلامية.

قالت الناشطة البيئية نجوان علي، أن «السيارات تشكل تهديدًا كبيرًا على البيئة بسبب الاحتراق غير الكامل للوقود، ما يؤدي إلى مشاكل في محرك السيارة وإطلاق أدخنة ضارة مباشرة إلى الهواء»، مشيرة الى ان «السيارات التي لا تملك احجار بيئة تسهم بشكل كبير في انتشار التلوث أثناء سيرها».

وأضافت في حديث مع «طريق الشعب»، أن «الغازات الناتجة عن عوادم السيارات تتسبب بالعديد من الأمراض التنفسية، وسرطان الرئة، والأمراض القلبية، والأمراض العقلية، وغيرها. كما أن لها تأثيرًا كبيرًا على جودة الهواء، حيث تزيد من تلوثه، وتسهم في تغذية الاحتباس الحراري».

ووفقا للتقرير الإحصائي السنوي الذي صدر من وزارة الصحة، بلغت اعداد المصابين بأمراض الجهاز التنفسي (334010) مراجعين في مستشفيات العاصمة بغداد والمحافظات الاخرى، اي بمعدل ( 13.05 ) مقارنة بالأمراض الأخرى.

قوانين غير مفعّلة

وأشارت علي إلى أنه «على الرغم من وجود قوانين تحد من الانبعاثات الناتجة عن احتراق الوقود في المركبات، إلا أن الوضع في شوارع بغداد يظهر أن هذه القوانين غير مفعلة بشكل كافٍ. فدخان السيارات والمركبات يغطي أجواء العاصمة، خاصة في أوقات الذروة المرورية بعد انتهاء الدوام في المؤسسات العامة».

وأكدت نجوان علي، أهمية تبني حلول شاملة لمعالجة مشكلة التلوث المروري، وتحسين وسائل النقل العام واعتماد السيارات الصديقة للبيئة.

وينص قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) المنشور في جريدة الوقائع الرسمية لسنة 2009 في المادة (15) من الفرع الثالث على: يمنع ما يأتي: انبعاث الادخنة أو الغازات والابخرة أو الدقائق الناجمة عن عمليات انتاجية أو حرق الوقود الى الهواء الا بعد اجراء المعالجات اللازمة بما يتضمن مطابقتها للتشريعات البيئية منع استخدام مركبات او عجلات ينتج عنها عادم اعلى من الحدود المسموح بها في التشريعات الوطنية.

تسقيط المركبات القديمة

يقول خالد الجابري، رئيس مؤسسة أصول للتطوير الاقتصادي والتنمية المستدامة، إن «الازدحام المروري يعد أحد المصادر الرئيسة للتلوث. ولحل هذه المشكلة، يجب ربط المدينة بسلسلة من الشوارع والجسور لتقليل الازدحامات وتحقيق التنقل بسرعة مثالية بين أرجاء المدينة.

ويضيف الجابري لـ»طريق الشعب»، أنه لا يمكن إغفال أن المشاريع الحكومية لفك الاختناق المروري كانت من المفترض أن تُنجز قبل أكثر من 18 عامًا أو ربما أكثر، بواسطة أمانة بغداد، معتبرا أن التأخير في إنجاز التصاميم الأساسية للمدينة «أسفر عن تلوث بصري ومكاني وبيئي كبير، ما أدى إلى زيادة الضغط على البنية التحتية».

ويشير الى أن «تسقيط السيارات القديمة هو أحد الحلول الممكنة، لكنه ليس الحل الوحيد»، مؤكدا «ضرورة تبني رؤية شاملة تضم تخطيطًا حضريا متكاملا، يضمن تحسين جودة الحياة وتقليل الأثر البيئي»، مشددا على أهمية استمرار الحكومة في تنفيذ مثل هذه المشاريع الحيوية، مع التأكيد على أهمية التخطيط المسبق والتنفيذ الفعال لتجنب أي تأخير مستقبلي.

ويؤكد الجابري، أن توفير مدينة خالية من الازدحامات، يتطلب التعاون والتنسيق بين مختلف الجهات الحكومية والمؤسسات المدنية لضمان تنفيذ الخطط والمشاريع بكفاءة وفعالية، ما ينعكس إيجابًا على البيئة وصحة المواطنين.

«كارثي»

كشبين علي، مدير منظمة هسار البيئية، حذر من التأثيرات السلبية على البيئة، والتي تخلفها السيارات، نتيجة للانبعاثات الغازية الضارة التي تطلقها. هذه الغازات تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري وتؤدي إلى تغيّرات مناخية تهدد البشرية».

وقال علي خلال حديثه مع «طريق الشعب»، انه «مع تزايد أعداد السيارات في جميع الدول، تزداد كمية هذه الغازات، ما يزيد من التأثير السلبي على البيئة»، مؤكدا أن هناك جهودا عالمية تحاول الانتقال إلى السيارات الكهربائية أو الصديقة للبيئة كنهج مستدام». ومع ذلك، يواجه العراق تحديات كبيرة في هذا المجال، حيث لا يزال متأخرًا عن الدول الأخرى.

ووصف علي الوضع بأنه «كارثي»، مؤكدا ضرورة تحسين نظام النقل العام كخطوة أولى.

وأضاف، أنّه «العراق يعاني حاليا من نقص في وسائل النقل العام، ما يدفع كل أسرة لامتلاك سيارة خاصة لقضاء الأنشطة اليومية، وهذا يزيد من الضغط على المدن. وبالتالي، يجب تحسين نظام النقل العام كخطوة أولى، يليه التفكير في كيفية استخدام السيارات الصديقة للبيئة». وشدّد على ضرورة تصميم الحلول بشكل استراتيجي من قبل الحكومة، وبمشاركة القطاع الخاص والمنظمات المحلية.

وتابع هسار، أن تحسين النقل العام هو الخطوة الأولى، يتبعها تبني السيارات الصديقة للبيئة. كما ينبغي دعم هذه الاستراتيجيات بالتشريعات المناسبة وزيادة الوعي لدى الناس للمساهمة في هذه المبادرة.

وبحسب وثيقة الإسهامات المحددة التي أعدت وفقا لمتطلبات الاتفاقية الإطارية للمناخ واتفاقية باريس للمناخ يطمح العراق إلى تنفيذ مساهماته المحددة وطنيا للفترة الزمنية من 2021 لغاية 2030 إلى تحقيق خفض متوقع بين 1 – 2 في المائة من مجمل الانبعاثات وفقا للجرودات الوطنية للغازات الدفيئة بالجهد الوطني.

عرض مقالات: